لماذا ارتبط شهر مارس بالمرأة؟!

امرأة تعزف على الطبلة أثناء مشاركتها في احتفالات يوم المرأة العالمي في كولومبيا ، 8 مارس 2023. (رويترز)

 

 

ارتبط شهر آذار ارتباطًا وثيقًا بالمرأة، لأنّه شهر الخلق. فيه تجري المياه في الأغصان اليابسة، وتندفع في الأنهار إثر ذوبان الثلوج، وترسل الأرض روائحها الزكية عبر الأزهار التي تكسو سطحها.

وأيضًا لارتباط المرأة في الحضارات القديمة بالخصوبة والعطاء، وقد جسّد القدماء ذلك في عباداتهم فجعلوا الآلهة نساءً، فظهرت إنانا في بلاد سومر كآلهة للخصب وعشتار في بلاد بابل، وكان لهما الأثر الكبير في أساطير السومريين والبابليين. مما أدّى لحمل المرأة الشعلة، وتسلم قيادة الشعوب في المرحلة الأمومية التي بدأت مع اكتشاف المرأة للزراعة.

انطفاء الشعلة

لم يدم الحال على هذا الشكل طويلًا، فقد قامت الثورة الذكورية بالحد من صلاحيات المرأة والسيطرة على القيادة والحكم، وظهرت قوانين وشرائع جديدة حجّمت مكانتها في البداية، ثمّ حصرت صلاحياتها في الإنجاب والأمومة والخدمة البيتية. مرّت بعدها عصور من الظلم والاضطهاد تحوّلت فيها المرأة إلى سلعة تباع وتشترى وتعدد تصنيفها، فصار هناك حرائر وعبيد وخادمات وجوارٍ.

وقد وصل تحقير النساء في الغرب حدًا ذهب معه بعض المفكرين إلى طرح أسئلة من نوع “هل للنساء أرواح أم لا؟”، وهذا السؤال الذي طرحه الدكتور البريطاني جونسون يذكّرنا باختلاف آراء العلماء في ذلك الزمن حول امتلاك الحيوانات أرواحًا أم لا! وكان موسوليني أكثر الرجال المشهورين تحقيرًا للمرأة.

حق التصويت

بدأت الثورة النسائية في الغرب بالمطالبة بـ”حق التصويت”، وهو مصطلح أطلقته ناشطة بريطانية في أوائل القرن العشرين مطالبة بحق المرأة باختيار المرشحين في الانتخابات العامة، واللافت للنظر أنّ العصيان المدني الذي قامت به الناشطة البريطانية “إميلين بانكيرست” جاء بعد منح النساء في نيوزيلاندا بعشر سنوات، وقد كانت أول دولة تتمتع بحكم ذاتي تمنح النساء حق التصويت بعد بلوغهنّ 21 عامًا.

في ذلك الوقت كانت المرأة في بريطانيا تعاني من الاضطهاد خاصة من المفكرين والأدباء الذين ألّفوا كتبًا لا تحصى عن المرأة، لكنها كلها تصب في خانة واحدة، تصنيف المرأة على أنها أقل مكانة من الرجل، ورسّخت أقوالهم النظرة العامة للمرأة في المجتمع. مثل قول ألكسندر بوب “معظم النساء ليس لديهن شخصية على الإطلاق”، وقول لابرويير: “إنّ النساء متطرفات فهنّ إما أفضل أو أسوأ من الرجال”.

المرأة المرآة

تقول فيرجينيا ولف “الكاتبة البريطانية التي أنهت حياتها انتحارًا في شهر آذار” في كتابها “غرفة تخص المرء وحده” إنّ النساء -وعبر قرون- قمن بوظيفة المرآة العاكسة، وهي مرآة تمتلك قوى سحرية لذيذة تعكس صورة الرجل مضاعفة عن حجمها الطبيعي. إنّ المرايا مهما كانت استعمالاتها في المجتمعات المتحضرة تظلُّ جوهرية بالنسبة لكلّ أعمال البطولة والعنف.

ومن هنا جاء تأكيد نابليون وموسوليني “دونية” النساء، وذلك لإدراكهما أنّ تميّز الرجل ومكانته ستتوقف عند حد معين لو لم تكن النساء أدنى وأقل قيمة!

وهذا أيضًا يفسّر ضرورة وجود النساء للرجال فهنّ اللواتي يعززن مكانة الرجل، ويرفعن قيمته، ويمنحنه السلطات المطلقة للتحكم في كلّ شيء.

ويفسّر أيضًا الانزعاج الكبير من نقد المرأة لأعمال الرجل، فأن تقول امرأة إنها لم تعجب بكتاب أو لوحة أو عمل فني لرجل سيجعله يثور ويغضب، ويشعر بألم أعمق مما لو كان الرأي صادر عن رجل مثله، فمن المعيب أن تنقد من هي أدنى عمل من هو أعلى!

تحطيم المرآة

جاءت الثورة النسائية لتحطم المرآة التي كان الرجل يرى فيها نفسه أكبر من حجمه حين طالبت بالمساواة معه في الحقوق، لكنها حتمًا لم تنل المساواة كاملة بالواجبات، فالمرأة التي حصلت على حق المساواة صارت مسؤوليتها مضاعفة وأعباءها مضاعفة أيضًا، فقد حمّلتها المساواة أحمالًا لا طاقة لها بها، وهنا ظهرت الحركات النسوية تطالب الرجل بحمل جزء من أعباء البيت عن المرأة!

التخفي وراء الرجل

نتيجة لتلك الظروف التي عانت منها المرأة عبر عقود من الظلم لم تظهر أديبات أو شاعرات في العصر “الشكسبيري” مثلًا، فقد كانت الكتابة المسرحية تحديدًا أمرًا خاصًا بالرجال، وكانت المرأة بسبب فقرها وعدم تعليمها عاجزة عن الكتابة على الرغم من ذهاب بعض الباحثين إلى الاعتقاد أنّ الكثير من النصوص التي لم يعرف كاتبها كتبتها نساء!

ولهذا السبب ظهرت كاتبات حملن أسماء مستعارة “لرجال” مثل جورج صاند وجورج أليوت وكارر بل، وكنّ جميعهن ضحايا للصراع الداخلي كما تثبت كتاباتهنّ.

وقد أثبتن باحتجابهن خلف أسماء ذكورية مقولة “بيريكليز” إنّ مجد المرأة الأساس هو ألا يتحدث عنها أحد”

طبعًا لم يكن التخفي قاعدة فقد ظهرت أصواتٌ نسائية في عالم الأدب أثبتت جدارتها وكانت من بيئات مختلفة، ففي عام 1661 ظهرت الليدي “ونتشيلسي” شاعرة من أسرة نبيلة كتبت قصائد تحتج فيها على أوضاع النساء، كما ظهرت “جين أوستن” والأخوات برونتي من بيئة مغمورة وقد تجاوزن عصرهنّ، وحفرن أسماءهن في عالم الأدب عبر التاريخ، ولا بدّ من الإشارة في هذا الإطار إلى تقدم المرأة العربية، وامتلاكها حريّة التعبير شعرًا ونثرًا، ويكفينا من شاعرات العرب الخنساء.

الثامن من آذار يومًا عالميًا للمرأة

لا نستطيع اختزال ما حصلت عليه المرأة خلال القرن العشرين من حقوق ومميزات في احتفالية بيومها الذي حدد في الثامن من آذار، لأنّنا بذلك نذهب مذهب من يتندرون على الاحتفال بيوم المرأة وعيد الأم وباقي المناسبات بأنّه مجرد يوم يقدم فيه الرجل باقة ورد للمرأة أو هدية صغيرة ثمّ تعود إلى الرحى لتدور معها دون توقف حتّى تستنفد قواها الجسدية والذهنية كليًا.

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر