قصتنا جميلة.. لكننا لم نستطع أن نرويها!!

جنود أمريكيون يستجوبون عراقية بالقرب من الموصل (رويترز 2005)

‏لكي تتمكن الأمة من بناء مكانتها العالمية وقوتها يجب أن تروي قصتها، فتلك ‏القصة تصبح من أهم مصادر القوة عندما ‏تعطي للحياة معنى، ‏وتجعل الفرد يعتز بالانتماء لهذه الأمة.

‏والقصص تغذي ‏حاجة الإنسان إلى الفخر وتقدير الذات، لذلك يتزايد تأثيرها في  حياته،‏ وتزيد قدرته على الإبداع والابتكار والتفكير والتقدم للقيادة.

‏ ‏كما تساعد القصص المجتمعات على مواجهة التحديات، والصمود أمام الأزمات، وتحقيق الانتصارات، فالأمة التي تتمكن من رواية قصتها، تبني صورتها الذاتية التي تشكل أساس قوتها النفسية.

‏يقول جيفري كوتلر: إن القصص تساعدنا على أن ندرك العالم ونفهمه، ونعد أنفسنا للحياة فيه، ومواجهة التحديات.

‏وربما تشكل القصة تجربة تاريخية ملهمة من حق البشرية أن تعرفها، وأن تستفيد منها في تطوير كفاحها لتحقيق أهداف الطويلة المدى.

‏يمكن أن نقدم مثالًا مهمًّا لذلك هو قصة كفاح شعب الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، وثورته العظيمة التي أرغمت فرنسا على الجلاء؛ ‏فقصة هذه الثورة يمكن أن تلهم كل الشعوب في كفاحها ضد الاستعمار، ويمكن أن تبني مكانة مهمة للجزائر في أفريقيا، التي تتطلع شعوبها إلى استلهام التجربة التاريخية الجزائرية.

‏وهناك الكثير من سير الأبطال الجزائريين الذين ابتكروا أساليب جديدة في الكفاح ضد الاستعمار، وتمكنوا من استخدام أسلحتهم التقليدية البسيطة، في هزيمة القوة الفرنسية الغاشمة.

‏مصدر قوة للأمة!

‏قصة كفاح الشعب الجزائري وثورته تشكل مصدر قوة للأمة الإسلامية كلها، فهي تقدم دليلًا واضحًا على أن الاحتلال لا يمكن أن يستمر؛ مهما استخدم قوته الغاشمة في إبادة الشعوب.

‏تلك القصة أصبحت اليوم تحتاج إليها كل الشعوب لتطوير كفاحها، وابتكار أساليب جديدة لمواجهة الاستعمار الجديد، ووحشية الرأسمالية، وقسوة الاستبداد.

‏كما أن قصص كفاح الشعب الجزائري تشكل ثروة معرفية وعلمية وأدبية، ويمكن تحويل الكثير من هذه القصص إلى مسلسلات درامية تجذب الجماهير التي تشتاق إلى البطولة والمجد والانتصارات.

‏هناك آلاف القصص الجميلة لأبطال الجزائر، لكننا لم نتمكن حتى الآن من روايتها، واستخدامها في تطوير أهداف الشباب، وتعبئتهم لمرحلة جديدة من الكفاح.

‏إنك يمكن أن تكتشف كيف أهدرنا ثروتنا الأدبية والتاريخية والمعرفية عندما عجزنا عن رواية قصص أبطال الجزائر الذين قدموا دروسًا ‏مهمة للبشرية في المقاومة والكفاح والصمود والإصرار على طرد الاستعمار.

‏وكلما درست تاريخ أبطال الجزائر يمكن أن تكتشف الجمال في قصص تجذب القلوب وتثير الإعجاب، وتقنع العقول بأننا قادرون مهما طال الزمن على طرد الاحتلال، والتحرر من الاستعمار والاستبداد، وبناء المستقبل.

‏صوت واحد يروي قصة العالم!!

‏لكن لماذا لم نتمكن من رؤية قصتنا الجميلة بكل ما فيها من تجارب يمكن أن تلهم البشرية، وتساهم في بناء عالم جديد؟!!

‏هل نحن عاجزون عن رواية هذه القصص؟!! بالتأكيد هناك الكثير من الكتاب الذين يمكن أن يصوروا جمال التجربة التاريخية في قصص الأبطال، وصمود الحرائر، وأحزان العيون وأشواق القلوب، وصدق المشاعر، لكن أمريكا سيطرت على النظام الإعلامي العالمي، واستخدمته في رواية الأحداث؛ فأصبح هناك صوت واحد يسمعه الناس رغماً عنهم!!

‏كانت الأفلام والدراما الغربية تشكل اتجاهات الناس في دور السينما وقنوات التلفزيون، وتمجد الرجل الأبيض الذي يستخدم قوتة في معاقبة الشعوب التي ترفض الخضوع لشروط العبودية لأمريكا والغرب، وتشرعن الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الغرب.

‏ظلت الرواية الغربية تسيطر على العقول، وتقهر الأرواح، بتشويه صورة العرب والمسلمين والأفارقة، واتهامهم بالإرهاب والتخلف والعجز.. فتلك الخرافات العنصرية الغربية انتشرت في وسائل الإعلام لتشكل تزييفًا للوعي، وتضليلا للشعوب.

‏لتحقيق الاستقرار في الغرب!!

‏لكن أهداف الغرب من تزوير التاريخ كانت متعددة، فهذه الصورة المشوهة التي شكلها للشعوب تجعل الغربيين يستسلمون للواقع، فهم يرون أنهم الأفضل مهما كانت الظروف سيئة، ومهما كانوا يعانون من قسوة الرأسمالية.

‏هذا الخداع الاستراتيجي للشعوب باستخدام القصص يشكل تفسيرًا للكثير من الأحداث، فروبرت ميردوك تمكن من القضاء على كفاح الحركة العمالية البريطانية ضد الرأسمالية باستخدام الدراما التي تصور الحياة المادية الغربية بأنها الأفضل، وأن الغربي يجب أن يحافظ على استقرار المجتمعات الغربية للعيش في نعيم الرأسمالية الغربية حتى لا يصبح مثل العرب والمسلمين.

‏لكن لماذا قامت النظم الاستبدادية بمنع رواية قصص الكفاح ضد الاستعمار والاستبداد، الذي يشكل تجارب تاريخية ملهمة يمكن أن تثير الخيال، وتدفع الشباب إلى الانطلاق لتحقيق حلم الحرية والديمقراطية والتقدم؟!

‏من الواضح أن هذه النظم كررت التجربة الغربية في تصوير معاناة الشعوب الأخرى وتخلفها وفقرها لتحقيق الاستقرار، فالدراما التي تقدمها قنوات التلفزيون تحث الشعوب على الخضوع والاستسلام وطاعة الحكام، فالتغيير يحمل المخاطر، والاستقرار على الظلم أفضل من تكرار تجارب شعوب أخرى مثل سوريا والعراق.

‏وبذلك منعت هذه النظم تصوير قصص الكفاح والبطولة التي تثير الأشواق إلى المجد والعزة والسيادة والانتصارات وبناء الحضارة.

هناك عامل آخر ساهم في التعتيم على الكثير من قصص الكفاح ضد الاستعمار، والبطولة في مقاومة الاحتلال هو إدراك النظم الاستبدادية أن الإسلام كان الفاعل الرئيس في بناء تلك القصص، وأنه حفز أبطالها وشكل شخصياتهم، وأهداف حياتهم، لذلك لم تكن النظم الاستبدادية تريد أن يعرف أحد أن الإسلام يمكن أن يقود الشعوب للتحرر، وبناء المستقبل على أساس الاستقلال الشامل، وأنه يمكن أن يحرر الشعوب من الاستعمار الثقافي بعد أن قام بدور مهم في طرد الاحتلال البريطاني والفرنسي.

‏وبذلك لم نستطع أن نروى قصتنا الجميلة. ولكي نبني مستقبلنا يجب أن نقوم بإنشاء وسائل إعلامية جديدة، ودور نشر تقدم هذه القصص بأقلام كتاب يعرفون كيف يستخدمونها في بناء قوة الأمة، وأن تشجع الأمة الأدباء الذين يعبرون عن ثقافتها وحضارتها وحقها في الحياة والاستقلال.

‏كما أننا يجب أن نكافح لبناء نظام إعلامي عالمي جديد يحترم حق الشعوب في رواية قصصها، فمن حق البشرية أن تعرف قصتنا الجميلة!

المصدر : الجزيرة مباشر