حاويات الدولة الأسدية

بشار الأسد

 

المعنى الأكثر تداولًا لكلمة الحاوية هو كونها صندوقًا معدنيًّا كبيرًا بأبعاد قياسية، يتم من خلاله شحن وتخزين المواد الخام خلال عملية نقل البضائع سواء عن طريق الشاحنات أو القطارات أو البحر أو الجو.

لكنّ الدولة الأسدية وسّعت المعنى، وصار قابلًا لحمل دلالات جديدة وربما لاشتقاقات مختلفة أيضًا، فتحوّل المعنى من وصف الصندوق المعدني إلى مهام ذلك الصندوق واستخداماته المتعددة.

كما نسفت الدولة الأسدية الاشتقاق اللطيف لمعنى الاحتواء ودلالته العاطفية، ليصبح مُعبّرًا عن العنف والقتل والتدمير والإذلال.

حاويات بشار الأسد

على مدى عشر سنوات من عمر الثورة السورية، سعى بشار الأسد لإخماد أنفاس الحرية بكل الطرق الممكنة، بدءًا بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين إلى استخدام الهاون والمدفعية والدبابات في اقتحام المدن وإلقاء القنابل العنقودية، ثمّ تفتق ذهنه عن سلاح فريد لم يستخدمه أحد قبله هو “الحاويات المتفجرة”!

لم يعرف أحد في العالم أثناء الحروب الدائرة مثل هذا السلاح الأسدي الذي استخدمه بشار الأسد عبر الطيران، ورمى به المساكن الآهلة بالمدنيين ليدمّرها فوق رؤوس ساكنيها. وقد اضطر بشار الأسد إلى هذا الاختراع العبقري لاستنفاده مخزون الأسلحة عنده، فاستخدم البراميل والحاويات المليئة بالمواد المتفجرة، وقام طياروه البواسل برميها من المروحيات فوق المدن الثائرة.

حاويات دريد الأسد

كتب دريد الأسد منشورًا على صفحته الشخصية في فيسبوك بعد كارثة الزلزال، يقول فيه:

“هنالك آلاف الحاويات الفارغة المتروكة في مرفأي اللاذقية وطرطوس -على أن يتم ذلك بالتنسيق مع الشركات الناقلة! وهي معزولة بشكل جيد!- يمكن تأهيلها لتصبح مجمعات سكن سريع مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة لها من عزل صوتي وحراري وغيره.

كما يمكن إنشاء طابقين أو ثلاثة منها في حال وصلها مع بعضها البعض، كما أن تجهيزها لا يستهلك الوقت إذ يمكن اكتمال العمل فيها ببضعة أيام! بمعنى آخر يمكن إيواء المتضررين بسرعة قياسية ريثما يتم إيجاد الحل المستدام لهم”.

ووضع دريد الأسد صورًا لمساكن مسبقة الصنع مع منشوره، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يضع صورًا حقيقية لتلك الحاويات المقصودة، فهي عبارة عن صناديق معدنية تالفة صُنعت في زمن ما لإقامة المهندسين المؤقتة في المرفأ أثناء العمل، وهي غير صالحة للسكن سوى للجرذان! ولم تقتصر المنشورات الإنسانية على صفحة دريد الأسد على تلك المبادرة الفريدة من نوعها، بل نشر صورًا لأبناء بشار الذين قاموا بمبادرة بعد أيام من الزلزال لمساعدة المنكوبين بتوزيع مساعدات عينية، ويظهر حافظ ابن بشار في أحد الفيديوهات المتداولة وهو يناول أحد المتضررين علبة معدنية ربما تكون علبة تونة أو فول أو فطر! وابنته زين تنتعل حذاءً سعره ملايين الليرات.

وجاء التوزيع بعد وصول المساعدات إلى سوريا، ونهبها وبيعها لتجار الجملة الذين وضعوا إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي لبيعها. ربما جاءت مبادرة دريد ردًّا على تبرعات رامي مخلوف لدعم الدولة الأسدية في مواجهة كارثة الزلزال التي سمعوا بها بعد خمسة أيام من حدوثها! فمن المعيب أن يترك رامي مخلوف يظهر بثوب المحسن ويبقى هو في الظل. مع هذا، حرص على ألا يتبرع بقرش من الملايين التي سرقها من أموال الشعب السوري.

 

الحاوية الأم

إذا رجعنا إلى معنى حاوية في القاموس لوجدناها لفظًا مؤنثًا لكلمة حاوٍ. والحاوي هو الرجل الذي يرقي الحيّات، ويجمعها، ويقوم بأعمال غريبة. لا شك أن الحاوي الأكبر هو مؤسس الدولة الأسدية وقائدها الأبدي الذي أرسى مفاهيم وأخلاقيات جديدة ومتفردة في الحكم، ناقلًا سوريا من دولة ديمقراطية ذات سيادة واقتصاد متينين إلى مزرعة للنهب والسلب والفساد والإرهاب. كل ذلك كان بدعم من الحاوية الأساسية الكبرى التي أسّست لسياسة الدولة في الخفاء ولم تظهر في الصورة، حتى بعد موته بقيت “حاكمة الظل” التي وجّهت ابنها الوريث في حربه ضد شعبه ودعمته حتى موتها، لتظهر حاوية أخرى -بالمفهوم الشعبي- تدير شؤون البلد، وتمسك برقاب الشعب لتنهب ما تبقى في الدولة المتهالكة.

الحاويات الشعبية سلة غذاء.. وبرلمان

من المعروف أن لفظ “حاوية” يُطلق أيضَا على صناديق جمع القمامة المخصَّصة لسيارات نقل القمامة، وهي صناديق معدنية كبيرة تنتشر في الشوارع عامة، تمرُّ سيارات نقل القمامة في ساعات محدَّدة لإفراغها من الزبالة التي لم تعد مقصد النباشين وحدهم، بل صارت مقصد فئة كبيرة من الشعب السوري في مناطق النظام ومصدر طعامهم! يبحثون فيها عما يسدُّ رمقهم ويُسكت جوعهم. أما كيف تحولت الحاوية إلى برلمان؟ فقد انتشرت قبل مدة قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي صورة لمبنى البرلمان السوري، وعلى مسافة قصيرة جدًّا من بابه الرئيسي بضع حاويات للقمامة وفي داخلها وحولها بضعة أطفال. وبغض النظر عن تاريخ المبنى العريق، فإن الانزياح الدلالي قد طاله تمامًا كما طال لفظ “حاوية”، فبعد أن كان يحوي كبار رجال الدولة المنتخبين بطريقة ديمقراطية سليمة، بات حاوية تضمّ بين جدرانها كل أعوان الظالم المعيَّنين تعيينًا، والذين شاركوا في مهزلة تغيير الدستور عند استلام الابن، المهزلة التي لم تستغرق أكثر من ربع ساعة، ودفع الشعب السوري ثمنها دمًا ودمارًا وتهجيرًا قسريًّا، فبات مبنى البرلمان حاوية مثل حاويات القمامة أمام بابه، لكن ما بداخلها غير صالح لإسكات الجوع وسد الرمق!

المصدر : الجزيرة مباشر