الباب الأخضر.. مصل السيطرة.. والمناضل السابق

فيلم الباب الأخضر

 

 

يدخل المناضلان الثوريان السجن بعد القبض عليهما من إحدى القرى التي يختبئان فيها، وفي السجن تتغير الملامح، يخرج أحدهما محسن الأنصاري وقد أصبح رئيسًا لتحرير جريدة من أكبر جرائد الدولة التي أسست عام 1970.

يرتبط محسن مع شبكة ومؤسسة مصرية تتعاون مع شركة أمريكية كبرى في عمل مصل السيطرة على الإنسان، أما جلال المناضل الثوري الثاني الذي آوى محسن في قريته، فقد تم تعذيبه في المعتقل وخرج منه شبحًا لإنسان، ولكنه لا يزال يحتفظ بنقائه ويحترم تاريخه النضالي.

هذا هو المحور الثاني في رائعة أسامة أنور عكاشة الجديدة القديمة الباب الأخضر، الفيلم السينمائي الذي قدمه مدير التصوير والمخرج السينمائي رؤوف عبد العزيز في أول تجربة سينمائية له بعد مسلسلات تليفزيونية عدة، وتجارب سينمائية كثيرة، ومدير تصوير عمل مع الكثير من مخرجي السينما منهم يوسف شاهين، سمير سيف، خالد يوسف، وقد أنتج المخرج الفيلم عام 2022.

عرض في مهرجان الإسكندرية السينمائي العام الماضي، وقد اكتشفت ابنة أسامة أنور عكاشة النص الذي يبدو أنه كتب في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وطلبه المخرج من وسط أعمال عدة ليقدمه سينمائيًا.

الهوية والسيطرة على البشر

لا تزال أعمال أسامة أنور عكاشة القديمة، وما يظهر له من مؤلفات بعد رحيله تبحث في قضية الهوية، وتبدأ أحداث الفيلم الجديد القديم من قرية مصرية بعيدة أطلق عليها اسم (كفر المنسي).

هذه القرية التي يختبئ فيها محسن الأنصاري متخفيًا باسم آخر (أحمد أبو اليزيد)، وفي كفر المنسي يتعرف إلى فتاة ريفية (عيشة)، فتاة تتميز بالبساطة والجمال والجدعنة، تعيش عيشة مع أمها بعد سفر شقيقها للخليج، وتتحمل مسؤولية الأسرة في غياب العائل.

يقع أحمد أبو اليزيد في غرام عيشة وتحمل منه، يجبره صديقه على كتابة عقد عرفي ويحتفظ به، ويقبض على الثنائي، ليخرج جلال مقيدًا تحت السيطرة، ومكافأ على بيع مبادئه وأصدقائه بالمنصب والثراء، ومشاركة الأمريكان في تجارب مصل السيطرة، فيتناسى عيشة وقيمه القديمة.

يشير الفيلم إلى خلفية محسن السياسية بإشارة الشال الفلسطيني، وكتب محمد حسنين هيكل، وهي خلفية جلال نفسها الذي يضحي بكل شيء ليحافظ على قيمه ومبادئه، لا يزال أسامة رغم رحيله يكشف المزيفين.

في رحاب الحسين

وفي قضية الهوية يلجأ أسامة المهموم دومًا بها إلى الباب الأخضر لمسجد الحسين بالقاهرة، والحي الشعبي الممتد الجذور، وسط هؤلاء تظهر عيشة لتحصل لابنها على شهادة ميلاده ووثيقة زواجها الرسمية من الصحفي الذي صار في مركز قوي، فلكي يعيش الإنسان لا بد له من اسم وهوية.

في رحاب مولد الحسين السنوي، ووسط زحام المشاهد والتواشيح وليالي المديح، وأنماط الاحتفال يبدع المصور والمخرج في لقطاته السينمائية، ودلالات واضحة في كل مشهد، للتعبير عن محور مهم في محاور هويتنا وهوية عيشة الفتاة القادمة من ريف مصر.

على الجانب الآخر صراع يقوده الأستاذ بكلية الطب شفيع مهني ضد عصابة حقن مصل السيطرة على المصريين، مصل اخترعته الشركة الأمريكية لتغيير هوية الإنسان، لينسى ماضيه ويتحول إلى شخص آخر، وكما يقول شفيع “عايزين ننسى أصلنا وقيمنا، ننسى مبادءنا، نبقى من غير أصل فيسيطروا علينا”.

هل كان أسامة أنور عكاشة يقرأ المستقبل؟ فبعض من هذه الأفكار ترددت في أزمة فيروس كوفيد 19، السيطرة على العقل البشري وتحويله إلى آلة فكرة تسيطر على عقول العلماء في الغرب وأمريكا.

إن حلم طمس الهوية العربية والإسلامية حلم غربي قديم ـ هل تتهمني بنظرية المؤامرة.. نعم آمن بهاـ.

مستشفى الأمراض العقلية

عندما اكتشف الأستاذ والطبيب الجامعي شفيع مؤامرة المصل بدأ الصراع مع المؤسسة الأمريكية ومعاونيها، فيتم التنكيل به، ويفصل من الجامعة، ويتم اختطاف ابنه منه وترحيله إلى الغرب، يقصى إلى مستشفى الأمراض العقلية طبيبًا فيها.

المستشفى هي معمل تجارب المصل على المصريين، يأخذون المتشردين والمرضي التائهين، ويتم عمل التجارب عليهم، عصابة يشارك فيها زوجة شفيع، أخو زوجته، مدير المستشفى الذي تم السيطرة عليه من قبل وقتلوا ابنه، والعديد من الأطباء وعلى رأسهم المندوب الأمريكي ورئيس التحرير محسن الأنصاري.

يقاوم شفيع المشروع، وتأتي عيشة إلى المستشفى بعد محاولة خطف ابنها، وهي لا تملك أي وسيلة لإثبات بنوته، فيقرر وكيل النيابة الكشف على قواها العقلية خاصة بعد ادعائها أن والد الطفل هو محسن الأنصاري (أحمد أبو اليزيد سابقًا).

يصدق الطبيب روايتها ويحاول إثبات نسب الطفل، بينما الأطباء يحاولون تجربة المصل عليها، ويستمر الصراع، محسن يرفض الاعتراف بالطفل، شفيع يبحث عن جلال الثوري ليحصل على وثيقة الزواج العرفي، ويضع ملف مؤسسة التجارب بين يد جلال ويأتمنه عليه لأنه الوحيد القادر على حمل الأمانة.

يذهب إلى محسن بوثيقة الزواج العرفي، محسن المسيطر عليه لا يستطيع أن يعترف، ويصبح على المؤسسة ورجالها ومحسن التخلص من شفيع بقتله، ويصبح ملف الهوية أمام الباب الأخضر لمسجد سيدنا الحسين، وملف المقاومة مع جلال المقاوم الذي لا يزال يحمل ثوريته ويناضل من أجل مبادئه.

فريق التمثيل

قبل الدخول إلى أداء الممثلين في الفيلم الذي قدّم أبطاله أداء تمثيليًا رائعًا، لا بد من الإشارة إلى أماكن التصوير خاصة مبنى مستشفى الأمراض العقلية، فقد اختار المؤلف والمخرج قصرًا من قصور مصر التاريخية -قصور أسرة محمد علي- يغلب على القصر الفخامة والثراء وأيضًا اللون الأخضر.

شقة الطبيب شقة عتيقة من شقق الأحياء الشعبية فيها حديقة، وطرازها المعماري يشبه الأبنية القديمة في أحياء القاهرة الإسماعيلية، يشكو جدرانها أيضًا اللون الأخضر، كلها إشارات مع الباب الأخضر للحسين ذات دلالة.

قدّم أياد نصار الأستاذ الجامعي في الفيلم واحدًا من أدواره التي لا تنسى في تاريخه، خالد الصاوي، كعادته يتألق في المساحات ويغير الصاوي جلده ونمط أدائه، وفي دور مدير مستشفى المجانين المهادن المطيع فقد تم السيطرة عليه. سهر الصايغ قدمت دور عيشة ببساطة وسلاسة. تألق أيضًا محمود عبد المغني، أحمد فؤاد سليم، حمزة العيلي، وسماء إبراهيم في شخصية بنت الحسين ومجاورته التي تقف مع عيشة باحثة عن الهوية أو شهادة ميلاد الطفل ووثيقة الزواج.

“ما زلنا في انتظار شهادة الميلاد.. فلكي يعيش الإنسان لا بد أن يكون له اسم.. هوية.. فإلى متى ننتظر عند الباب الأخضر؟”.

المصدر : الجزيرة مباشر