هل أنت مستعد لعصر الإنسان الآلي؟

 

 

(1) هناك ما هو أهم من الحرب وأخطر من التغير المناخي

حين تقرأ عن التطور المذهل في حقل الذكاء الاصطناعي، وصناعة الشرائح الإلكترونية والتجارب السريرية على غرسها في المخ الإنساني، سيصيبك الذهول وستطرح سريعًا سؤالًا حول: كيف سيتعامل إنسان المستقبل مع هذه المستجدات التي ستغيّر نمط حياته بصورة شاملة؟ وهل ستستوعب أجيالنا هذه التغيرات أم أننا سنلفظها على اعتبار أنها بدعة من عمل الشيطان ونكتفي بالشجب؟ ومدى قدرة المجتمع الدولي على ترويض العلم بمنظومة الأخلاق والقيم؟ أسئلة كثيرة تستحق البحث عن إجابات عاجلة لها، ولكننا نظن أنها ما زالت بعيدة عنا ولا تمثل أخطارًا عاجلة، فنحن مشغولون بالأحداث الجارية: الحرب الساخنة بين روسيا والغرب ممثلة في أوكرانيا، والحرب الباردة بين أمريكا والصين، ومخاطر التغير المناخي. إنسان القرن الواحد والعشرين محاط بالقلق والمخاوف وانعدام اليقين، لذا يكفيه هموم الحاضر لذا لا يفكر في الهم القادم.

(2) المستقبل لن يؤخر وصوله ولن يستأذن قبل حضوره

لن يكون في المستقبل أعمى..

لن يكون في المستقبل مشلول..

لن يكون في المستقبل غبي أو مجنون أو فاقد للذاكرة..

الملياردير الأمريكي “إيلون ماسك” قال هذه العبارات لكن بأسلوب مختلف حين أعلن على الملأ منذ سنوات قليلة أن مستقبلًا سيتم شفاء كل الأمراض المرتبطة بالمخ، عن طريق غرس شرائح إلكترونية في الدماغ. هذه الشرائح ملحقة بأسلاك أدق 20 مرة من شعر الإنسان العادي، ويمكن لهذه الأسلاك أن تترجم إشارات الدماغ عن طريق استشعار حركة الأعصاب في الدماغ، ومن ثم تترجم هذه الحركات إلى إشارات لتوصيل البيانات لاسلكيًا إلى أجهزة الكمبيوتر، لكي يتمكن العلماء من تحليل البيانات الواردة والسيطرة تدريجيًا على حركة الدماغ وتعديلها.

لو نجح الأمر، ستعيش الإنسانية أجواء أكثر أفلام الخيال العلمي الهوليوودية تشويقًا، مما يدشن لعصر “الإنسان الخارق” على حد تعبير ماسك، كما يتوقع أنه يمكن من خلال الشريحة التخاطر بين حامليها لنقل الأفكار والمعلومات، وهو ما يمكن أن يكون له نتائج غير محدودة في عالم التواصل الإنساني.

شركة Neuralink المملوكة لإيلون ماسك ليست الوحيدة التي تعمل لتطوير الشرائح الإلكترونية، فهناك شركات شهيرة أخرى مثل: Synchron Neurable وEmotiv، بل أن شركة Synchron تسبق شركة ماسك في تجاربها، ولقد تم منذ عام 1997 تجربة هذه الشرائح من قبل شركة Medtronic، وهي شركة رائدة في إنتاج أجهزة تحفيز الدماغ، بعد موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج مرض باركنسون، ومنذ ذلك الحين، تم زرع أكثر من 175 ألف مريض بالجهاز، الذي يقلل من رعشات باركنسون والتيبس والبطء. تكنولوجيا الشرائح الإلكترونية قد تغيّر حقائق ونظريات الطب الحالي كله.

(3) عصر السايبورغ

مصطلح Cyborg اختصار لتعبير cybernetic organism بالإنجليزية، ويعني شخص يعتمد على جهاز ميكانيكي أو إلكتروني لأداء وظائفه الفسيولوجية. العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تنتمي لنوعية الخيال العلمي، أظهرت هذه الكائنات ولكن بطريقة مبالغ فيها، وجعلت لها وصفًا مبسطًا وجذابًا وهو: “الإنسان الآلي”، لكن في الواقع فإن هذا التوصيف يمكن أن يطلق على أفراد عاديين في المجتمع يعانون من قصور في بعض الوظائف الحيوية لديهم مثل ضعف السمع والنظر، ويستعين هؤلاء  بأجهزة وتطبيقات تندرج تحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، يتمكنون من خلالها التغلب على إعاقتهم، على سبيل المثال: العصا الذكية التي تمكن العميان وضعاف البصر من السير ومعرفة العوائق التي تحيط بهم مع الاستعانة بجهاز استشعاري كالموجود في السيارات الذاتية القيادة يتم ارتداؤه مثل سترة النجاة، فيه كاميرات دقيقة ترصد المحيط حولها، ويصدر الجهاز صوتًا ينبّه الشخص الذي يرتديه بوجود معوقات في طريقه ليتلافاها، وهناك نظارات يرتديها الصُم وضعاف السمع تسمح لهم بمتابعة نقاش المحيطين بهم بتحويل أصوات هؤلاء إلى نصوص مكتوبة تظهر على زجاج النظارة، ويمكن بسهولة قراءتها. الذكاء الاصطناعي سيكون له دور كبير في تحسين حياة إنسان المستقبل وجعلها أكثر سهولة ويسرًا، لكن في المقابل سيزداد اعتماد الإنسان في حياته على الآلة، وكذلك سيكون الحال بخصوص الشرائح الإلكترونية المغروسة في الدماغ.

التكنولوجيا تقترب من الاندماج مع أجسادنا، فنحن لا نستطيع الابتعاد عن هواتفنا الذكية التي أصبحت ملاصقة لنا أثناء النهار حتى ذهابنا إلى الفراش، وكثيرون يعتمدون على الساعات الذكية في مراقبة أنشطتهم اليومية وتنظيمها، وهناك عشرات الأجهزة الذكية التي يزداد اعتمادنا عليها يومًا بعد يوم.

في السويد، أدخل آلاف السويديين بكامل إرادتهم شرائح إلكترونية دقيقة تحت جلد أيديهم. تم تصميمها لجعل حياتهم أكثر راحة وتنظيمًا وإنجازًا، المدافعون عن هذه الرقائق يقولون إنها آمنة ومحمية إلى حد كبير من القرصنة، لكن علماء يثيرون مخاوف تتعلق بالخصوصية والتحكم عن بعد، ولقد سبق وحذّر العالم البريطاني الشهير “ستيفن هوكينج” منذ سنوات من مخاطر الذكاء الاصطناعي، وأعرب عن مخاوفه أن يحل محل البشر، وتتمكن الآلات من تطوير نفسها مما يؤدى إلى ظهور شكل جديد في الحياة يفوق إمكانيات بني البشر. لن يستطيع أحد إيقاف التقدم في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لكن ما نستطيعه هو التفكير والتخطيط في كيفية التعامل مع هذه التكنولوجيا، وتجنب مخاطرها وتعظيم منافعها، كما أن على الدول المستوردة للتكنولوجيا أن تبدأ في التفكير في كيفية حماية ثقافتها الوطنية وأمنها القومي من سيطرة مصدّري هذه التكنولوجيا وتحكمهم فيها، أسئلة المستقبل يجب الإجابة عنها، وعلينا التفكير فيها في الحاضر.

 

المصدر : الجزيرة مباشر