أحمد شعبان يكتب: لنتحدث عن الإباحية

انتقل الهوس بالإباحية لمجال الصحافة، فالمنافسة في مصر تضغط على كل صحفي للإتيان بأي خبر يحقق نسب “ترافيك”،وإلا فيمكن أن ترسله الصحيفة لوظائف غير مهمة.

  أحمد عادل شعبان

أعتقد أن ذكر الأشياء التي تحمل بعضاً من الإباحية في مجتمعنا ليس بالشئ السيء بشرط أن يكون هذا بصيغة هادئة وبألفاظ لا تجرح المشاعر .. لأن وضع الإباحية في سياقها الطبيعي وتقديمها كــ”إباحية” قد يجعل الناس يعيدون التفكير في المسألة بمعزل عن مسكنات الضمير التي أعطوها لأنفسهم لقبول تلك الأشياء.
 فالعُري يمكن أن يصبح فناً،
والمشاهد الأدبية الإباحية “موظفة في السياق” .. مسكنات أخلاقية ودينية تجعلنا نقبل قلة الأدب دون أن نصفها باسمها الحقيقي .. هي مجرد “قلة أدب” سواء أسميتها “فن” أو “إبراهيم عبد الصمد” فتغيير اسمها لن يغير مضمونها.

لا أنسى يوم تحدثت مع صديق كان يحب الأفلام الأمريكية حباً شديداً .. ثم أتى يوماً غاضباً بسبب مشهد إباحي قرأه في رواية ما .. ولما ذكرته بأن المشاهد الإباحية ترد أيضاً في الأفلام الأجنبية، فمن باب أولى الإقلاع عنها لأنها حرام .. فقال لي بدهشة حقيقية: “يا نهاااااااااااااااااار أبيض .. أول مرة اعرف”.. قلت له شيئا من طراز : ” نعم ياخويا .. أمال كنت فاكر ايه؟”.. فقال لي في خجل وصوت خفيض: “كنت بقول إنها تمثيل وكدة” .. ثم أقسم ألا يعود لمشاهدة هذه الأشياء مرة أخرى.

المشكلة أن قلة الأدب أصبحت تُقدم بعكس سياقها .. فهناك فيلم عربي شاهدته أكثر من مرة ولكني التفت مؤخراً لصديقة البطلة تقول للبطلة كلمة لا يصح أن تصدر من أي شخص محترم فضلاً على أن تصدر من فتاة .. كانت البطلة تحب شخصاً لكنه تركها لأنها ضحلة وصاحبة أفكار بالية وليست “كووول” .. ثم بعد ذلك قررت أن تتظاهر بأنها “كووول” لأن هذا هو الرائج .. فتعرفت على شاب وقابلته في “بار” .. وبالصدفة رآها حبيبها القديم هناك فأرسل لها رسالة على الفيس بوك يطلب منها إعادة المياة لمجاريها .. فاستشارت صديقتها في أمر الرسالة قائلة : “لا أعرف لماذا أرسل لي ؟”

فردت صاحبتها – وهي تغمز -: “تلاقيه لما شافك بترقصي في الديسكو “سِخن” تاني .. ستلومني على تكرار هذه الكلمة مع أنها تُعرض 24 ساعة على شاشات الفضائيات .. أنت رأيتها وابنك وأخوك وشقيقتك وابنتك … فلماذا نسكت وندفن رؤوسنا في الرمال بدلاً من إفهام الناس بأن هذه “قلة أدب” وليست من الفن في شئ؟.  

المشكلة في المشهد نفسه اختزال فكرة الحب وإعطاؤها رمزا جنسيا واضحا .. أي أن الشئ الذي يمكن أن يعيد لك حبيبك هو كونك ترقصين أو ترتدين فستانا خليعا .. وتشعر أن الكلمة مُقحمة في المشهد وكان يمكن التعبير عنها بألف كلمة أخرى أغلبها متداول على ألسنة الشباب .. لكن المؤلف والمخرج والمنتج – قطعاً – يريدون ذلك.

انتقل الهوس  بالإباحية إلى مجال الصحافة .. السبب في هذا أن المنافسة الصحفية في مصر تضغط على كل صحفي للإتيان بأي خبر يحقق نسب “ترافيك” عالية .. وإلا فيمكن أن ترسله الصحيفة إلى وظائف غير مهمة تجعل مستقبله الإعلامي والصحفي محلك سر .. لذلك أصيب الصحفيون – وبخاصة الشباب – بهوس الترافيك .. لدرجة أن بعضهم صار مستعداً لنشر صورته عارياً ليجلب المزيد من الزوار ويثبت أقدامه في الصحيفة .. لا أعتبر هذا مبرراً.

فهناك عشرات الصحفيين المحترمين الذين لم يستجيبوا لهذه الضغوط .. لكننا نناقش أسباب المشكلة .. لهذا تجد اخباراً مثل “رواد التواصل الاجتماعي يهاجمون (فلانة ) أول ممثلة أفلام إباحية عربية” .. يجلب الموضوع عشرات الآلاف من الزوار .. لكن لنكن متسقين مع أنفسنا.

هل دخل القراء لأنهم يريدون رؤية الناس وهم يهاجمون تلك “الفاسقة الداعرة” .. أم دخلوا ليشاهدوا صورتها أو على الأقل يعرفون أسمها ليبحثوا عنها بعد ذلك؟ … وإن لامه شخص يقول: “أنا أقوم بحملة صحفية ضد تلك الفتاة الغير محترمة”، إذن يعطي لنفسه مبررات أخلاقية لأعماله الإباحية .. شخصياً لم أعرف بوجود هذه الممثلة إلا من الصحافة المصرية ولو سكتوا عنها لما نالت 1% من تلك الشهرة.

ينشر صحفي آخر أن الممثلة الفلانية نشرت صورة “Topless” ونالت هجوماً من متابعيها فيجئ له مئات الآلاف من الزوار .. بل ويتبرع بشرح معنى كلمة ” Topless” .. بالتأكيد لا ينشر الصورة في الخبر لأنه محترم ولا يستطيع ترويج تلك المشاهد الخليعة، لكن كل من قرأ الإسم الوارد في الخبر يمكنه بضغطة زر أن يذهب لصفحة الفنانة المذكورة .. وهنيئاً لصاحب الخبر على كم السيئات التي نالها.

في مجال الأدب المسألة لا تختلف كثيراً .. فالكاتب الذي لا ينشر الكثير من المشاهد الجنسية في روايته, فاشل .. حتى أن بعض الأدباء الكبار الذين عُرفوا بتوجهاتهم الأخلاقية انضموا لركب الحضارة الأدبية وكتبوا روايات تتسم بمسحات جنسية بدعوى أن هذا هو الواقع .. ولابد أن يكون الوصف بالتفصيل الممل .. وكل منهم يستعرض ثقافته الجنسية وبراعة أبطاله في هذا الأمر .. وكان لي رأي في هذه المسألة ذكرته لأحد الأدباء الشباب الذين يكتبون تلك النوعية حيث قلت له: ما تقدمه قلة أدب وليس أدب.

وأنت عندي لا تفرق عن هؤلاء الذين يدخلون المواقع إياها ليكتبوا قصصا من نوع “قصتي مع عمتي الجميلة” و “حكايتي مع ابنة الجيران” .. مع ذلك ستجد من يدافع بإستماتة عن المشاهد قليلة الأدب في الروايات بدعوى أنها في السياق .. أو يقول لك “لم تعجبني تلك المشاهد ولكن أعجبتني الرواية” .. لقد قرأت هذا الغثاء والنتيجة واحدة سواء أعجبك أم لم يعجبك .. هل هناك من يقيم فيلما إباحيا عن طريق الإشادة بالسيناريو الخاص به ولكنه يقول: أما مشاهد الإباحية فلم تعجبني؟  لقد انتحر المنطق في مصر.

في رأيي المتواضع أن المشكلة ليست في الإباحية بقدر ما هي فيمن يتفاعلون معها .. أما الفئة الأخطر فهي في تلك الفئة التي تريد أن تشاهد الإباحية دون أن تحمل التبعة .. فيعطون لها مسميات اخرى .. ويدافعون عنها بكل ما أتوا من قوة.

وهؤلاء لو اتسقوا مع أنفسهم نصف دقيقة لما وجدت الإباحية أي تأييد سوى لدى الإباحيين .. وبهذا تقل أرباح من ينتجون قلة الأدب لعزوف الناس عنها لعلهم  يفكرون في تقديم فن أو أدب أو إعلام محترم .. لكن طبعاً لن يلتفت أحد لكل ما قيل وبخاصة الفئة الاخيرة التي ذكرتها لأنهم يحسبون أنفسهم مثقفين, ولهم أقول: هنيئاً لكم على كل سيئة حملتموها نتاج الدفاع عن إشاعة المنكر في المجتمع.

 

أحمد عادل شعبان
مدون مصري

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها