هل تُستنسخ تجربة “خوان غوايدو” في تركيا ولا تعترف المعارضة بنتائج الانتخابات؟

كمال كليتشدار أوغلو في مؤتمر انتخابي

 

خوان غوايدو، سياسي فنزويلي شغل منصب رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان) أعلن في يناير/كانون الثاني 2019 نفسه رئيسا للبلاد، رافضا الاعتراف برئاسة نيكولاس مادورو، الذي كان قد فاز للتو بفترة رئاسية جديدة.

على إثر ذلك اعترف به البرلمان رئيسا، وتبعه خارجيا عشرات الدول في مقدمتها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، التي رفضت الاعتراف بشرعية مادورو، ثم ما لبث غوايدو أن دعا إلى انتفاضة شعبية للإطاحة بمادورو، الذي تمكن من القضاء على التمرد وأحكم سيطرته على الدولة، ومنع غوايدو من السفر، قبل أن يتمكن الشهر الماضي من التسلل إلى كولومبيا ومنها إلى الولايات المتحدة، في حين أجبرت الحرب الأوكرانية واشنطن والعواصم الأوربية على إعادة النظر في علاقتها بنظام مادورو، طمعا في نفط فنزويلا.

هذا عن غوايدو باختصار شديد، فماذا عن علاقته بتركيا؟

العلاقة تشرحها الإجابة عن سؤال: هل يمكن أن تتكرر تجربة “غوايدو” في تركيا في حال خسرت المعارضة الانتخابات في 14 مايو/أيار؟

لكن قبل الإجابة يلزم التطرق إلى تساؤل آخر بشأن احتمالية حدوث أعمال عنف رفضا لنتائج الانتخابات، تقود إلى تكرار تجربة غوايدو.

تصاعد إرهاصات اللجوء إلى العنف

في تقديري أن احتمالية اندلاع أعمال عنف عقب ظهور النتائج الأولية تزداد مع اقتراب موعد الانتخابات، إذ تتوافر مؤشرات عدة تؤكد ذلك، أبرزها:

1ـ الخطاب الجامح الزاعق الذي تتبناه المعارضة، بشأن فوزها اليقيني في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على حد سواء، حتى أن المرشح الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو رفض في حوار مع “بي بي سي” التطرق إلى احتمالية الخسارة، مشددا على أنه غير وارد نهائيا. هذا الخطاب يراد منه صنع صورة زائفة لنتائج لا تزال في علم الغيب، بحيث تشكل أي نتيجة مخالفة صدمة عنيفة لدى جمهور المعارضة تدفعهم إلى النزول إلى الشوارع، بل إنه من غير المستبعَد أن تسارع المعارضة إلى إعلان فوزها حتى قبل اكتمال فرز الأصوات، لخلق حالة من الشك لدى الرأي العام.

2ـ تخلّي معظم شركات استطلاع الرأي عن وقارها المهني، وإصدار نتائج مضحكة، فبعضها أكد أن حزب العدالة والتنمية لن يتخطى العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان والتي تبلغ 7%! وغرض معظم هذه الشركات “المسيَّسة” تعزيز الصورة الزائفة التي أشرنا إليها من قبل عن فوز المعارضة، مما يمنح المعارضة شرعية الرفض والاحتجاج.

3ـ اللجوء إلى هز ثقة الرأي العام التركي في الهيئة العليا للانتخابات رغم كفاءتها وحياديتها ونجاحها في إدارة اقتراعات سابقة، فكليتشدار أوغلو لم يجد حرجا من تكرار القول بعدم ثقته في الهيئة، وامتد هجومه إلى وكالة الأناضول التي تملك حصرا بث نتائج الانتخابات، وضم إليهما مؤخرا هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية TRT.

4ـ تهيئة الرأي العام لحدوث أعمال عنف، إذ طلب كليتشدار أوغلو من أنصاره خلال لقاء متلفز عدم النزول إلى الشوارع ليلة الرابع عشر من مايو عقب ظهور النتائج، تفاديا لأعمال العنف المرتقبة التي ستلجأ إليها السلطة الحاكمة رفضا لخسارتها “اليقينية” لنتائج الانتخابات، الأمر الذي رفضه رئيس البرلمان مصطفى شنطوب، ووصفه بالاستفزاز غير المقبول.

5ـ لا يزال الرأي العام التركي يذكر كيف أفسد محرم إنجه مخطط كليتشدار أوغلو للتشكيك في الانتخابات الرئاسية عام 2018، إذ اختفى إنجه حينها فجأة قبل أن يخرج أحد الصحفيين ليقول إنه سأل إنجه عن رأيه في نتائج الانتخابات، فردّ عليه إنجه ردّا مقتضبا صار وسما على مواقع التواصل “الرجل فاز”! الأمر الذي أدى إلى غضب كليتشدار أوغلو، إذ كان يأمل أن يظهر الاثنان معا بمقر الحزب في أنقرة ليعلنا رفض النتائج والتشكيك فيها، طمعا في نزول الناس إلى الشوارع والطعن في شرعية حكم أردوغان ربما لسنوات تالية، واليوم فإن كليتشدار أوغلو نفسه هو المرشح الذي يمكنه التصرف كيفما يشاء.

6ـ يدرك تنظيما PKK وغولن أن هذه الانتخابات هي الفرصة الأخيرة للإطاحة بأردوغان وحكومته، للخروج من دائرة الاستهداف والملاحقات الأمنية والقضائية، ففوز أردوغان يعني استمرار المواجهة في وقت يواجه فيه التنظيمان أزمة واضحة بسبب الثمن الباهظ الذي دفعاه على مدار السنوات الماضية مما أصاب التنظيمين بالضعف، إذ لم تتوقف العمليات العسكرية والأمنية داخل تركيا وخارجها، وشملت تصفية قيادات بارزة من تنظيم PKK في سوريا والعراق، وجلب المطلوبين أمنيا من التنظيمين من خارج البلاد وإحالتهم إلى القضاء، والمتابع لخطاب حزب الشعوب الديمقراطي (اليسار الأخضر) الذي يوصف بأنه الجناح السياسي لتنظيم PKK يدرك ذلك بوضوح، فليس ثمة برامج تنموية أو اجتماعية أو اقتصادية، فقط تحفيز المؤيدين بترويج سردية وقف العمليات العسكرية التركية في سوريا والعراق، والوعد بإطلاق سراح زعيم حزب العمال عبد الله أوجلان، وقادة حزب الشعوب أمثال صلاح الدين ديميرطاش ويفيجين يوكساكداغ وغيرهم.

وهذا يعني أن المعارضة لن يكون لديها ما تبكي عليها حال خسارتها، خاصة إذا امتدت الخسارة لتشمل الرئاسة والبرلمان.

هل يتقمص كليتشدار أوغلو شخصية غوايدو؟

لم يجد الرئيس الأمريكي جو بايدن حرجا من الإعلان، قبل وصوله إلى البيت الأبيض، عن ضرورة الإطاحة بأردوغان واستغلال الانتخابات في تحقيق ذلك الهدف.

بايدن -الذي تكشف زلات لسانه عن شخصية متعجرفة سليطة- يشعر بالمرارة تجاه أردوغان، لأنه اضطر إلى زيارته في أغسطس/آب 2016 عقب فشل محاولة الانقلاب، والاعتذار منه قائلا “أنا أعتذر. وددت لو أني جئت في وقت مبكر”.

اعتذار لم يكن في حقيقته عن التأخر في زيارة أنقرة لدعمها، بل كان عن التورط في محاولة الانقلاب الفاشلة، إذ شدّد بايدن يومها على عدم علم واشنطن المسبق بالمحاولة، مشيدا بشجاعة الشعب التركي في التصدي لها.

لكنه عاد أثناء حملته الرئاسية عام 2020، في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز، ليؤكد ضرورة هزيمة أردوغان في الانتخابات واصفا إياه بـ”المستبد”!!

إذَن حلم الإدارة الأمريكية “الديمقراطية” الذي لم يتحقق عام 2016 في عهد باراك أوباما، بقوة السلاح، لا تزال تسعى إلى تنفيذه الآن عبر الصندوق.

لذا لم يكن خروجا عن السياق أن نتابع تلك التظاهرة التي اشتركت فيها كبريات الصحف والمجلات الأوربية والأمريكية، التي توصف في العادة بـ”المهنية”، إذ دعت إلى رحيل أردوغان واصفة إياه بـ”المستبد” و”الديكتاتور”، وبحسب الإيكونوميست البريطانية، فإن رحيل أردوغان “سيُثبت للجميع أنه يمكن إقصاء الرجال الأقوياء بالديمقراطية”.

شعور الغرب بالمرارة تجاه أردوغان، سببه الرئيسي نجاحه في تحويل تركيا إلى دولة “نِد” وليست مجرد “تابع”، لذا اصطدم الطرفان مرارا في ملفات عدة، آخرها ملف انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ أصرت أنقرة على تحقيق مطالبها الأمنية أولا، إضافة إلى الاستراتيجية التركية في مكافحة الإرهاب، وإصرارها على القضاء على تنظيم حزب العمال الإرهابي، وعدم السماح بتأسيس كيان انفصالي في شمالي سوريا، ولا ننسى سياستها في ليبيا، ودعمها لأذربيجان في الحرب ضد أرمينيا لاستعادة إقليم ناغورنو كاراباخ المحتل.

لذا يرى الغرب أن الفرصة باتت سانحة ليس فقط للإطاحة بأردوغان، بل لتفكيك الدولة التي أسسها على مدار عشرين عاما وفي مقدمتها الصناعات الدفاعية.

فالباحث في معهد أمريكان إنتربرايز (مايكل روبين) يقول في مقال، نشره نهاية أبريل/نيسان الماضي، إن “حكم أردوغان سينتهي بالموت أو النفي أو السجن أو الإعدام”! داعيا إلى ضرورة التطهير الجماعي -عقب رحيل أردوغان- من خريجي مدارس الأئمة والخطباء، وإعادة ضبط بوصلة الجيش التركي وطرد جميع المتعاطفين مع أردوغان.

لم يكن روبين مجرد صوت ناشز، بل إن الرجل يعبّر من دون “رتوش” عن نظرة العواصم الغربية إلى أردوغان والدولة التي أسسها منذ عام 2002. الأمر الذي يدركه كليتشدار أوغلو، إذ لم يجد غضاضة في تأكيد عزمه -حال فوزه- إعادة تموضع السياسة الخارجية التركية لتتوافق تماما مع السياسات الغربية، خاصة في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والقوقاز ومنطقة الشرق الأوسط.

الإجابة “نعم”

هذه الإرهاصات تقودنا إلى السؤال مرة أخرى: هل يمكن أن يتكرر سيناريو “غوايدو” في تركيا؟

الإجابة: نعم، قد يلجأ الغرب إلى التشكيك في شرعية أردوغان حال فوزه، بل والاعتراف بفوز منافسه، لكن ذلك يعتمد على عدد من العوامل:

1ـ نتائج الانتخابات ومدى تقاربها أو تباعدها، فكلما ضاق الفارق بين الاثنين كان ذلك محفزا للطعن في نتائج الانتخابات.

2ـ قدرة كليتشدار أوغلو على قيادة احتجاج داخلي قوي وعنيف، في قوة احتجاجات جيزي بارك التي اندلعت في مايو 2013.

3ـ كيفية تعامل أنقرة مع أي عنف محتمل، وقدرة المؤسسات الأمنية على احتوائه والسيطرة عليه في وقت مبكر كما حدث ليلة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016. فالدولة التركية التي اختُبرت بقوة في أحداث سابقة أثبتت قدرتها على التحرك لاحتواء أي تهديد لأمنها القومي، بل أصبحت تمتلك كفاءة واضحة على استشراف الأحداث وتوقع الخطر بفضل التطوير الهائل الذي تحقق في جهاز الاستخبارات (MIT).

بحسب المنطق والحسابات الاستراتيجية الدقيقة، فإن استقرار تركيا ضرورة قصوى لأوربا بصفة خاصة، نظرا لما تمثله من قيمة مضافة داخل الناتو، وموقعها الاستراتيجي الذي يمنحها ميزة التحكم في مفاصل جيواستراتيجية مهمة، لكن علينا أن نتوقع الأسوأ خاصة من الولايات المتحدة -التي لم تجد حرجا في توريط حلفائها الأوربيين في الحرب الروسية الأوكرانية- إذ تبدو منزعجة مما تحقق في تركيا على مدار العشرين عاما، وخسارة الكثير من أذرعها الداخلية مع فشل انقلاب 2016.

المصدر : الجزيرة مباشر