لماذا سخر المصريون من صفقة الدجاج البرازيلي؟

الدجاج في مزارع البرازيل

 

قد لا يستوعب بعض الناس حجم المصاب الذي حل بالشعب المصري جراء ذلك الإجراء الذي اتخذته الحكومة مؤخرًا لحل أزمة النقص الحاد في سوق الدجاج، حيث اتجهت الحكومة إلى حل الأزمة بطريقتها المعتادة (سياسة إطفاء الحرائق)، تلك التي تدع البلاد رمادًا بعد انخماد النار وانحسار أوارها، وتَمثّل الحل في استيراد الدجاج البرازيلي المجمد، لكن الأكثرية من شعب مصر قابلت هذا الإجراء بموجة من السخرية والتهكم مع قدر غير قليل من الحذر والتحفظ؛ ألأجل مفاسده الشرعية أم لأجل مضاره الاقتصادية، أم لأجلهما معًا؟

موجز الحكم الشرعي

ولعله مما ينبغي أن يفكر فيه كل مسلم -قبل التطرق إلى المفاسد الدنيوية- الموقف الشرعي؛ فهل هذه الدواجن المستوردة من البرازيل أو غيرها حلال أم حرام؟ هل تتوافر فيها الشروط الشرعية للذكاة؟ وليس ثم ارتياب في الحكم الشرعي المحكم الذي اتفق عليه الفقهاء، وهو أن ما يحل أكله من الحيوانات والطيور يشترط لحله الذكاة الشرعية، فلا يحل أكل الميتة التي لم تُذك، أيَّا كان سبب موتها، كالمنخنقة والموقوذة (التي ماتت بالضرب) وقد نصت الآية الكريمة من سورة المائدة على ذلك بنص مُفصَّل: {حُرِّمَتْ عليكمُ المَيْتةُ والدمُ ولحمُ الخنزيرِ وما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ بهِ والمُنخنقةُ والموقوذةُ والمترديةُ والنطيحةُ وما أكلَ السبعُ إلّا ما ذكَّيتم…} الآية، فهذا إجماع مبني على نص محكم، والعلماء -بعد اتفاقهم على ذلك وعلى أن الذكاة تكون في الحلق واللبة- اختلفوا في بعض التفاصيل التي لا تضر بالأصل المتفَّق عليه، من هذه التفاصيل عدد ما يجب أن يُقطع من الأربعة (الحلقوم والمريء والودجين) فقال الحنابلة بوجوب قطع الأربعة، وقال المالكية بوجوب قطع الودجين والحلقوم، وقال أبو حنيفة بوجوب قطع ثلاثة من الأربعة أيًّا كانت، وقال الشافعية بوجوب قطع الحلقوم والمريء، وإن اتفقوا جميعًا على أن الأكمل قطع الأربعة.

وثَمَّ اختلاف آخر في وجوب التسمية أو اشتراطها لصحة الذكاة، فقال الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة بوجوبها، وبعدم صحة الذكاة مع ترك التسمية عمدًا، وبالعفو عن السهو، بينما انفرد الشافعية عن المذاهب المشهورة بالقول باستحباب التسمية وبصحة الذكاة بدونها، سواء كان ذلك عن عمد أو نسيان، ما لم يكن ذلك على وجه الاستخفاف، ودليل الجمهور الآية: {ولا تأكلوا مِمّا لم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عليهِ وإنّهُ لفِسقٌ} ودليل الشافعية حديث عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ قومًا يأتوننا باللحم، ولا ندري هل ذكروا اسمَ اللهِ عليهِ أم لا” فقال: (سَمُّوا أنتم وكُلوا) ولهم في الآية الكريمة تأويل، وسواء ترجح مذهب الجمهور أو الشافعية فإن خلافهم لا يضر بقضية أخرى لا علاقة لها بتلك القضية، وهي ذكر اسم غير الله، فهذا لا خلاف في أنه يحرم الذبيحة لقول الله عز وجل: {وما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ بهِ}.

وذبائح أهل الكتاب حلال بلا خلاف؛ للآية: {وطعامُ الذينَ أوتوا الكتابَ حِلُّ لكم) لكن بشروط: الأول أن يكون الذابح كتابيًّا غير ملحد، الثاني: أن يقع الذبح على وفق الشريعة الإسلامية، الثالث ألا يُذكَر عليها اسم غير الله كالمسيح أو الثالوث، وقد غلط كثير من الشيوخ المعاصرين كابن باز وغيره؛ عندما أفتى بحل اللحوم المستوردة إذا لم نعلم طريقة المعالجة التي تقوم بها الدولة المصدرة ما دامت من دول أهل الكتاب، احتجاجًا بقاعدة: (الأصل في الأشياء الإباحة)؛ والصحيح أن الأصل في اللحوم المستوردة من بلاد غير مسلمة هو التحريم وليس الإباحة؛ لأن الأصل في الأبضاع والذبائح التحريم على خلاف الأصل العام، ولأن العلم قد استفاض بأنهم يقتلون البهيمة والطائر بالصعق أو الخنق أو غير ذلك، فصار هذا هو الأصل دون الحل، وهذا ما يطلق عليه بعض الفقهاء: انقلاب الأصل، ومستند ذلك أن قاعدة (الأصل في الأشياء الإباحة) فرع على القاعدة الأم: (اليقين لا يزول بالشك)، والقاعدة الأم تأبى ذلك؛ فاليقين السابق أنهم اعتادوا القتل، وما طرأ من الشك في التفاصيل لا يقوى على دفع اليقين السابق؛ لذلك فإن: (الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يأتي ما يغيّره)، ثم إنه من السهل البحث والتحري لمعرفة طرائق إنهاء حياة الحيوان والطائر عندهم؛ فلا يصلح هنا تعلل ولا تذرع، ولا يكفي للانتقال عن الأصل وهو التحريم حتى يخبرنا عدل ثقة ليس بمتهم بأنها تُذبح على الشريعة بيد كتابي ليس ملحدًا ولا يُذكر اسم غير الله عليها.

موجز المضار الدنيوية

لم يختلف المراقبون في أن السبب وراء الأزمة هو النقص الحاد في الأعلاف، فمن المعلوم -وبحسب تصريحات لرئيس شعبة الدواجن بغرفة القاهرة التجارية- أن إنتاج مصر من صغار الدجاج يبلغ 4 ملايين و250 ألفًا يوميًّا، لكن السبب في الانهيار الذي ترتب عليه فجيعة إعدام الكتاكيت ثم غلق مزارع الدواجن هو النقص الحاد في الأعلاف.

وكان من المنتظر أن تسلك الحكومة مسارين، أحدهما عاجل والآخر طويل المدى، فأما العاجل فهو إعطاء الأولوية في فك حصار السلع المحجوزة في الموانئ بسبب شح الدولار لكل ما يُمثل الضروريات للشعب، ومن ذلك الأعلاف، أما المسار الآخر بعيد المدى فيتمثل في إنتاج العلف محليًّا وإنتاج خاماته الأولية أيضًا، وقد صرّح كثير من المتخصصين بتوافر فرص كبيرة ووفيرة لذلك؛ لولا أن الفساد المستشري مع فشل المنظومة العسكرية يأبيان أن تحقق مصر الاكتفاء الذاتي في كل ما هو ضروري للشعب المصري!

فهذه مضار اقتصادية لا نظير لها، إضافة إلى المفاسد الصحية التي سيسهل وقوعها بسبب الفساد الذي يُمكّن حيتان الاستيراد من تمرير صفقات تحمل للشعب الأوبئة والأمراض الفتاكة، وقد خبرتنا الأيام الخوالي بأن هذا أسهل في التمرير من انزلاق صابونة ملساء فوق رأس أصلع؛ لذلك لا نتعجب إذا وجدنا الشعب المصري يتندر ويتهكم فهذه طريقته في التعامل مع مثل هذه النكبات.

المصدر : الجزيرة مباشر