أمريكا وتأجيج الحرب في أوكرانيا.. عام ثانٍ من صراع قد يطول

مخلفات الحرب

تدخل الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، ويبدو أن فرص الحل السلمي أصبحت أبعد من أي وقت مضى، هكذا تشير المعطيات على الأرض لأكبر حرب تقليدية خلال العقود الماضية منذ الحرب الكورية.

لقد مثلت الحرب في أوكرانيا علامة فارقة ونقطة تحول في المشهد الدولي، وضربت الاقتصاد العالمي، وخلفت أزمات في الغذاء والطاقة تزداد قسوتها مع استمرار التصعيد.

تمديد الحرب

الحرب في أوكرانيا حرب بالوكالة، وراءها أيديولوجيات ومصالح، ولدى الكثيرين اقتناع بأن الولايات المتحدة الأمريكية دفعت روسيا دفعا نحو هذه الحرب؛ عبر التحرش بفنائها الاستراتيجي، رغم كل التحذيرات من الإقدام على ذلك.

تحت مظلة الهيمنة الأمريكية الغربية، وأحادية قطبية تتشبث بالبقاء، تتأجّج نيرانُ الحرب في أوكرانيا، ويعيش العالم على صفيح يزداد سخونة من يوم لآخر، وتزداد الصورة قتامة، في ظل حسابات وتشابكات مصالح أطراف مختلفة من الفاعلين دوليا وإقليميا.

منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، وحتى دخولها العام الثاني، يظل السؤال الملح هو: هل من طريقة لخروج العالم من هذا الكابوس؟

ومع كل محاولة للتفاوض لوقف الحرب في أوكرانيا تقف الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا حجر عثرة في طريق الحل، ولا تأبه بتجنيب العالم تداعياتها الكارثية، رغم أن حل الأزمة الأوكرانية الروسية كما يرى كثيرون في أيدي الولايات المتحدة.

تصعّد واشنطن الحرب في أوكرانيا، وتقود الناتو إلى تضخيم التوتر، وتتحدث بمنطق القوة نيابة عن كييف، وآلتها الإعلامية تطغى على أصوات جميع الأطراف في الحرب، ويبدو واضحا أنها لو أرادت التهدئة لفعلت، ولكن هناك حسابات أخرى.

في تصريحات له كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نيفتالي بينت، أن دولا غربية رفضت مساعيه للتفاوض بين روسيا وأوكرانيا، وأن واشنطن اعترضت عليه ومنعته من لك؛ وهو ما أدى إلى انسحاب أوكرانيا من المفاوضات مع روسيا.

وينضم إلى ما كشفه نيفتالي بينت، ما سبق أن أعلنه سريجي لافروف وزير الخارجية الروسي في مؤتمر صحافي عام 2022، من أن الغرب يمنع أوكرانيا من التفاوض مع روسيا.

المستفيدون من استمرار الحرب

انطلاقا من أسباب سياسية وأخلاقية، روجت الولايات المتحدة لقرارها بمساعدة أوكرانيا على الحرب ضد روسيا. ومع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثاني، وتغذية أمريكا لاستمرارها؛ فإن هناك اعتبارات عديدة تقف وراء إطالة أمدها.

تتنوع الأهداف الأمريكية من إطالة أمد الحرب في أوكرانيا بين إضعاف روسيا، وفك الارتباط الأوربي بها في مجال الطاقة، والحلول محلها في التوريد الرئيسي للطاقة، وتوحيد الحلفاء الأوربيين تحت المظلة الأمريكية، والقضاء على محاولات الخروج من الهيمنة الاستراتيجية الأمريكية، ورفض التسليم بهزيمة أوكرانيا، ودعاوى الدفاع عن القيم الغربية، وتوسيع قاعدة التصنيع العسكري الأمريكي.

ومع انسداد أفق الحل الدبلوماسي، والوصول إلى طريق مسدود لوقف الحرب في أوكرانيا؛ يظل المستفيد الأكبر هو الصناعة العسكرية الأمريكية.

لقد أنعشت الحرب في أوكرانيا خزائن الشركات الصناعية العسكرية، خاصة في الدول الداعمة لكييف، ويعد المستفيد الأكبر شركات تصنيع السلاح الأمريكية، التي تسيطر على قرابة 39% من تجارة السلاح في العالم.

ضغوط شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية

على مدار عقود لم تكن السياسة الخارجية الأمريكية حرة؛ بل كانت أسيرة ضغوط شركات صناعة الأسلحة، التي تمثل اليد الخفية التي تقف خلف تشكيل سياسة أمريكا الخارجية والحروب التي تخوضها. وبضغوط لوبي صناعة السلاح تورطت أمريكا في العديد من الصراعات والحروب، ومنها الحرب في فيتنام، والحرب في العراق، وفي أفغانستان.

ومن الجدير بالذكر أن شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية كانت وراء الدعوة إلى توسيع حلف الناتو؛ رغم تحذير مسؤولين كبار من صناع السياسة الأمريكية من أن ذلك سيمثل استفزازا كبيرا لروسيا.

وقد نظرت شركات صناعة السلاح في أمريكا إلى توسع الناتو على أنه فرصة لفتح سوق جديد يعوض تقلص الطلب على منتجاتها. وقد استطاعت تلك الشركات أن تحقق أرباحا ضخمة بالفعل، بعد انضمام المجر وجمهورية التشيك وبولندا، أضف إلى ذلك أنه بانضمام فنلندا والسويد ستزداد تلك الأرباح؛ في ظل التزام دول الحلف بالتوافق مع منظومة التسليح بالحلف، التي تعتمد على أنظمة الدفاع الأمريكية، علما بأن نحو 60% من قدرات أوربا العسكرية من خارج الاتحاد الأوربي.

 

بين كلمة بايدن وخطاب بوتن

في كلمته التي ألقاها من العاصمة البولندية وارسو قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن موسكو لن تنتصر في حربها على أوكرانيا، وجدد التأكيد على دعم واشنطن وحلفائها لكييف.

وعلى الجانب الآخر، وفي اليوم التالي لخطاب بايدن في وارسو، جاء خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية الفدرالية الروسية، وكان أقرب إلى خطاب حرب؛ حيث طالب بوتين مواطنيه بالتعايش مع الحرب، والحصار الغربي، وأعلن تعليق معاهدة ستارت؛ مما يعني العودة إلى السباق النووي، كما أكد أن روسيا تواجه خطرا وجوديا ويستحيل أن تُهزم.

وبين كلمة بايدن في وارسو، وخطاب بوتين في موسكو، يبدو واضحا أن الحرب تدور رحاها بين أمريكا ومعها حلفاؤها الأوربيون من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وما أوكرانيا إلا مجرد وكيل مجبر وساحة نزال فرضتها الجغرافيا.

ختاما

تكثف أمريكا والغرب الدعم لأوكرانيا، رغبة في إطالة أمد الحرب. وتدرك دوائر صنع القرار أن موازين القوى تميل لصالح موسكو، وأن زيادة الدعم لأوكرانيا، وإرسال أسلحة هجومية، ورفع مستوى التسليح ونوعيته، لن يمكن كييف من تحقيق الانتصار؛ ولكنه يطيل أمد الحرب إلى أبعد مدى ممكن؛ بغية استنزاف القدرات الروسية بأكبر قدر من الخسائر.

في العام الثاني للحرب الأوكرانية يبدو أن العالم أمام صراع قد يطول؛ فالحرب قد تستمر لعام قادم وفقا للتقديرات الغربية. ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تأبه بأي مبادرات لتسوية الصراع، ولا يعنيها مستقبل أوكرانيا، بقدر ما يعنيها تحقيق أهدافها واستراتيجيتها. ورغم أن المسارات التي يمكن أن تنتهي إليها الحرب في أوكرانيا لم تتضح بعد؛ فإن المؤكد هو أن ما بعد هذه الحرب لن يكون أبدا كما كان قبلها.

المصدر : الجزيرة مباشر