جنون أسعار حديد التسليح ومواد البناء.. وأزمة أهم قطاع للعمالة في مصر!

سعر طن حديد التسليح بلغ 40 ألف جنيه، زيادة هائلة، سعر قياسي، لم يحدث في تاريخ البناء في مصر، حتى أشهر قليلة لم يكن أشد الناس تشاؤمًا يتوقع وصوله إلى هذا الثمن الفلكي.

وكما تقول العبارة المتداولة: “الحبل على الجرار”، أي أن مبلغ 40 ألفًا ليس نهاية المطاف، ولا هو السقف النهائي لسعر الطن، فالسقف مفتوح بلا نهاية، والحدود لم يعد لها وجود، والانفلات السعري لا مثيل له، وفوضى الأسواق بلا ضابط أو رابط، وهي فوضى عشوائية، ليست منظمة، وحتى تنظيمها لن يأتي بنتيجة مفيدة ما دام الاقتصاد في أزمة.

هناك توحش في أسعار كل شيء، حتى قرص الفلافل، وضعف الجنيه واستمرار انخفاضه سبب رئيسي في هستيريا الأسعار وجنون الغلاء الذي لم تشهده البلاد في مختلف عصورها؛ من الملكية إلى الجمهورية، ومن عهد إلى آخر في الجمهورية، كما هو حاصل اليوم.

شيطان الأسعار

نستيقظ صباحًا لنقول يا ساتر من شيطان الأسعار اليوم، نسأل عن الزيادة، لم نعد نفكر في انخفاض سعر أي سلعة، ويبدو أن الحكومة مستسلمة أمام طوفان الغلاء، فلا وجود أو أثر لها، الصنّاع والتجار والمستوردون يحددون أسعار سلعهم ومنتجاتهم ويقودون الأسواق وفق حساباتهم هم، وفق سعر الدولار في السوق الموازية، وهي اسم التدليل للسوق السوداء.

السوق الخلفية للدولار والعملات الأجنبية منتعشة، لا أحد قادر على السيطرة عليها، لأن سوق الدولار الطبيعية أو الشرعية تواجه شح الأخضر، فالبنوك لا تبيعه لأنها لا تمتلك منه ما يكفي، ولهذا يلجأ كل صاحب تجارة أو صناعة، وكل من يريد مادة خاما أو مُصّنّعة، وكل من يتعامل في سوق البيع والشراء، إلى الأبواب الخلفية وتجار العملة للشراء منهم بالسعر الواقعي للقيمة الشرائية للجنيه، وهو سعر التداول في السوق التي يتوفر فيها الدولار، أو السوق التي يسيطر عليها من يعرفون كيف يدبرون العملات الأجنبية بطريقتهم من الداخل والخارج.

الدولار والجنيه الضعيف

أباطرة تجارة الدولار هم من يحددون سعر السلعة، وهم من يحركون شرايين الاقتصاد الموازي، وينتشلون المستورد والمنتج المحلي من الأزمة، ويدبرون له ما يريد من نقد أجنبي.

في أحد البنوك إذا طلب العميل مبلغًا بالدولار فإنه يحصل على 300 دولار فقط بشرط أن يأتي إلى البنك بجواز السفر، والتأشيرة، وتذكرة الطائرة، البنك يقدم مبلغًا لا يُذكر، لا يكفي لقضاء نهار ودفع أجرة فندق للمبيت في بلد السفر، وهكذا مختلف البنوك.

ماذا يفعل المسافر هنا؟ عليه بالسوق السوداء، السوق الفعالة التي تُنجز، لكن عليه أن يدفع سعرًا فوق 35 جنيهًا للدولار الواحد، بأزيد من 4 جنيهات عن سعره في البنوك، وهناك من يتحدث عن أن الدولار سيصل إلى 50 جنيهًا عما قريب، ربما قبل نهاية هذا العام، وهذا ليس مستبعدًا، هذا زمن يتحول فيه ما كان مستحيلًا أو شبه مستحيل، إلى ممكن وواقعي، والجنيه يزداد ضعفًا وهذا مؤلم جدًّا.

أسعار فلكية لمواد البناء

كيف تبني بيتًا وطن حديد التسليح يتراوح سعره بين 36500 و39700 جنيه، هذا السعر للطن كان يشتري بيتًا في سنوات غير بعيدة، وكان يشتري شقة بالقاهرة، وكان ثروة يحلم بها أي شخص، فماذا عندما تكون بحاجة إلى طنين من الحديد تضعهما في تأسيس بيت صغير المساحة، وأنت لم تبدأ بعد تسليح أعمدة الطابق الأول والسقف، أنت هنا بحاجة إلى ألوف الجنيهات حتى تقيم هيكلًا خرسانيًّا للمنزل، لم نقل تبنيه وتقوم بتشطيبه والسكن فيه لأن هذه حسبة أخرى تجعل العقل في ذهول.

طن الأسمنت بلغ 2200 جنيه، ومتر الرمل 110 جنيهات، ومتر الزلط 220 جنيهًا، والألف من الطوب المُخّرم الصغير الحجم 850 جنيهًا، وهذه أسعار خاصة شبه مُخفّضة.

إذا أردت بناء بيت فأنت بحاجة إلى موازنة ضخمة، تكلفة التأسيس والخرسانات والبناء وتقفيل الحوائط التي صارت فلكية اليوم، كانت يومًا ما تكفي لشراء بيت جاهز للسكن من عدة طوابق.

وإذا نجحت في التأسيس فإن التشطيب يكلف أضعاف ما أنفقته في البناء، فأسعار كل مستلزمات التشطيب زادت أضعافًا مضاعفة.

شبح توقف حركة البناء

حركة البناء لدى الأفراد تواجه شبح التوقف، وشركات التطوير العقاري تئنّ، فهي مضطرة لمواصلة تشييد مشروعاتها، وتواجه مصاعب في التسويق حيث ترفع أسعار الوحدات لازدياد أسعار المواد الخام؛ لهذا تقرأ وتسمع اليوم عن أسعار فلكية لشراء الوحدات السكنية الجديدة في كل المناطق بالقاهرة والمحافظات، وأسعار الوحدات القديمة أو الجاهزة التي يعرضها أصحابها للبيع تضاعفت وهي تزيد مع كل تعويم لسعر الجنيه.

مبلغ مليونين جنيه ثمنًا لشقة في مدينة نصر مثلاً أصبح مخجلًا، وهو لا يشتري شقة مئة متر في الرحاب، أو مدينتي، وتسعير الشقق الجاهزة دخل فيه الدولار، تقرأ عن البيع بالدولار، أو جزء من الثمن بالدولار والجزء الآخر بالجنيه.

انعكاسات هذا الانفلات خطيرة في قطاع البناء، لأنه يستوعب أكثر من مئة مهنة تعمل فيه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من العامل العادي إلى المكاتب الهندسية والمقاولين وعمال الخرسانة والبناء والمحارة والكهرباء والسباكة والنجارة والألوميتال وتركيب الأرضيات من سيراميك وبورسلين ورخام وخشب إلى الصناعات التي تمد المباني بكل متطلباتها من حفر وتجهيز الموقع إلى فرشه بالأثاث والسجاد والستائر ووسائل الزينة.

أكثر القطاعات التي تعاني حاليًّا هو قطاع المعمار، لذلك لا تستغرب عندما تجد نجارًا أو حداد بناء مسلح أو بنّاءً أو محّارًا أو نقّاشًا أو كهربائيًّا يترك مهنته التي تعملها على مدار سنوات، ويذهب للعمل على (توكتوك) بالنفر.

المصدر : الجزيرة مباشر