غزو العلاج النفسي لجميع التخصصات الطبية؟

كل شعور لا يجد طريقه في التعبير عنه، يجعل الجسد يعبرعوضا عنه ! بل إن العقل قادرعلى إنشاء أعراض جسدية لأي مرض كان، إن وجدت ضرورة نفسية لذلك!

حسب احصائيات سنة 2019 والتي نشرتها الجمعية الألمانية للطب النفسي بلغت نسبة الراشدين الذين يصابون بأمراض نفسية في ألمانيا سنويا 27,8 بالمائة والأغرب هو أن 18,9 بالمائة منهم لا يلجأون للعلاج النفسي. ما تأثير ذلك على الواقع؟ وهل بدأت ثورة العلاج النفسي أخيرا بالظهور و باكتساح مجالات غير متوقعة أبدا؟
ليس من الغريب أبدا أن تنتشر الإضطرابات النفسية الجسدية في زماننا بصورة كبيرة, مادام الحفاظ على الصحة النفسية حتى منذ المدى القريب لم يكن يعطى القدر اللازم من الاهتمام.

فانتشر ظهور الأعراض المرضية الجسدية وهي الأمراض التي تبدو جسدية لكن سبب ظهورها نفسي بحت،باتت هذه الإضطرابات النفسية الجسدية واردة جدا ومع ذلك كثيرا ما يغفل عن تمييزها و تصنف لذلك من جملة الأمراض الجسدية البحتة.

بالتالي تبوء محاولة علاجها على مدى سنين بالفشل،ليس ذلك غريبا فإن الذي يحصل هو محاولة علاج الأعراض دون معرفة أن تلك الأعراض هي فقط تعبير عن ألم مشاعر مكبوتة لم تعالج بعد.

فحسب منظور العلاج التحويلي السريع, وهو يعد من أنجع العلاجات النفسية الحديثة, كل شعور لا يجد طريقه في التعبير عنه، يجعل الجسد يعبر عوضا عنه ! بل إن العقل قادرعلى إنشاء  أعراض جسدية لأي مرض كان، إن وجدت ضرورة نفسية لذلك!

هذا ماجعل العلاج التحويلي السريع, كمثال من جملة العلاجات النفسية المعاصرة, يتميز في طريقة علاجه  للإضطرابات  النفسية الجسدية. فهو يستعمل تقنية التحليل ويكشف الستار عن الدور الذي من أجله ظهر ذلك العرض المرضي في حياة الشخص.

ليس من البديهي أن يتصور الإنسان مثلا أن صداعه النصفي الحاد قد ظهر في حياته وبقي يلازمه لأنه عاش مواقف صعبة في طفولته ولم يحس بالاهتمام والحنان من والديه إلا بعد ظهور ألم الرأس في حياته.

كل شعور لا يجد طريقه في التعبير عنه، يجعل الجسد يعبر عنه عوض! بل إن العقل قادرعلى إنشاء  أعراض جسدية لأي مرض كان، إن وجدت ضرورة نفسية لذلك!

هنا تكمن النظرية غير المألوفة وهي أن العرض المرضي، يشكله الجسد للشخص ليلبي له احتياجا معينا في حياته.
قد تبدو هذه النظرية ساذجة لكن فعلا الكثير من الحالات المرضية تم علاجها ارتكازا على ذلك. فعندما يكشف الدور المحدد الذي جاء ليلعبه العرض المرضي في حياة الانسان وعندما تتم برمجة العقل أن لم يعد هناك حاجة لهذا الدور أصلا, يتحرر الإنسان من بقاء ذلك العرض في حياته.
فلنأخذ مثالا واقعيا عن ذلك وهو مثال  الفتاة ستاسي التي كانت تشكو من العقم غير المبرر، ساعدها العلاج التحويلي السريع في أن تتذكر مشاهد مؤثرة من حياتها ومسجلة في عقلها اللاواعي في شكل اعتقاد يسير جسدها بكل وظائفه. فالتجارب الحياتية القاسية و المؤثرة جدا تسجل في عقل الإنسان على شكل مشاهد معينة.

من ضمن المشاهد التي تذكرتها ستاسي أثر إستعمال التنويم الإيحائي لتمكينها من التذكر بسرعة، مشهد ابن خالتها الذي ولد معاقا و رغم كل المجهودات والمعاناة الشديدة من أجله مات في الأخير.

تكرار استرجاع ستاسي ذلك الموقف المؤلم طوال حياتها جعل إعتقادا معينا ينشأ ويثبت في عقلها,  بأن انجاب الأطفال محفوف بالمخاطر و يسبب الآلام في النهاية.

موقف آخر عاشته أيضا وكان له أثر كبير في حياتها هو مشهد قرار انفصال أبيها عن أمها و مغادرته للبيت، دون أي إكتراث بأمها أو بأطفاله.

لقد أحست ستاسي معاناة أمها بعمق و حفر في عقلها اعتقاد قوي يؤكد أن إنجاب الأطفال محفوف دائما بالمخاطر و الآلام والمعاناة.

وهنا يأتي دور العقل في تأثيره على الجسد, فمن أهم القواعد التي يشتغل على أساسها العقل هي أن يبعدك عن كل ما تعتقد أنه يسبب الألم ويقربك لكل ما تعتقد أنه يجلب السرور.

إن العقل قار على التأثير على وظائف الجسم فيسيولوجيا بل حتى على إنشاء أي عرض مرضي ليحقق ذلك!
اعتقاد ستاسي السلبي القوي بأن إنجاب الأطفال يسبب الألم و المعاناة جعل عقلها يعطي أمرا لجسدها بايقاف خصوبتها كليا.

نحن نعيش فعلا ثورة كبيرة في مجال العلاج النفسي مما يجعلني أتساءل حقا, هل سيأتي يوم يصبح فيه العلاج النفسي بديلا كليا لكل العلاجات الطبية ؟؟ 

لكن بعد فهمها العميق للسبب النفسي لمشكلتها وبعد إعادة برمجة عقلها وإستبدال الإعتقاد السلبي المتسبب في المشكل بآخر إيجابي، تحررت و تم علاجها.

استطاعت ستاسي كالكثير من غيرها أن تعيد تفعيل خصوبتها وتنجح في إنجاب أطفال بعد أن كان ذلك مستحيلا.
نرى أن الوعي بقدر تأثير النفس على الجسد ووظائفه بدأ ينتشر كثيرا مؤخرا.

ليس فقط الأمراض النفسية أو النفسية الجسدية تعالج مثلا بالعلاج التحويلي السريع بل على خلاف طرق العلاج النفسي التقليدية، يحقق هذا النوع الجديد من العلاج النفسي نتائج مبهرة في تعزيز القدرة على الشفاء من الأمراض الجسدية البحتة.

إذ تستغل قوة تسييرالعقل للجسد و برمجة العقل الباطن لتحسين فيسيولوجية الجسد وتسريع تحقيق الشفاء أو التحسن. هنا يجدر ذكر تقنية العلاج بأمر الخلايا،وهي تقنية عجيبة يتم فيها عن طريق التوكيدات المكثفة، برمجة خلايا الجسد للعودة إلى صورتها المثالية حسب ما هو مسجل في الحمض النووي هذه التقنية أبدت نجاعتها حتى في تسهيل ومساندة مقاومة الجسد للخلايا السرطانية عافانا وعافكم الله.
نحن نعيش فعلا ثورة كبيرة في مجال العلاج النفسي مما يجعلني أتساءل حقا, هل سيأتي يوم يصبح فيه العلاج النفسي بديلا كليا لكل العلاجات الطبية ؟؟       
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها