منى زكي.. من (أصحاب ولا أعز) إلى ارتداء الحجاب!

منى زكي في دورها الجديد.

 

لا أجد مشكلة في إنتاج دراما تتعرض للمحجبات، غطاء الرأس قرار شخصي، ومن يريد أن يعتبره واجباً دينياً، أو فرضاً فليكن، إنما في النهاية هو إرادة خاصة، ليس من سلطة أحد فرض شيء على أحد، وليس في الإسلام جماعة حكومية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالدين نفسه حرية اختيار، “فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”.

الحجاب، أو تغطية الرأس، وستر الجسد، والاحتشام عموماً: سلوك ديني ثقافي مجتمعي مصري قديم، وهو سلوك إنساني فطري عام، والأديان وختامها الإسلام جاءت لتصون الإنسان، وتجعله أخلاقياً، وأن تكون الفضيلة طريقه، ورغم هذا فالحرية متروكة لكل شخص بأن يكون مؤمناً أو ملحداً، وهناك آخرة وحساب وعقاب.

نساء مصر محتشمات

المؤكد أن فتيات ونساء مصر ملتزمات بالملبس اللائق دون إلحاح من داعية أو خطيب على ارتداء الحجاب والخمار، هن على الفطرة السليمة، وهن على أدب وخلق، وهن لسنا بحاجة لدراما تدعوهن للحجاب، أو تشوه هذا اللباس في عيونهن، ومن يتعمد الإساءة للاحتشام فإن المجتمع ينبذه ويُسقطه دون الحاجة لعون من سلطة، أو وعظ من شيوخ دين، أو وصاية من جماعات تظن نفسها الحامي للدين والحريص على إيمان الناس.

والحجاب ليس رسالة ووظيفة تيارات دينية، ولا هى من اكتشفته ودعت إليه، ومن يربط بين الحجاب أو الاحتشام وبين تنظيمات وأطياف دينية حركية فإنه قصير النظر ضيق الأفق في عقله غرض ومرض، فالحجاب أو اللباس الحافظ لكرامة المرأة لصيق بالأم الأولى للبشرية (سيدتنا) حواء، ومنها انتقل إلى بناتها وحفيداتها، ثم هناك من تبدل وتغير وتتخلى عنه.

(تحت الوصاية)

لمجرد بوستر مسلسل رمضاني اسمه (تحت الوصاية) تظهر فيه الممثلة منى زكي محجبة بوجه شاحب وفي شكل معين ربما غير مريح للبعض، بدأ الهجوم عليها، وتناثرت الاتهامات لها عن تشويه المحجبات واستهداف الحجاب نفسه، وهذا استباق للأحداث ومضمون العمل واستحضار للنوايا السيئة، علماً بأن الحجاب لباس الأكثرية الساحقة من فتيات ونساء مصر باختيار حر دون إجبار، وبالتالي إذا فكر أحد أن ينتقص منه فإنه خاسر لا محالة.

دعوا منى زكي ومسلسلها يظهر أولاً، ثم دعوا عموم الناس في الريف والحضر، في القرى والمدن، في كل مكان، هم من يردون على العمل الفني بطريقتهم فيسقطونه إذا كانت له أهداف أخرى خبيثة تمس الحجاب أو الاحتشام، كما أن الحديث عن الحجاب لا يعني انتقاصاً من غير المحجبات، فقد يكون لبعضهن أدباً وخلقاً أكثر من محجبات لا يحافظن على رمزية لباسهن.

هل منى تهدد الأخلاق؟

ومن يهاجمون منى زكي اليوم ويعيدون التذكير بدورها في فيلم أثار جدلاً اسمه (أصحاب ولا أعز)، ويدّعون أنها تهدد الأخلاق والقيم، فإنهم يفتئتون عليها ويفكرون بشكل مُسّطح متسرع، فهى فنانة حرفتها التمثيل، وهي تجسد أدواراً متنوعة. فقط سنختلف معها إذا كانت تتعمد انتقاء أدوار خاصة لتشويه شخصيات أو رموز أو أفكار معينة بنوايا سيئة، وإذا كانت ترساً في ماكينة ممنهجة تدور ضد قيم إنسانية محترمة وقضايا مجتمعية عادلة.

الممثل يؤدي وظيفة، أما الأساس في العملية الفنية فهو المؤلف وشركة الإنتاج، هم من يصيغون الأفكار ويمولونها وينفذونها، ولهذا هناك رقابة رسمية وأخرى شعبية تقف بالمرصاد لمن يستخدم الفن بشكل سلبي وهدام. صحيح قد يحدث شطط في بعض الأعمال، لكن المجتمع يتصدى، والعُملة السيئة تختفي، والجيدة تبقى، ولا أظن أن هناك منتجاً سيوافق على المغامرة بماله وصورته عندما يعادي المجتمع، فهو إنسان له عائلة وأهل وأقارب وجيران وأصدقاء.

إنما المشكلة الحقيقية عندما يكون هناك توجه مقصود من سلطة الحكم، أو أطراف فيها لإنتاج مضامين ذات أهداف سياسية واجتماعية وثقافية وفكرية وتعبوية خاصة بها وبوجودها في الحكم أو برؤيتها لخصومها السياسيين أو بالترويج لأفكار معينة، هنا ينتقل الفن من كونه رسالة جيدة ومطلوبة إلى رسالة للتعبئة والدعاية فيفقد قيمته وبريقه.

فهل يمكن للسلطة أن تخاطر بمناقشة قضايا دينية لتشكيل صورة سلبية عنها مثل حجاب منى زكي في مسلسلها المنتظر؟ هنا المحك، وهنا الترقب لنرى أولاً، ثم نحكم بإنصاف.

دراما ذات أهداف خاصة

نعم، تم إنتاج أعمال لأهداف سياسية خلال السنوات الماضية مثل مسلسل (الاختيار)، وتقييم هذه الأعمال لا يكون في وقت إنتاجها وعرضها، إنما تُترك للزمن للحكم عليها، فإما تبقى وتثبت صحتها، أو يطويها النسيان إذا كانت موجهة ومرهونة بمرحلة.

في (أصحاب ولا أعز) بطولة منى زكي لم أجد فيه ما صاحب عرضه من ضجة وخوف على منظومة القيم والأخلاق، فهو يرصد واقعا يحدث بالفعل، وهو يتخيل ماذا يمكن أن يحدث فيما لو صار الناس مع بعضهم كتباً مفتوحة دون تجميل أو أكاذيب.

ومدفعية الهجوم توجهت لـ منى بسبب لقطة لها  والفيلم يقدم مبررات مقنعة لكل سلوكيات أبطاله، باستثناء محاولة تمرير قبول شخص (شاذ) ضمن مجموعة الأصدقاء في الفيلم.

أخيراً، هناك انتهازيون يغازلون السلطة عندما يربطون كل نقاش لعموم المصريين على تنوعهم، وبين تيار ديني سياسي محشور في زاوية ضيقة، فليس كل تعبير عن الرأي – حتى لو كان بشأن ارتفاع سعر الطماطم – هو نشاط لجان هذا التيار، أو متعاطفون معه، وليس كل من يتكلم من رأسه هو ضد الدولة التي تئن من متاجرة (الوطنجية) و(الأفاقين) و(المنافقين) بها.

لا يخشى أحد على الدين والأخلاق، إذا انشغل كل واحد بنفسه والتزم بما ينصح الآخرين به أو يأخذه عليهم، لما كانت هناك مشكلة، أو بواعث للقلق.

المصدر : الجزيرة مباشر