التراشق الإسرائيلي الإيراني.. الدلالات والعواقب

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (رويترز)

عشنا ليلة الرابع عشر من إبريل/نيسان على وقع انتظار وصول المسيّرات والصواريخ المجنحة والباليستية الإيرانية إلى داخل الكيان الإسرائيلي وما ستحدثه من دمار يطال كبرياء الكيان قبل بنيته العسكرية، لكن النتيجة كانت على غير ما توقعنا، فلم نرَ ضربة حقيقية بالقوة التي أعلنت عنها إيران في تدمير قنصليتها بدمشق في الأول من إبريل الجاري.

وأنا في انتظار وصول الصواريخ سألت نفسي في سذاجة مفرطة: ماذا لو جاءت هذه الضربة ولو بهذا الحجم الدعائي يوم 8 أكتوبر الماضي دعمًا وإسنادًا لطوفان الأقصى؟! يقينًا كانت المنطقة كلها ستتغير إلى الأبد. لكن الدول لا تتعامل بمنطق المؤسسات الخيرية، فهي لا تعمل إلا وفق مصالحها وليس وفق مبادئ وأخلاقيات نتوهمها حينًا، ونعيش عليها أحيانًا أخرى.

فما الذي جنته إيران وبقية أطراف الصراع من هذه الضربة وفق مخططاتها ومصالحها؟!

لقد اندلع طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي وفي المنطقة ثلاث قوى إقليمية هي على الترتيب: إسرائيل ثم تركيا ثم إيران، وبعد ٧ أكتوبر تمرغت كرامة إسرائيل في التراب وظهرت بمظهر الدولة التي لم تعرف كيف تدافع عن نفسها.

وتراجعت تركيا للأسف بسبب سياسة اللاوضع التي انتهجتها مع غزة فلم نر منها موقفًا سوى كلمات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، وكان في استطاعتها عمل الكثير، وأصبحت إيران القوى الأولى في الإقليم وردت بشكل عملي على ما كانت تبديه إسرائيل والولايات المتحدة اليمينية (في عهد ترمب) من محاولات النيل منها، فجاء ردها واضحًا منبئًا عن أن أي مساس بإيران أو برنامجها النووي سيكون مغامرة غير محسوبة، وستؤدي إلى انطلاق الحرب على المصالح الأمريكية في كل المنطقة، من اليمن إلى سوريا إلى العراق إلى لبنان إلى البحر الأحمر، إلى غيرها.

وعليه فقد رأينا إيران توجه ضربة صاروخية وباستخدام طائرات مسيّرة إلى دولة نووية مثل باكستان في 16 يناير/كانون الثاني الماضي ثم يسوى الأمر بعدها برد إعلامي باكستاني بعد يومين.

الحرب الشاملة

وبالتالي لم يكن مقبولًا لإيران السكوت بعد ضرب قنصليتها في دمشق وقتل سبعة من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، فالصمت على هذه المغامرة التي تمس سمعتها سيغري العدو والمتربص بمزيد من الضربات، لذا كان لا بد من رد محسوب للتأكيد على سياسة الردع مع إسرائيل والولايات المتحدة.

في هذا الإطار لا بد من التأكيد على أنه لا إيران ولا الولايات المتحدة ولا إسرائيل تريد حربًا شاملة، وأن الجميع متفق على عدم توسيع نطاق الحرب الدائرة الآن في غزة. ولذلك لم تأل إيران جهدًا في توصيل رسالتها حول الضربة المتوقعة، موضحة أنها محدودة، وستوجه إلى المواقع العسكرية التي استخدمتها الطائرات التي قصفت قنصليتها في دمشق، وكان معلومًا قبل الضربة بأيام وفق ما أعلنه الرئيس الأمريكي محددًا موعدها وحجمها ونطاقها، وأن إيران ستستخدم فيها مئة طائرة مسيّرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية.

والعجيب أن إيران ذاتها أعلنت عن ضربتها -فضلا عن الإعلان الأمريكي والإسرائيلي- فور انطلاق طائراتها المسيّرة اتجاه إسرائيل وقبل وصولها بساعات. الخلاصة أن الرد لم يتعد المدى المخطط له وفق السوابق المعمول بها بين أطراف اللعبة، مثلما جاء رد إيران على مقتل سليماني، فأبلغت طهران رئيس الوزراء العراقي قبل الضربة بأربعٍ وعشرين ساعة بحكم وجود القاعدة الأمريكية التي ستضربها داخل العراق، وتولى إبلاغ الولايات المتحدة، فأخلت القاعدة العسكرية المزمع ضربها، لتأتِ الضربة دون ضحايا.

وهكذا جاءت محصلة الضربة الإيرانية بأن الكل فائز حين انتهت عند هذا الحد ولم تتسع، فإيران ردت، وإسرائيل خرجت بأقل الخسائر، والنظام الأمريكي قام بحماية إسرائيل بما يمكنه من ممارسة مزيد من الضغوط عليها لوقف حرب غزة في سنة الانتخابات، لأنه لا يمكنه النجاح في الانتخابات القادمة في ظل استمرار الحرب.

النتائج

فما هي النتائج التي خلفتها هذه الضربة الإعلامية:

في حين كانت الضربة الإسرائيلية خارج إيران، جاء الرد الإيراني لأول مرة داخل العمق الإسرائيلي في سابقة هي الأولى، إذ كان الرد الإيراني هذه المرة مباشرًا، وليس بالوكالة ودون وسيط من حلفاء دول الجوار. رغم قلة الخسائر الإسرائيلية، فإن هذه الضربة جاءت مذلة لإسرائيل، لتؤكد هشاشتها وتبرهن على ضعفها على عكس الصورة التي تحاول إسرائيل رسمها في حربها على غزة منذ أكثر من ستة أشهر لمحو الصورة الهزيلة التي بدت عليها في ٧ أكتوبر.

فالذي نجح في صد الضربة في الواقع هم حلفاء إسرائيل من الغرب. لقد شاهدنا في هذه الضربة ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي دولة عربية (الأردن) تقف علنًا جنبًا إلى جنب مع الغرب في الدفاع عن إسرائيل بالفعل وليس بالكلام، وهو ما ينذر بهرولة المنظومة العربية الرسمية اتجاه إسرائيل رغم ما بدت عليه من ضعف في طوفان الأقصى، لارتباط بقائها بالمنظومة الغربية التي تمثل إسرائيل رأس حربتها في المنطقة.

ما يهمنا هنا هو الإجابة عن السؤال الصعب ألا وهو: أين تموضعنا نحن العرب مما يحدث؟! وهل سنظل في مقاعد المتفرجين أم نحاول مجتهدين الدفاع عن مصالحنا وإيجاد دور فاعل يمكن البناء عليه مستقبلًا، وذلك لا يعني الانحياز لإيران، وإنما يعني بالضرورة الدفاع عن غزة، وفيه الكثير من الأفعال المبادرة التي تخرج عن نطاق الكلام، وتقف دون إعلان الحرب على إسرائيل.

كذلك فإن الإدارة التركية تحتاج إلى أن تراجع نفسها في دورها اتجاه غزة من باب استعادة دورها كدولة إقليمية كبرى، فإسرائيل والولايات المتحدة تخشيان اتساع نطاق الحرب، ومن ثم لن تقدما على محاربة دولة إقليمية كبرى، من هذا الباب يمكن لتركيا أن تتحرك دون أن تخشى الانزلاق في حرب ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا سيما أداء الدور السياسي المنوط بها وقيادة حلف دولي حقيقي لوقف الحرب، يقوم إلى جانب تركيا على روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا وبعض الدول الأوروبية التي أعلنت موقفًا واضحًا لوقف الحرب كإسبانيا وبلجيكا وأيرلندا وغيرها.

هذا إلى جانب المبادرة لكسر الحصار على غزة وتسيير القوافل والجسور البحرية والجوية ولا سيما إلى شمال ووسط غزة.

هل ترد إسرائيل؟

ويبقى السؤال: هل يمكن لإسرائيل ألا ترد؟! عند ردها ولذات الأسباب لن تسمح إيران بمرور الرد الإسرائيلي عليها دون تعقيب، وما بين الرد -عند حدوثه- والرد المقابل قد تتدحرج كرة الثلج وتتدخل قوى أخرى إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، فسيقف الغرب حتمًا إلى جانب إسرائيل، وتتجه روسيا والصين وكوريا الشمالية لدعم إيران في حرب بالوكالة قد تبدأ في المنطقة، لا يمكن أن يتوقع أحد نهايتها.

ومعظم النار من مستصغر الشرر.

المصدر : الجزيرة مباشر