هل يصمد تحالف المعارضة التركية حتى موعد الانتخابات؟

مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في الرابع عشر من مايو/ أيار المقبل، وعدم إفصاح أحزاب المعارضة عن برنامجها الانتخابي، وما ستتخذه من قرارات، وما تسعى لتنفيذه من سياسات على الصعيدين الداخلي والخارجي، ازدادت الشكوك حول مدى جاهزية هذه الأحزاب لخوض الانتخابات، بل وفي قدرتها على إدارة الدولة.
ويعزز ذلك أن رؤساء هذه الأحزاب المنضوين في تحالف الطاولة السداسية أثناء تفاوضهم لاختيار مرشح رئاسي، قدموا أسوأ أداء تمكن رؤيته لسياسيين من المفترض أنهم يتمتعون بالخبرة والحنكة اللازمة لممارسة العمل السياسي، وتولي مسؤولية دولة بحجم تركيا، حيث أضاعوا الكثير من الوقت في النقاش والتباحث حول الشخصية التي يمكن أن تلبي شروط كل واحد منهم، وتكون جديرة بخوض سباق الانتخابات الرئاسية، ولديها القدرة على تحقيق الفوز، وإزاحة أردوغان وحزبه عن السلطة.
وخلال هذه المرحلة خرجت خلافاتهم إلى العلن بشأن اسم المرشح الذي يفضلونه، وبدا واضحا لكل ذي عينين أن ما يفرق هؤلاء الزعماء أكثر بكثير مما يوحد كلمتهم ويجمع مواقفهم، وحملت مواقفهم الرغبة في تحقيق أهداف شخصية خاصة على حساب مصلحة الوطن.
شكوك حول إمكانية صمود جبهة المعارضة الموحدة
هذه التصرفات جعلت الكثير من الناخبين يشكون في مقدرة رؤساء هذه الأحزاب على إدارة شؤون الدولة بشكل احترافي، يضمن لها تماسكها ووحدتها، وقدرتها على مواجهة التحديات التي تواجهها، والعمل على استمرار صعودها وكونها قوة اقتصادية وإقليمية لها مكانتها وكلمتها.
بل امتدّت هذه الشكوك لتصل إلى إمكانية صمودهم في جبهة موحدة حتى موعد إجراء الاستحقاق الانتخابي، والحد من خلافاتهم، وإظهار رغبتهم الحقيقية في العمل المشترك الجدي من أجل تحقيق الديمقراطية والعدل والمساواة بين أبناء الوطن كما يصرحون به دوما.
ربما تكون الأحداث التي شهدتها بعض أحزاب جبهة المعارضة خلال الأيام القليلة الماضية هي الدافع وراء ازدياد حدة هذه الشكوك، التي تنذر بإمكانية تمزق هذه الجبهة، وانفراط عقدها في أي لحظة، مع تزايد حجم المشاكل التي تواجهها، فضلا عن اختلافاتها الأيدلوجية، ومخاوف كل حزب منها المنطقية من إمكانية خسارة جزء من قاعدته التصويتية إذا رضخ لرؤى الأحزاب الأخرى.
وهذا الأمر يؤدي دوما إلى بطء اتخاذ القرارات، وتأخر الإعلان عنها للناخبين الذين ينتظرون سرعة في الأداء من جانب هؤلاء الرؤساء، مما أدى إلى زيادة حدة حالة القلق لدى الناخبين الأتراك، ودفع بعضهم إلى مراجعة موقفه، وفق ما تشير إليه استطلاعات الرأي العام.
استقالات وانتقالات من جبهة المعارضة إلى العدالة والتنمية
وأكبر دليل على صحة هذه المخاوف ومنطقيتها، ذلك الزلزال العنيف الذي ضرب حزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار، حيث غادر الحزب ألف من أعضائه البارزين، وانضموا إلى حزب العدالة والتنمية، ومنهم نائب الحزب في البرلمان عن أنطاليا يونس أكبينار. كما قدم ياووز آغر علي أوغلو نائب الحزب عن إسطنبول استقالة مبيّنًا سببها حيث قال فيها: “لقد تعرضنا للخداع من جانب شركاء الطاولة السداسية التي كنا أحد مؤسسيها، لن أشارك في هذا الوبال، وأرفض منح صوتي لكمال كيلتشدار أوغلو، وسأتحمل كافة العواقب التي يمكن أن تنتج عن قراري هذا”.
ليست أكشينار فقط هي التي تواجه زلزالا مدمرا داخل حزبها، دفع البعض إلى ترجيح إمكانية إعلانها اعتزال العمل السياسي في حال استمرار حالة التمزق التي تواجهها داخل حزبها، بل يقف معها في نفس الموقف أحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل، وإن بدرجة أقل، إذ فوجئ بقيام مسؤولي الحزب في بلدية أفجيلار بمدينة إسطنبول بتقديم استقالة جماعية من الحزب، وإعلانهم الانضمام إلى حزب العدالة والتنمية، ويحتمل أن يتبنى آخرون ينتمون لحزبه نفس الموقف، بسبب خلافات قوية معه حول أدائه عموما على الطاولة السداسية.
كيلتشدار أوغلو أم الشعوب الديمقراطي وراء زلزال الاستقالات
حملة الاستقالات التي تتعرض لها أحزاب المعارضة لم تأت فقط بسبب اختيار كمال كيلتشدار أوغلو زعيم المعارضة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري، مرشحًا توافقيًّا لخوض الانتخابات الرئاسية أمام مرشح تحالف الجمهور الذي يترأسه أردوغان، وإنما جاءت بسبب قيام كيلتشدار أوغلو عقب ترشيحه لخوض السباق الرئاسي بالاجتماع مع قيادات حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل الأكراد على الساحة السياسية التركية، وقبوله قائمة الطلبات التي تقدم بها الحزب والتي تضم أحد عشر بندا.
رفض هؤلاء المستقيلون القيام بهذه الخطوة من كيلتشدار أوغلو، يعود في الغالب لإسباب عدة، تتمحور في مجملها حول الكشف بالأدلة عن علاقة حزب الشعوب الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني (بى كا كا) الذي يخوض حربا انفصالية ضد الدولة التركية، ويقوم بشن عمليات تخريبية وإرهابية ضد المدنيين، كما حدث مؤخرا في شارع الاستقلال بإسطنبول، وفي المناطق الحدودية مع كل من سوريا والعراق.
كما يواجه اتهامات بالمساعدة على عمليات اختطاف عشرات المراهقين من الشباب والفتيات وترحيلهم إلى جبال قنديل، لدعم القوة العسكرية لحزب العمال الكردستاني، حيث يتم تدريبهم بأيدي قيادات الحزب على حمل السلاح، وتجهيزهم للقيام بعمليات تفجيرية ضد مصالح تركيا في الداخل والخارج، وهو الأمر الذي دفع أمهات وأسر هؤلاء المختطفين إلى الاعتصام أمام مقر الحزب، للمطالبة باستعادة أبنائهم من براثن الإرهاب، وعودتهم إلى حياتهم الطبيعية، والابتعاد بهم عن أتون هذه المعركة.
وهي الاتهامات التي يواجه بسببها حزب الشعوب الديمقراطي خطر إغلاقه، في الدعوى المرفوعة ضده من جانب المدعي العام التركي، الذي يطالب بحظر الحزب، ومنع قياداته من العمل السياسي.
هذه الاتهامات التي يواجهها الشعوب الديمقراطي هي التي تقف وراء الموقف المتشدد الذي ينتهجه حزب الجيد تحديدا، حتى الآن على الأقل، من التعاون بأي صورة من الصور معه، فقيادات الجيد تدرك تماما طبيعة قاعدتها الجماهيرية، ذات التوجهات القومية المتشددة التي لن تقبل بأي حال من الأحوال، وتحت أي مبرر من المبررات التعاون مع حزب يرون أنه ساعد بطريقة ما في إسالة دماء الأبرياء من المدنيين الأتراك، ولن تغفر لأي قيادة قبولها التعاون بأي شكل من الأشكال مع هذا الحزب، حتى ولو كانت النتيجة خسارة الانتخابات.
فهل تستطيع جبهة تحالف الأمة الصمود في وجه العاصفة التي تمر بها حاليا حتى موعد الانتخابات، أم أن الأيام المقبلة ستحمل لها المزيد من المفاجآت الخاصة بالانقسامات والاستقالات، خصوصا إذا ما تم التوافق على إعلان البرنامج الانتخابي لها بصورة رسمية، الذي يحمل في طياته الكثير من عوامل انهيارها، ولهذا قصة أخرى سنفرد لها مقالا خاصا بإذن الله.