مؤتمر فلسطينيي أوربا يترك ندوبًا واضحة

معلومات مضللة وتهديدات مباشرة تربك أحزابا سويدية عريقة

مؤتمر فلسطينيي أوربا

 

 

 

انتهى مؤتمر فلسطينيي أوربا في دورته العشرين في مدينة مالمو جنوب السويد، لكنّ تردداته الإعلامية، وتداعياته السياسية لم تتوقف، هذه التداعيات أفرزت إقالات حزبية بحق سويديين من أصول فلسطينية، شاركوا في فعالياته نهاية شهر مايو/أيار الماضي.

المؤتمر الذي يؤكد “حقّ العودة” للفلسطينيين إلى أرضهم، وحضره نحو عشرين ألف شخص غالبيتهم من الجالية الفلسطينية المقيمة في أوربا، وفق إحصائيات المنظمين، أثار جدلًا واسعًا بعد الإجراءات العقابية التي طالت نائبًا في البرلمان السويدي، وسياسيًا آخر في مدينة مالمو جنوب السويد.

نهاية نضال 30 عامًا، واستغناء عن النسخة الأصلية لمحمد..

أقال حزب المحافظين (الموديرات) السياسي في بلدية مالمو محمد يوسف محمد، وذلك عقب مشاركته في مؤتمر “فلسطينيي أوربا”، بعدما نشط في صفوف الحزب ما يزيد على ثلاثة عقود.

يحدثنا محمد يوسف محمد عن تجربته فيقول: “في السنوات الأولى من انتسابنا مع أصدقاء قلّة إلى الحزب، واجهنا حمله شرسة من الجالية العربية في السويد، حيث كان يُعرف هذا الحزب بكراهيته للمهاجرين، وصداقته الحميمة مع إسرائيل، والحق يقال: لقد وجدنا ترحيبًا كبيرًا منذ البداية من قيادة الحزب، واستلمنا مراكز في اللجان الحزبية المختلفة”.

تقلد محمد مناصب عدة في المجلس البلدي ومجلس إدارة البلدية، وكان يمثّل حلقة وصل بين الحزب والجاليات العربية وغيرهما، ولاقى حضوره الناشط تقديرًا خاصًّا من رئيس الحزب في مالمو، الذي أثنى على جهوده قائلًا: “لو كان بإمكاننا أن نستنسخ محمدًا آخر”، لكن لم يكن رئيسه يتصوّر أنه سيضطر الحزب يومًا ما للتخلص من النسخة الأصلية لمحمد، فقد اتصل بمحمد عقب المؤتمر كل من رئيس المجموعة السياسية في المجلس البلدي، ونائب رئيس المجلس الإداري للبلدية، وطلبوا منه الاستقالة من مهامه السياسية جميعها في البلدية، والسبب كما أوضحوا له، مشاركته في مؤتمر فلسطينيي أوربا الأخير، لارتباط المؤتمر بحركة حماس –كما قيل-.

يضيف محمد: لم تكن لدي معلومات عن أن مشاركتي أصلًا تهم الحزب بأي شكل من الأشكال، خصوصًا وأنني شاركت مرات عدة، وفي مدن أوربية مختلفة في هذا المؤتمر، ولم أسمع أي انتقاد أو تعليق!

وعن تبعات قرار الحزب هذا، تخوف محمد من أن هذا التصرف ستكون له عواقبه السيئة على مصداقية قانون الحريات الذي يعد مقدسًا في السويد، وسيضعف إيمان المواطنين وثقتهم بتطبيقه، كما سيهزّ الثقة بين المواطن والحاكم، وبين الأحزاب السياسية وجمهورها، وسيؤثّر سلبًا في أشكال الاندماج كلها.. ويقضي على أي رغبة صادقة في الانخراط بهذه الأحزاب من قبل أفراد الجاليات الموجودة في السويد.

لاحقًا، وفي خطوة لافتة توحي بتراجع حزب المحافظين عن قراره، أعاد مسؤولون في الحزب الاتصال بمحمد يوسف، ليعيدوا له عضويته ومهامه كلها الحزبية وفي البلدية.

الحزب الاشتراكي يجمّد مهام جمال الحاج واليمين يطالب بإقالته

أما النائب في البرلمان السويدي عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي جمال الحاج فقد اختلف مصيره عن مصير مواطنه محمد، حيث أُعلن عن تجميد مؤقت لمهامه في لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان.

غبار هذا الجدل السياسي تصاعد بعد مشاركة الحاج في مؤتمر فلسطينيي أوربا، في ظل اتهامات للمؤتمر بأنّ له علاقة ما تجمعه بحركة حماس، التي يصنّفها الاتحاد الأوربي حركة إرهابية.

وكانت القيادية في الحزب الاشتراكي لينا هالينغرين قد أجرت محادثة مع الحاج قبل مشاركته في المؤتمر، مبلغة إياه قرار الحزب بعدم المشاركة، ومذكّرة إياه بأن الحزب يعارض تلك المشاركة وأنه سينتج عنها عواقب، وقد تمثلت تلك العواقب -بالفعل- في تجميد عضويته بلجنة الشؤون الخارجية في البرلمان السويدي.

الحزب اعتبر على لسان هالينغرين أن إقالة الحاج من عضوية الحزب بسبب مشاركته في مؤتمر، أمرًا غير واقعي، مشيرة إلى ضرورة أن لا يتكرّر الأمر.

الدفاع الذي لقيه جمال الحاج في حزبه، جابهه هجوم كبير من أحزاب اليمين السويدي، كما لقي حزبه أيضًا نصيبًا من هذا النقد، بسبب ما وصفه المعارضون تسامح القيادة وتساهلها مع تصرّف جمال، بل وطالبوا بضرورة إقالته من البرلمان، ومن عضويته في لجنة الشؤون الخارجية معًا.

وسائل التواصل الاجتماعي لم تغب عن حماوة المشهد، فقد كانت هناك حملة تضامن قوية مع الحاج عبر منصات الـ”سوشيل ميديا” المختلفة.

بدوره الصحفي والكاتب “اليهودي” بيرنت هيرميل، قال: “لقد شاركت في المؤتمر، فهل سيصفونني بالإرهاب؟” مطالبًا بالاعتذار من جمال الحاج.

وكان الحاج نفسه، قد نشر في صفحته على فيسبوك أنه شارك بصفته سويديًا فلسطينيًا، وليس بصفته الرسمية. مؤكدًا أنه “لا يوجد شيء في العالم يمكن أن يجعلني أتخلى عن حلم العودة.. ولأمي بشكل خاص”.

وأكد الحاج أنه لا يرى أي صلة بين المؤتمر وحماس.

أحزاب الاشتراكيين الديمقراطيين والبيئة واليسار كانوا قد قرروا عدم المشاركة في المؤتمر، بعد اتهامات لرئيسه أمين أبو راشد بأنّ له صلة بحركة حماس التي يعدها الاتحاد الأوربي “إرهابية” رغم الجدل القانوني حول التصنيف، وقالت رئيسة الاشتراكيين مجدلينا أندرشون في لقاء تلفزيوني: إن حزبها اتخذ القرار من منطلق وقائي “لأننا نأخذ الإرهاب على محمل الخطورة”، مضيفة “أنه أمر قابل للنقاش سواء اتخذنا القرار الصحيح أم لا”.

بدوره علّق وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم الذي ينتمي إلى حزب المحافظين، على المشاركة في مؤتمر فلسطينيي أوربا بقوله: “من المقلق المشاركة في هذا النوع من الأنشطة التي تنظمها منظمة إرهابية”، على حدّ وصفه.

وكانت وسائل إعلام سويدية قد نشرت صورة قديمة لزعيم حركة حماس إسماعيل هنية -يوم أن كان رئيسًا للحكومة الفلسطينية- وهو يكرّم أمين أبو راشد أثناء زيارته غزة ضمن وفد إغاثيّ، فيما ردّ الحاج أنه “إذا كان أمين حصل على جائزة من هنية، أو من شخص آخر، فهذا لا يعني أنه ينتمي إلى المنظمة أو يمثلها”.

بدوره أمين أبو راشد رئيس مؤتمر “فلسطينيي أوربا” أعلن في مؤتمر صحفي عقده أمس في مدينة مالمو، وحضرته وسائل إعلام سويدية وعربية، أنه سيقاضي من وصفهم بأنهم حاولوا تشويه سمعته الشخصية وسمعة المؤتمر. مؤكدًا أنّ مؤتمر فلسطينيي أوربا هو مؤسسة أوربية مرخّصة، وينعقد في مالمو بترخيص السلطات السويدية الرسمية وحمايتهم، فضلًا عن أنّ هذه هي النسخة العشرون التي تنعقد على أرض أوربية، وتنعقد في مالمو للمرة الثالثة.

وفي الوقت نفسه شدد أبو راشد على أنه لا ينتمي لأي تنظيم فلسطيني، بل هو مواطن هولندي من أصل فلسطيني، وأن الصورة التي جمعته بإسماعيل هنية، التقطت له خلال زيارته لغزة في قافلة إغاثة أوربية “إغاثة غزة”، وكانت تقله مع عدد من الناشطين الإنسانيين الأوربيين، مشيرًا إلى أن هناك شخصيات أوربية وغربية عدة التقطت صورًا مع القيادي في حماس، متسائلًا: هل هؤلاء كلهم أعضاء في الحركة لمجرد أنهم التقطوا صورًا مع أحد قياديها؟

وعن سبب مقاطعة سياسيين وبرلمانيين سويديين للمؤتمر قال أبو راشد: “السبب الرئيس، تعرض هؤلاء لتهديدات مباشرة، وأنهم تلقوا رسائل مضللة حول المؤتمر”. مشيرًا بذلك إلى تصريح المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم الذي وصفه بـ”الخطير جدًا” الذي قال فيه: “إن كل من يشارك في هذا المؤتمر هو إرهابي كأصحاب المؤتمر”.

وكانت تسريبات لرسائل وُصفت بـ”المضللة” وصلت من قيادات فلسطينية من الداخل الفلسطيني إلى سياسيين وأحزاب سويدية، تحذرهم من المشاركة في مؤتمر فلسطينيي أوربا، وتصنّف المؤتمر بأنه تابع لحركتي حماس والإخوان المسلمين، ويهدف إلى شقّ الصفّ الفلسطيني، وأنّ تمويلًا إيرانيًّا بقيمة مليوني دولار أمريكي، قد وصل بالفعل لتغطية نفقات المؤتمر.

 

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر