الشهيد محمد صلاح والتشويش بمعاهدة السلام!!

محمد صلاح

بعد الحادث الحدودي على الأراضي الفلسطينية المحتلة بين مصر والكيان الصهيوني، وما أسفر عنه من استشهاد الجندي المصري محمد صلاح، وقتل ثلاثة من جنود الكيان الصهيوني، وفي ظل تعاطف الناس مع الجندي المصري، ومع ما فعله، تجد أسئلة تأتي من لجان تابعة للأنظمة، أو الكيان نفسه، أو ممن يطلق عليهم الصهاينة العرب، أو من أناس بسطاء فعلا طرأ عليهم السؤال بسبب ما طرح في المجال العام من وسائل التواصل الاجتماعي، فيطرحونه أيضا: أليست هناك معاهدة سلام بيننا وبينهم، ألا يعد ما فعله هذا الجندي، أو ما يفعله غيره خرقا للمعاهدة، وما دمنا ملتزمين بها ألا يأثم من يخرقها؟!

سؤال يبتعد عن الحقيقة عمدًا

والحقيقة أن السؤال مشروع، وطبيعي أن يطرح في مثل هذا السياق، لكنه سؤال في اتجاه واحد، ولذا فهو ليس سؤالا بريئا من جهات محددة، وإن كان بريئا ممن تلقفوه وتناولوه، لأنه لا توجد قضية سياسية ذات طرف واحد في النقاش، فأي معاهدة بين طرفين، أو بين دولتين، فهناك أسئلة لا يكون البدء فيها بموقف الجندي، فموقفه آخر ما يسأل عنه، إذ تسبقه أسئلة أهم: من قام بهذه المعاهدة؟ وهل تمت بموافقة شرعية أو قانونية تتعلق بالشعب الذي يراد منه الالتزام بها؟ وهل هي معاهدة لصالح هذا الشعب؟ وماذا ترتب عليها؟ وما موقف الطرف الآخر الموقع، هل التزم بها؟ أم خرقها مرة أو مرات لا تحصى؟ وهل يجوز لدولة أن تجري معاهدة تضر بشعب آخر من أمتها العربية والإسلامية؟ وإذا كان الحديث عن موقف الدين هنا، فما موقف الدين والفقه ابتداء من المعاهدة، سواء على مستوى الفقه مجردا، أم على مستوى الفقه من خلال المؤسسة الدينية في مصر التي وقعت المعاهدة نفسها؟

الأسئلة التي ينبغي طرحها

هذه هي الأسئلة التي ينبغي أن تطرح، لأنها الأساس الذي سيبنى عليه أي نقاش فقهي أو ثقافي، أو سياسي، لكن الحديث من ذيل الموضوع، لا من رأسه، أمر متعمد، وهدفه التشويش على استشهاد الجندي، وقد بدأ أول ما بدأ بإعلاميين تابعين للنظام، فمن قبل كان أي جندي مصري يتوفى، لا يتردد الإعلاميون في منحه لقب الشهادة، ولسنا في موضع خلاف هنا في ذلك، فكل من مات لأجل أداء الواجب فهو شهيد، وحسابه عند ربه، لكن أن يخرج أحد الإعلاميين فيقول: نحسبه شهيدا، هكذا قال لنا الفقهاء!! منذ متى وأنتم تتوقفون عند هذه العبارة؟!

فتوى بناء على معلومات ناقصة

فالحديث عن معاهدة سلام بين البلدين، ليس حديثا جديدا، وهو مثار منذ توقيعها، فهي مرفوضة دينيا على معظم المستويات الشعبية والرسمية، ولم يؤيدها إلا فتوى صدرت وقتها من مفتي الجمهورية الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، وفي السياق الذي وضع له فيه السؤال، ولم يكن سؤالا مشمولا بمعلومات واضحة، ولو عرف الشيخ جاد المعلومات التي توفرت فيما بعد، والتي أبرزها لنا الواقع، ما كان له أن يفتي بذلك، وهو ما اتضح من بياناته فيما بعد، في كل مواقف الاعتداء الصهيوني على فلسطين ومقدساتها.

وتاريخ المؤسسة الدينية منذ الملك فاروق وحتى السادات، يؤكد أنها تجمع على عدم جواز إبرام معاهدة يتم بناء عليها التفريط في شبر من أرض فلسطين، بل كانت فتاوى الأزهر في مراحل مختلفة شديدة جدا في الحكم على أي متعاون مع الصهاينة، فردا كان أو دولة، ودعت فتاوى الأزهر إلى أن يراجع كل كيان تعاون نفسه ويتوب من ذلك، ويتراجع، والفتاوى موجودة، وبيانات مجمع البحوث الإسلامية منشورة، ومتوفرة، يمكن لأي باحث أن يراجعها.

الشعب آخر من يعلم

فهي اتفاقية لم يشترك فيها شعب أصلا، ولا قياداته، بل استقال مسؤولون سياسيون كبار بسببها، ولا يعلم الشعب ولا الذين يفتون بشأنها بنود هذه المعاهدة التي بناء عليها يفتون بالجواز أو عدمه، والقاعدة تقول: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فكيف يفتون في أمر يحلونه لحاكم، أو لحكومة، وهم لا يعلمون تفاصيله، فالفتوى حتى تكون صحيحة، لا بد من أن يدرك الفقيه الواقعة التي يفتي فيها، وبخاصة عندما تتعلق بشأن سياسي خطير كهذه المعاهدة، وعلى المفتي أن يدرس مآلات الفتوى التي يصدرها، فإذا كان المفتي الذي أجاز وقتها المعاهدة، لم يعلم بالواقع كاملا، فإن أي إنسان الآن يعلم المآل الذي انتهت إليه المعاهدة، وما جرته على مصر وجيشها من ضعف وهوان، وعلى أرض سيناء وأهلها، وأصبح ذلك واضحا لكل ذي عينين.

وإذا كانت الاتفاقية مجهولة البنود، مجهولة التفاصيل، سواء للساسة أو المفتين، أو متصدري الخطاب الديني في الموضوع، فإن العملية نفسها التي قام بها الجندي المصري مجهولة التفاصيل بدقة كذلك، ولم ينشر عنها الطرف المصري شيئا إلا بعد أن نشر الطرف الصهيوني بعض التفاصيل الزمنية لدخول الجندي واستشهاده، ونشر ما يريد نشره، بينما لا يزال الطرف الممثل للجندي الشهيد، لا يذكر حقيقة الأمر، التي ينبغي أن يصارح بها الشعب، وهو ما اعتاده الناس في مثل هذه الأحداث.

وهي قضية لسنا بصدد الحديث عن تفاصيلها، لكننا فقط نضع نقاطا مهمة توضح كيف يمكن أن تناقش مسألة كهذه، ولا نذهب إلى النقاش فيها بعيدا عن الميدان الحقيقي للنقاش، فليست القضية هنا قضية جندي، وافق أو خالف أوامر القيادة، لأن الحادثة فردية، وليست دائمة الفعل، ولا متكررة، ومن حيث الجدوى فليست هي التي ستحرر فلسطين، كلنا نعلم ذلك يقينا، لكن أن نذهب بالنقاش إلى حيث يريد الصهاينة العرب، وهو مناقشة تأثيم الجندي لخرق المعاهدة، فهو ما يعد من الغفلة أن نقع فيه، أو نطرحه بالأساس.

صهاينة الكيان أكثر ذكاء من صهاينة العرب

لقد كان صهاينة الكيان أكثر ذكاء وفهما لحقيقة المعاهدة، من الصهاينة العرب، فقد أعلنوا مرارا أن المعاهدة في الحقيقية لم تكن إلا مع رؤساء وحكام، ولم تكن يوما مع الشعوب، وهذا ما صرحوا به كثيرا، وأعادوه بعد حادثة الجندي المصري الشهيد، وهو ما يرونه في كل مكان يذهبون إليه في بلاد العرب والمسلمين، وما مشاهد رفض الجماهير لهم في كأس العالم في قطر ببعيدة، ولا في غيرها، وموقف النقابات في عالمنا العربي والإسلامي واحد وواضح، ترى ذلك موقفا متفقا عليه بين جميع الفصائل رغم خلافها السياسي والأيديولوجي، بدءا بالإسلامي، وانتهاء باليساري.

أصحاب العقل الأعور

ولأن من يطرحون السؤال يتعمدون التضليل والتشويش، فهم مصابون بداء عور العقل، ينظرون بعين واحدة، عين إلى ما يحدث اتجاه الصهاينة، لكن لا ينظرون إلى ما يفعله الصهاينة، قبل حادثة الجندي وأثناءها وبعدها، فقبل الحادثة يتم الاعتداء على أطفال ونساء وشباب بالقتل، وبعد الحادثة المسلسل مستمر، ولا تزال التحقيقات تعطل في شأن استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، وهناك آلاف مثل شيرين أبو عاقلة، ويكفيك أن تقرأ أخبار فلسطين يوميا لترى مشاهد كسر ونكث كل المعاهدات والمواثيق والقرارات الدولية التي يمارسها الكيان الصهيوني.

هم يتذكرون الوفاء بالمعاهدة من طرف واحد فقط، هو الطرف المظلوم، فهل حدثونا يوما عن الطرف المحتل، ما موقفه من المعاهدات، وما موقفه من المواثيق الدولية والقرارات التي تصدر من جهات دولية هو عضو فيها، أي: أنه ملزم بها، فهل يلتزم أو ينفذ، وهل يمارس الغرب أي دور لإلزامه؟!

المصدر : الجزيرة مباشر