الصين بين فقاعة مالية ساخنة واختفاء 1.9 تريليون دولار!

كاميرات المراقبة على ميدان تيانانمين أمام صورة للرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ، قبل افتتاح المؤتمر الوطني لنواب الشعب (رويترز)

 

توافد على العاصمة الصينية بيجين 3 آلاف من أعضاء مجلس نواب الشعب اليوم، لبدء جلسات تشريعية، ستشهد على مدار أسبوعين أكبر حركة تغيير للوزراء وقيادات الدولة، منذ 10 سنوات. عاد النواب من 31 إقليما لـ”البرلمان”، بعد أن حصل الرئيس شي جين بينغ على تعديل دستوري في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يُمكّنه من البقاء في منصبه مدى الحياة، لتنفيذ “وثبة كبرى” تحقق خلالها الصين اختراقا دوليا يدفعها إلى قيادة العالم.

يأمل المشرعون مناقشة خطط “شي” لإعادة هيكلة واسعة للكيان الإداري بالدولة، بعد تغيير قواعد الحزب الشيوعي، للخروج من أكبر أزمة تواجه الاقتصاد منذ اعتناق الدولة “رأسمالية السوق”، مع بقاء الماركسية اللينينية عقيدة ثابتة لنظام الحكم.

خبراء أهل الثقة

سيوافق النواب على تغيير رئيس الحكومة، ليحل رجل “شي” المفضل لي تشيانغ (63 عاما) محل رئيس الوزراء لي كه تشانغ. تركز التعيينات الجديدة على المجموعة الاقتصادية، ليصبح دينغ شيانغ نائبا تنفيذيا لرئيس الوزراء، ويُستبعد ليو هي خريج هارفارد الملقب بجسر الشرق والغرب، ليجلس بمقعده نائبا لرئيس الوزراء هي ليفننغ خبير التمويل. أتي لرئاسة البنك المركزي تشو هيكسن، خلفا للخبير الدولي هي قانغ. تعكس التعديلات حرص “شي” الشديد على تجميع أهل الثقة من رجاله المخلصين، الذين عملوا معه سنوات طويلة، في رحلة صعوده إلى قمة سلطة، لم يبلغها سوى الزعيم السابق ماو تسي تونغ.

أصبح “شي” رئيسا للدولة ورئيسا للحزب الشيوعي وقائدا أعلى للقوات المسلحة والزعيم الروحي للبلاد، في وقت أدت سياساته الغليظة في مواجهة وباء كوفيد-19 إلى غضب شعبي يتزايد مع تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة وركود بالسوق العقاري وأزمة ديون خانقة لدى حكومات الأقاليم.

الإدمان المفرط للديون

دخلت الصين عام 2023، والاقتصاد في حالة أزمة، ولم يبق أمام النظام إلا “التوجه إلى ركود كبير أو نمو ضخم أو الاستقرار”، وهو النتيجة التي يراها خبراء صينيون “الأقل احتمالا”.

يستند محللون، ومنهم تشاو يانجينيغ الخبير الاقتصادي بمعهد أتلانتس المالي في بيجين، إلى وجود “فقاعات مالية جاهزة للانفجار لكثرة الديون لدى حكومات الأقاليم”، تتطلب أن تتدخل الحكومة المركزية لحلها، لتبقي الاقتصاد على قيد الحياة، قبل أن تنفجر، وتربك الأسواق داخل الصين وتنتقل آثارها إلى سوق الأوراق المالية في الولايات المتحدة وغيرها.

يطلق “تشاو” على الفقاعة المخيفة “معركة الميزانيات العمومية” التي نتجت عن الإدمان المفرط في ديون عامة وقعت بها حكومات الأقاليم، لتمويل مشروعات لا تحقق عوائد كافية، ولجأت إلى تغطية العجز في الإيرادات عبر قروض هائلة من البنوك المحلية، بدعم من الحكومة المركزية في بيجين.

سهّلت الحكومة خروج الأموال من البنوك بلا ضمانات حقيقية لدفع معدلات النمو، دون أن تدرس سبل سداد حكومات الأقاليم ديونا تريليونية، ظهرت آثارها السيئة مع تعرّض المشروعات العقارية التي تمثل 30% من الناتج القومي، لخسائر فادحة وركود قاتل، زادته قتامة قيود إغلاق البلاد لمدة 3 سنوات.

الخراب المنتظر

يحذر تشاو جيان الخبير بمعهد زيجنينغ للأبحاث ببيجين، في تقرير نشره على موقع mp.weixin.qq.com الأسبوع الماضي، من أن تؤدي فقاعة الديون الحكومية المحلية إلى خراب الأسر والشركات والدولة، لأن السياسة النقدية التي تتبعها الحكومة ستؤدي إلى الركود، بينما لا تستطيع أن تتحمل تبعات الديون على المدى القصير.

تستند مخاوف المحللين إلى الطريقة التي اتبعها الحزب الشيوعي لدفع معدلات النمو خلال السنوات الماضية، عبر نظام مالي لا يُمكّن البنك المركزي من توليد الأموال، ولا نقل العملة إلى مفاصل الاقتصاد إلا عبر البنوك التجارية، التي تخضع في الواقع للحكومة المركزية وقيادات الحزب الشيوعي بالأقاليم.

تتولد الأموال في الصين عبر توفير الحكومة المركزية لحكومات الأقاليم الأراضي التي تحتكرها الدولة وفقا للنظام الشيوعي. تقدّم الحكومات الأراضي ضمانات للبنوك، للحصول على السيولة اللازمة لتمويل مشروعات البنية الأساسية والخدمات، وخاصة إنشاء الطرق وبناء العقارات. عندما تبدأ الحكومات في الاقتراض ويرتفع معدلات النمو، تطلب المزيد من القروض، دون أن تكون قادرة على سداد الدين الأول، فتتدخل سلطات الحزب والحكومة المركزية لدى البنوك لتوفير السيولة، دون ضمانات، بقروض دوارة، إلى أن وقعت أزمة العقارات منذ عامين، حيث توقفت الشركات عن البناء وانهارت السوق العقارية، فخسرت الحكومات قدرتها على دفع مستحقات الشركات والعملاء، وامتنع الناس عن دفع أقساط مبان غير مكتملة أو غير موجودة على الإطلاق.

مع دخول البنوك الكبرى في لعبة القروض بلا ضمانات، فوجئت بأن شراكتها للحكومات المحلية عرّضتها للإفلاس، بامتلاك عقارات لا قيمة لها، أو غير موجودة، وأن الديون أصبحت صفرية، مع ضرورة إسهامها في سداد مستحقات ملايين المواطنين الذي دفعوا أموالهم، وما زالوا في العراء.

صفقات الفساد

يتهم محللون الحكومة وقيادات الحزب الشيوعي التي تسيطر على مفاصل الدولة، بأنهم وراء دفع الحكومات المحلية إلى إدمان الديون، للاستفادة من عوائد تلك الأموال في صفقات فساد، وتذوق نمو سريع كاذب، مدفوع بالديون، يبعدهم عن العمل الشاق لبناء الأصول، بتطوير خدمات عامة، ترفع قيمة الأراضي، وهي الكنز الذي يولد المال القادم من عوائد البيع، أو ضمان لمزيد من ديون لا يمكن إيقافها وإلا أفلست الحكومات والشركات.

كتب محلل مالي، تعليقا على مناقشة الحكومة الراحلة للميزانية السنوية، عن اختفاء فائض تجاري بقيمة 1.9 تريليون دولار، تراكم بدول أجنبية، لصالح الصين خلال السنوات من 2020- 2022، لم تُرصد عودته بأرقام الحساب الختامي للموازنة العامة. أثار نشر التحليل والإحصاءات من خبير ملقب بـ”Lawman” على وسائل التواصل الاجتماعي، زخما حول اختفاء 10% من الناتج القومي الإجمالي بمستندات رسمية يناقشها نواب الشعب. ألمح الرجل في تغريدته، التي لاحقتها أجهزة الرقابة وانتشرت بالإنترنت، إلى دور مسؤولين كبار في تهريب الأموال العامة، مستغلين فترة الوباء، لحجز قيمة مبيعات صينية لأجانب، بحسابات خاصة في الخارج، بما أشعل الحديث عن “فقاعة الديون” وكيف يُهرّب مسؤولون أموال الشعب أمام عيون الرئيس.

وللحديث بقية.

المصدر : الجزيرة مباشر