تناقض الملاحدة.. سام هاريس

ألف باء علم المنطق المعاني الكلية والمعاني الجزئية عندما أقول لك: المسلمين، فهذا معنى كلي داخل فيه كل المسلمين.

في كتابه تاريخ الفلسفة الغربية الجزء الأول، وفي معرض كلامه عن  الفيلسوف ديموقريطس يقول برتنارد راسل: “علينا ألا نسأل السؤال الغائي كما فعل ديموقريطس أو  علينا أن  نضع له جواباً جزافا لأنك إن فعلت ذلك ستجد نفسك منقادا للاعتراف بالخالق”. وفي كتاب “وهم الإله” ينقل عنه صاحبه أن امرأة سألته في عيد ميلاده الـ 94: إن مت وسألك الرب: لماذا لم تؤمن بي، ماذا سيكون جوابك؟ أجاب برتنارد راسل بقوله: عدم كفاية الأدلة يا رب عدم كفاية الأدلة. الفرق بين منقاد للاعتراف بالخالق و عدم كفاية الأدلة كالفرق بين مكة والفاتيكان، هذا تناقض لا يمكن أن يصدر عن فيلسوف يبحث عن الحقيقة.

هذا كان تناقض برتنارد راسل كبير الملاحدة. أما مع الملاحدة الجدد فالأمر يزداد سوءا؛ تجد نفسك أمام سيل من التناقضات تصل أحيانا حد السخف وأحيانًا في غاية التهافت. خد مثلاً سام هاريس يقول عن الحضارة الإسلامية: “نعم صحيح أن العالم الإسلامي كان متفوقاً على الغرب منذ ألف سنة مضت لكن هذا لا يعني أن الإسلام جيد”. هنا ينفي أن يكون التقدم الحضاري في العالم الإسلامي له أي علاقة بالإسلام.

بعدها بقليل يعترف بأن السبب في النهضة العلمية في العالم الإسلامي كانت أسبابها دينية، يقول: أما فيما يخص الحضارة الإسلامية نعم كان هناك مسلمون يحرزون تقدما في علم البصريات؛ لكن ذلك لم يكن بهدف صناعة التلسكوبات لفهم الكون بل لكي يحددوا بدقة اتجاه القبلة. لا يمكن أن يكون الإسلام غير جيد ويكون هو الدافع نحو الاكتشافات العلمية هذا يسمى تهافت.

لكن مهلا هل فعلاً الإسلام غير جيد؟ هذا غير صحيح بالمرة، يكفي أن ننظر إلى الأخلاقيات التي جاء بها الإسلام للمجتمع العربي لنعلم أنه جيد. ومن بين تعاليمه التي توحي برقي الحرب التي شنها على وأد البنات إضافة إلى رفعه مكانة المرأة من متاع يورث إلى إنسان له حقوق وعليه وجبات، وتجريمه قتل النفس، وتجريم أكل مال اليتيم، والسرقة، واستغلال الأغنياء للفقراء عن طريق الربا. ونجد أول مرة في التاريخ الإنساني يظهر تحرير العبيد على أنه مبدأ خلقي، فإن أنت قمت بمخالفة لبعض مبادئ  الشريعة فعليك تحرير رقبة. هذه التعاليم لا تترك لك مجالا لكي تزعم  أن الإسلام غير جيد، هذا كلام باطل بل هو باطل الأباطيل.

إضافة إلى ما سبق نقول إن الإسلام هو السبب الرئيسي في النهضة الإسلامية، ولولا الإسلام ما كانت نهضة للعرب، وبدون هذه النهضة هناك شاك كبير في أن يكون الغرب وصل إلى ما وصل إليه الآن. هذا الكلام بين في كل كتابات صناع النهضة العربية. ويكفي أن نأخذ اقتباسا من كتاب الخوارزمي لنعلم أن التقدم العلمي كان سببه ديني، يقول في مقدمة كتابه الجبر والمقابلة بأن سبب تأليفه الكتاب هو: لسبب ما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم ومقاسمتاهم وأحكامهم وتجارتهم  (بنية العقل العربي 99) نجد ثلاثة أسباب من خمسة هي دينية وهي الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم وأحكامهم بعد هذا كيف نقول الإسلام غير جيد هذا الكلام باطل لا نقاش في هذا.

مهلا مرة أخرى هل الحضارة الإسلامية أحرزت تقدماً في علم البصريات فقط كما قال سام هاريس أم هناك تقزيم لها وإجحاف للعقول التي كانت السبب الرئيسي في النهضة الأوربية؟ من بين العلوم التي لم يتكلم عنها هاريس الفلسفة حيث إن أكابر العصور الوسطى وعصر النهضة في الغرب كانوا ممن تتلمذوا على يد الفلسفة الإسلامية وممن تتلمذ على يد ابن رشد: رينيه ديكارت، توما الأكويني، دانتي أليغييري، جوردانو برونو، والقائمة تطول.

أضيف إلى علم البصريات مع ابن الهيثم علم الطب مع الرازي  ًتقول سيغريد هونكه عن  أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي “أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق”، حيث ألف كتاب الحاوي في الطب، الذي كان يضم كل المعارف الطبية منذ أيام الإغريق حتى عام 925م، وظل المرجع الطبي الرئيسي في أوربا لمدة 400 عام. بعد ذلك التاريخ أضيف إلى هذا علم الكيمياء مع جابر بن حيان والجبر مع الخوارزمي و الاجتماع مع ابن خلدون والقائمة طويلة. ولأن هذا المقال لا يعنى بذكر فضل الحضارة الإسلامية على الغرب سأقف هنا على أن أنصحك إن أردت أن تستزيد بقراءة كتاب المستشرقة سيغريد هونكه “شمس الله تسطع على الغرب، ففيه الكثير وإن كان ليس كل شيء.

ألف باء علم المنطق المعاني الكلية والمعاني الجزئية عندما أقول لك المسلمين فهذا معنى كلي داخل فيه كل المسلمين. أنا داخل في معنى المسلمين، وأنت كذلك. هذا بخلاف إذا قلت لك هذا المسلم فهذا يسمى جزئي ينطبق على شخص واحد فقط. هذا كلام معروف جيدا لكل طالب المنطق الأرسطي ويعرفه كل من قرأ 20 صفحة من أي كتاب في المنطق بعد المقدمة. هذا الكلام لم يرعه سام هاريس، وإليك تهافته يقول: “فكر بشأن المسلمين للحظة فهم يفجرون أنفسهم مقتنعون أنهم وكلاء الله في إرادته”. سؤال هل أنت داخل في معنى كلمة المسلمين؟ طبعا داخلً وأنا كذلك. سؤال أخر: هل فجرت نفسك يوماً ما وكم من المسلمين في محيطك فجروا أنفسهم هذه السنة؟ حاول أن تتخيل معي لو أن المسلمين قرروا أن يفجروا أنفسهم كما قال سام هاريس، هذا يسمى إفك.

إليك تهافت آخر يقول: “ألا تؤمن بالله هو أن تعلم أننا نجعل العالم مكانا أفضل”، الرد الصحيح، كيف جعل هؤلاء الملاحدة أفضل؟ ومنهم: ماوتسي تونغ الديكتاتور الأكبر قتل 79 مليون ضحية من أبناء وطنه، ومنهم: جوزيف ستالين قتل 60 مليونا، وهتلر قتل أربعين مليونًا، وموسوليني قتل ما يزيد على 300 ألف شخص في إثيوبيا فقط ودون ذكر المجازر في مناطق الأخرى.

هؤلاء السفاحون بينهم قاسم مشترك هو أنهم ملاحدة لكنهم لم يجعلوا العالم أفضل كما قال سام هاريس بل جعلوه أسوأ. كل ما فعلوه هؤلاء القتلة هو قانون الطبيعة الذي لخصه فريدريك نيتشه بقوله: اقهر الضعفاء واصعد فوق جثثهم (الإسلام بين الشرق والغرب 21)

عزيزي القارئ: قارن معي تعاليم الإلحاد التي لخصها نيتشه الملحد ابن داروين وبسمارك الملحدين بقوله: اقهر الضعفاء واصعد فوق جثثهم، مع تعاليم الإسلام: “فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر”.
كلام نيتشه هو النهاية المنطقية للإلحاد وهذا ما واعاه هتلر وماو وستالين. هنا يمكننا تصحيح خطاء سام هاريس فنقول: أن تلحد فهذا يعني أنك تجعل العالم أسوأ. التهافت والتناقض والحجج العاطفية من خصائص الإلحاد الجديد وسام هاريس مثال فقط وعليه فقس.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها