اختلاف الدين كمانع من الميراث!

.المنع من الميراث بسبب اختلاف الدين ليس تفرقة عنصرية بل إحترام للخصوصية الدينية التي هي حق من حقوق الإنسان

وإن جاز للمسلم الزواج من غير المسلمة، إلا أنها لا ترث فيه، لأن إختلاف الدين مانع من موانع الميراث،  وهذا حكم متفق عليه في الشريعة الإسلامية.
والمتأمل في هذا الحكم  يخلص إلي أن توريث الزوجة المسلمة،  وحرمان الزوجة غير المسلمة من الميراث ليس من قبيل التفرقة بسبب الدين، بل أمر اقتضته المصالح العليا للمجتمع منها الحفاظ على السلم المجتمعي بين أفراده كما اقتضاها احترام خصوصية العقيدة الدينية لكل منهما فضلا عن توافقها مع مباديء العدالة الطبيعية لدى جميع العقلاء ولنتأمل بعضا من أسرار ذلك.
والمنع من الميراث بسبب اختلاف الدين  ليس تفرقة عنصرية بل إحترام للخصوصية الدينية التي هي حق من حقوق الإنسان
أولا :- ليس الحرمان من الميراث بسبب اختلاف الدين منافيا للعدالة؛ لأن التوارث ممنوع بين كليهما، فلا الزوجة ترث من زوجها ولا الزوج يرث من زوجته؛ إذا اختلفا في الدين.
 فالزوج المسلم لا يرث من زوجته النصرانية بل إن تركتها كلها تؤول الي أقاربها من النصارى؛ ولذلك فإن عدم ميراثها منه هو العدل الطبيعي، وليس تفرقة بسبب الدين، بل لأحكام أخرى سنأتي إليها .

محكمة الأسرة بمصر

ثانيا :-هذا الحكم عام بين أي زوجين مختلفين في الدين، وليس مقتصرا على المسلم وغير المسلمة فلا يرث مسيحي من يهودية مثلا إذا احتكما إلينا في تقسيم الميراث فان شريعتنا لا تورثهم لعموم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شتي ” وهذا حكم متفق عليه بين المذاهب الفقهية.
  فحرمان الزوجة النصرانية من الميراث جزء من هذا الحكم العام وسببه أن الميراث تقسيم مال بعد الموت كان مملوكا للميت فراعت الشريعة الإسلامية  العقيدة الدينية لهذا الميت وهذا احترام لخصوصيته الدينية  فبالموت تنقطع الأواصر بين المسلم  وزوجته غير المسلمة في الآخرة بحسب ما يعتقد كل منهما تجاه الأخر، كما قال تعالي ” الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) الزخرف  يقول القرطبي في قوله  ( أنتم وأزواجكم ) المسلمات في الدنيا وقوله تعالي ”  وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85 ) سورة ال عمران .

المنع من الميراث بسبب اختلاف الدين؛  ليس تفرقة عنصرية بل إحترام للخصوصية الدينية التي هي حق من حقوق الإنسان

وغير المسلمون تنص كتبهم بين أيديهم على أنه  بالموت  ينقطع التواصل بين الزوجين مختلفين الديانة، في شؤون الآخرة.
وذهب بعض العلماء إلى أنه لايجوز الاستغفار لها ولا طلب الرحمة لها  في الآخرة،  لقوله تعالي ”مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَٱلَّذِينَ  ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِى قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ (113) التوبة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: ، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين ونحو ذلك.
وهذا خلاف العلاقة  بينهما في الدنيا،   فقد بنيت على التعاون وحسن المعاشرة  والقاعدة أن العلاقة بين المسلمين وغيرهم  في الدنيا تحكمها القاعدة القرآنية (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم )  وقد جاء المنع من الميراث بين المختلفين في الدين  لانقطاع  الصلة بينهما بعد الموت , رابعا :- من شأن التوارث بين مختلفي الدين، أن يجمعهم جبرا شركاء في مال شائع وهو تركة المتوفى؛ فسيكون الزوج المسلم مثلا ووالد الزوجة النصراني وأخوها النصراني وبناتها المسلمات شركاء في التركة؛ وتوافقهم أبعد من تآلفهم في هذه الحالة واحتدام الصراع بينهم بسبب تعارض المصالح أقرب من الوئام.

والميراث بين المختلفين دينيا، خلاف العلاقة  بينهما في الدنيا،  والتي بنيت على التعاون وحسن المعاشرة  والقاعدة أن العلاقة بين المسلمين وغيرهم  في الدنيا يحكمها القاعدة القرآنية

 مما يمكن أن يكون بؤرة للقلاقل الاضطرابات في المجتمع،  بخلاف علاقة الزوجية التي تشكل ركيزة استقرار وسلام في المجتمع  وتقارب بين فئاته فما جمعه  الزواج بين المختلفين في الدين يفرقه الميراث .
ومن ثم  كان الأفضل عدم اختلاطهم على الميراث ففيه من المفاسد أكثر من المصالح وهو إضرار بالسلم المجتمعي الذي يحرص الإسلام على البقاء عليه بين أبناء الوطن الواحد.

خامسا :- أحكام الشريعة الإسلامية متسقة مع بعضها ويعاضد بعضها بعضا، لأن مصدرها واحد بخلاف القوانين الوضعية.
 فأحكام المواريث لها صلة بأحكام الزواج؛ وبأحكام الجنايات والقصاص والديات فالتوارث مبناه على النصرة والموالاة، ومن الطبيعي عدم التناصر والولاء بين المختلفين في الدين لأنه مبني على العقيدة .

أحكام الشريعة الإسلامية متسقة مع بعضها ويعاضد بعضها بعضا، لأن مصدرها واحد بخلاف القوانين الوضعية.

 ولذلك فالمعروف عند فقهاء الشريعة أن العاقلة التي تتحمل دية القتل، لا تشمل القرابة غير المسلمة للجاني كما يقول  شرح زاد المستقنع؛ إذا كان أحد من عصبات الجاني وليس على دينه فإنه لا يتحمل من العقل شيئا لأنّ المخالف في الدين ليس من أهل النصرة وإذا كان السبب في إيجابها على العاقلة هو التناصر فهذا السبب مفقود فيمن يختلف في الدين مع الجاني وهذا صحيح .

 

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها