المعارك الجانبية على هامش الانتخابات التركية

ميرال أكشينار

كلما اقترب الرابع عشر من مايو –موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا– ازدادت حدة الصراع والتنافس، التي لم تتوقف عن مهاجمة الأهداف الرئيسة والخطط الانتخابية لكل طرف، بل تعدته إلى معارك أخرى جانبية “مهمة” بين المرشحين سواء عبر وسائل الإعلام المختلفة، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تشهد يوميًا معارك من العيار الثقيل التي تترجم في صورة “ترندات” متنوعة ومتغيرة.

وقبل أن نستعرض بعضًا من أهم المعارك الجانبية التي شهدتها الساحة التركية، منذ الإعلان عن موعد الانتخابات، ننوه عن بعض الملاحظات الإجمالية المتعلقة بأداء المعسكرين الرئيسيين على مواقع التواصل لكونها واحدة من أهم أدوات التأثير الجماهيري حاليًا:

1ـ يولي كمال كليتشدار أوغلو اهتمامًا واضحًا وكبيرًا بمخاطبة الجماهير عبر مواقع التواصل، إذ اعتاد على الظهور في بث مباشر عبر حسابه على تويتر بصفة خاصة في أوقات مختلفة، بل أن إحداها كانت في وقت متأخر من الليل، عكس أردوغان الذي يفضل الاتصال المباشر بالجماهير من خلال لقاءات واقعية، نظرًا لما يتمتع به من قدرة خطابية ومهارة في التواصل، خاصة وأنه يحرص على أن تصاحب تلك اللقاءات افتتاح مشاريع خدمية، تلك الميزة التي يفتقدها كليتشدار أوغلو، فيحاول تعويضها بالوعود التي تصل أحيانًا إلى حد الإسراف، ولا تترك الأثر المطلوب لدى قطاع كبير من الشعب التركي.

2ـ تعتقد المعارضة أن مواقع التواصل تعبير حقيقي عن نبض الشارع التركي، وليس كونها أحد المؤشرات، ولم تتعلم من استحقاقات انتخابية سابقة جاءت نتائجها على عكس السائد في مواقع التواصل وترينداتها، لذا يتمتع رموزها من الصحافيين والسياسيين والناشطين بنشاط ملحوظ خاصة على تويتر، عكس تحالف الجمهور “الحاكم” إذ يرى أردوغان أن مواقع التواصل لا تعبّر تعبيرًا حقيقيًا عن جميع فئات الشعب، استنادًا إلى عدم امتلاك شرائح مهمة من الشعب حسابات على مواقع التواصل مثل كبار السن، وقاطني قرى الأناضول، والحرفيين وغيرهم، كما أن مواقع التواصل تعج بالكثير من الحسابات الوهمية التي تدار من خارج تركيا وخاصة من قبل تنظيم غولن، وأنصار تنظيم حزب العمال في أوربا.

3ـ من خلال تفحص تفاصيل الصورة التي يعمل فريق كليتشدار أوغلو على ترويجها، يتضح أنها تهدف إلى تسويق صورة الرجل البسيط الطيب، الذي ينتمي إلى عامة الشعب وليس إلى نخبته المنفصلة عن عموم المواطنين، فالرجل يحرص على الظهور في البث المباشر على مواقع التواصل من مطبخ منزله البسيط وهو يرتدي قميصًا وبنطلونًا وقد شمر عن أكمامه ويتحدث بعفوية وتلقائية بوصفه “العم كمال” كما يحب أن ينادى، أما أردوغان –وكما أسلفت القول– فتفاصيل الصورة تختلف، فهو الحاكم القوي والمسيطر، الذي تتوافر فيه مواصفات الزعامة الشعبية التي تستهوي قطاعات كبيرة من الجماهير ليس في تركيا وحدها، بل في جميع أنحاء العالم.

4ـ ظهرت زوجة كليتشدار أوغلو السيدة “سيلفي” داعمة له على مواقع التواصل من خلال بث مباشر موجّه بصفة أساسية إلى المرأة، إذ تحرص فيه على الظهور بمظهر السيدة البسيطة التي تدير البث من مطبخ بيتها البسيط (مثل زوجها) في حديث تدور مضامينه الأساسية حول التسامح والتآخي.

تجاذبات أردوغان وميرال أكشنار

منذ إجبارها على قبول ترشح كمال كليتشدار أوغلو للرئاسة، بدا للناظرين أن ميرال أكشينار التي كانت تلقب بـ”المرأة الحديدية” تعيش أوضاعًا نفسية صعبة، إذ ظهرت أكثر حدة وعصبية، وفشلت في التخلص من أوجاعها النفسية التي بدت واضحة من خلال مظاهر الحزن المرتسمة على وجهها.

لكن ميرال اختارت تفريغ شحنات الغضب بالهجوم على أردوغان والحكومة التي استهدفتها من خلال التشكيك بأعمال البناء في مناطق الزلزال.

فرد عليها أردوغان في حوار متلفز نهاية مارس الماضي، وقال لها: “إذا قلنا إننا نقوم بشيء ما، سنفعله يا سيدة ميرال. انتبهي لاسمنا. اسمي طيب، ولقبي أردوغان. تحدثي وفقًا لذلك، ولا تشغليني بحالك”.

حديث أردوغان اعتبرته ميرال تهديدًا لها، وخرجت بتصريحات من ولاية أديامان التي كانت في زيارة لها، وقالت:

“لن أستقل القطار إذا كنت خائفة من الحديد. أنا هنا وعنواني معروف. وسيليفري لا يعد مكانا باردًا بالنسبة لي، ثم أنه لا داعي لهذا الغضب، سيد رجب. دعني أقدم لك النصيحة، استمر بشرب شاي البابونج”.

أما سيليفري التي ذكرتها فهي آخر مناطق إسطنبول من ناحية الغرب ويوجد بها سجن شهير، كما هي مناطق “طره” و”أبو زعبل” و”النطرون” في مصر، أو “أبو غريب” في العراق…إلخ، فهي تريد أن تقول إنها لا تخشى السجن، كما عمدت إلى مخاطبة أردوغان باسم “رجب” دون “طيب” كما طالبها من قبل، إذ من المعروف أن اسمه مركب من اسمين “رجب طيب”.

لكن مجددًا رد عليها أردوغان من ولاية ألازيغ -إذ كان يشهد احتفالية تسليم مساكن جديدة للمواطنين– وأكد لها أنه يعرف متى يشرب “البابونج” مطالبًا إياها بشرب “الشمر” وهو مشروب يستخدم لتهدئة الأعصاب في إشارة إلى الحالة المزاجية السيئة التي تمر بها.

لم تنته المعركة الجانبية بين أردوغان وميرال عند هذا الحد، بل استمرت عقب تعرض مقر الحزب الجيد في إسطنبول لإطلاق نار، اتضح لاحقًا أنه عن طريق الخطأ إثر مطاردة من حارس إحدى البنايات المجاورة لمجموعة من اللصوص.

إذ انتهزت ميرال الفرصة منذ اللحظة الأولى لاكتشاف أثر الطلق الناري في واجهة مبنى الحزب، وسارعت إلى اتهام أردوغان دون انتظار نتائج التحقيقات، رغم أن قيادات بارزة من حزب العدالة والتنمية سارعت إلى زيارة الحزب الجيد لإعلان التضامن والدعم.

ورغم نجاح أجهزة الأمن في فك طلاسم الحادث في اليوم نفسه، إلا أن ميرال لم تحاول الاعتذار عن اتهامها السابق لأردوغان، وظهرت في كلمة أمام الكتلة البرلمانية لحزبها وهي تلقي ببقايا طلقات نارية على الأرض معلنة عدم خضوعها للتهديد.

كمال كليتشدار أوغلو وسجادة الصلاة

واحدة من المعارك الجانبية التي شغلت مواقع التواصل الاجتماعي لأيام عدة، وكان بطلها المرشح الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو.

فالرجل يعمل منذ مدة طويلة على إعادة ترميم صورة حزبه، خاصة لدى المحافظين الأتراك، إذ يرتبط اسم حزب الشعب الجمهوري في الوعي الجمعي للمسلمين الأتراك، بإغلاق المساجد وتحويل بعضها إلى متاحف، واضطهاد المحجبات ومنعهم من الحصول على حقوقهن في التعليم والتوظيف، ولم يستنكف كليتشدار أوغلو من الاعتراف بخطأ تلك الممارسات مطالبًا الشعب التركي بالمسامحة.

بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك إذ لجأ للمرة الأولى في تاريخ الحزب “العلماني” إلى ترشيح محجبات على قوائمه البرلمانية إضافة إلى مرشحي الأحزاب اليمينية الأخرى (السعادة والمستقبل وديفا).

هذه الإجراءات غالبًا ما ينظر غالبية المحافظين الأتراك -خاصة من كبار السن- نظرة تشكيك، ويعدّونها وقتية لظروف الانتخابات، ولا تعبّر عن حقيقة الحزب الذي عانوا من ممارساته لعقود.

وفي وسط هذا الجدل المحتدم ظهرت صورة لكليتشدار أوغلو رفقة آخرين وهو يدوس على سجادة صلاة بحذائه، الأمر الذي رفع حدة الهجوم عليه في مواقع التواصل، وتصدر ترند “سجادة” تويتر لأكثر من يوم، حيث أكدت أغلب التعليقات أن الرجل يحتقر المسلمين ورمز صلاتهم، ما حمله على إصدار بيان يعلن فيه اعتذاره الشديد عن الواقعة، مشيرًا فيه إلى أنه لم يلاحظ السجادة بسبب الإجهاد وزحمة الناس.

لكن الرأي العام فوجئ بخروج صورة ثانية له رفقة أناس آخرين وهو يدوس أيضًا على سجادة الصلاة، ثم أتبعتها صورة ثالثة في الإطار ذاته، ليفقد التبرير الذي قدمه الرجل معناه، فإذا كان لم يرَ سجادة الصلاة في المرة الأولى فهل غابت عنه الرؤية في المرة الثانية والثالثة؟ وإذا كان عجز عن رؤية سجادة صلاة تحت قدميه، فكيف سيرى التحديات التي تواجه تركيا؟ هكذا تساءل متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي.

ثم كان السؤال الأكثر أهمية -من وجهة نظري- عن الجهة التي سرّبت تلك الصور “الخاصة” من داخل حزبه أو الدائرة المقربة منه؟ إذ ستقود إجابة السؤال إلى سؤال أكثر أهمية عن مدى التوافق الداخلي للحزب في دعم كليتشدار أوغلو في الانتخابات!

واقعة “السجادة” لم تكن لتمر على أردوغان مرور الكرام، ففي لقاء جماهيري بإحدى بلديات إسطنبول أهدى له رئيس البلدية سجادة صلاة، فتقبلها أردوغان بامتنان مؤكدًا أن تلك السجادة لها قيمة كبيرة في القيم والأخلاق التي ينتمي إليها ولا تداس بالأقدام (في إشارة إلى ما فعله كليتشدار أوغلو)، ووعد أردوغان الجماهير الحاضرة بأنه سيحتفظ بالسجادة ليصلي عليها ركعتي شكر عقب فوزه بالانتخابات ليلة الرابع عشر من مايو.

وهكذا فإنه في مثل الانتخابات التركية حيث التنوعات الأيديولوجية والعرقية، وامتلاك كل فريق كتلة تصويتية شبه ثابتة، فإن المعوّل على استقطاب شريحة المترددين، التي يمكنها صنع الفارق وتشكيل مستقبل البلاد لخمس سنوات مقبلة وربما لعقود، من هنا تتضح أهمية هذه المعارك الجانبية وكيفية إدارتها، التي ربما تلعب دورًا ولو بسيطًا في حسم اختيارات هذه الشريحة.

المصدر : الجزيرة مباشر