ثورة تشتكي إلى الله تناحر أبنائها

ميدان التحرير

 

يأتي شهر فبراير شاهدًا على أحداث الربيع العربي ونتائجه وتداعياته، وهو ما حصل بعدد من الدول العربية منذ 12 عامًا كما هو الحال في مصر، وهو الشهر الذي شهد تنازل مبارك عن السلطة للمجلس العسكري، وهنا فرح الثوار بذلك وتركوا الميدان كما فعل الرماة في غزوة أحد، بحثًا عن الغنائم وهنا كانت الكارثة.

في كتابه “تحليل الثورات ” يتناول الكاتب الأمريكي كرين برنتون ما أسماه “الثرميدور” ويقصد به فترة النقاهة من حمى الثورة، بحسب الكاتب، حيث تم تداول هذا المصطلح عقب ما شهدته الثورة الفرنسية، التي لم تكد تتعافى من مؤامرة حتى يتم الانقلاب عليها من جديد على مدار قرابة 90 عامًا، ولكن انتصرت الثورة في النهاية بسبب إرادة أبنائها وإصرارهم.

ويوضح برنتون المقصود بهذا المصطلح: عهد الثرميدور، بقوله: إذن ليس له بأي حال من الأحوال شيئًا فريدًا قاصرًا على الثورة الفرنسية التي منها يستمد اسمه، فقد وجدنا في مجتمعاتنا الثلاثة كلها التي خضعت للدولة الثورية”.

وإجمالًا لما ساقه أن الثورات تتعرض لمراحل ضعف سواء على يد أبنائها أو خصومها، وتحتاج فيها إلى فترة نقاهة واستعادة نفسها.

ثورة يناير وغزوة أحد

وللأسف فإن ما تعرضت له ثورة يناير من الضعف والفشل لم يكن فقط على يد أعدائها بالداخل والخارج، ولكن كان أيضًا على يد أبنائها، إلى الدرجة التي يمكن القول معها “إنها الثورة التي أكلها أبناؤها”، وليس العكس أن الثورة أكلت أبناءها طبقًا للمقولة الشهيرة إبان الثورة الفرنسية، وقيل إنها نُسبت إلى الثائر جورج دانون، الذي أعدمته الثورة بتهمة العمل على إعادة الملكية، وهناك قول آخر إن قائلها الكاتب والشاعر الألماني جورج بوشنه (ت1837)، وورد ذلك في مسرحيته «موت دانتون».

وبصرف النظر عن مصدر المقولة، فإنه يمكننا القول إن ما جرى لثورة يناير هو العكس حيث أكل الأبناء ثورتهم وكأنهم يكررون ما جرى في غزوة أحد، ولم نأخذ العبرة والدرس منها عندما جلبت الغنائم الهزيمة بعد النصر، وهو ما جرى مع يناير.

وفي هذا السياق يمكننا نرصد مواقف عدة بدأت بالموقف من الدستور، وبدلًا من التوافق على دستور كامل، للأسف حدث الانقسام بمؤامرة غريبة التعديلات، وفتنة قادها من لم يشاركوا في الثورة، بل حرّموا الخروج على الحاكم، ووصفوا أحداث يناير بالفتنة، وأنا شاهد على أحد خطبائهم الذي كان يخطب الجمعة ويناشد الناس عدم الذهاب إلى التحرير، وتبين أن وراء هذه الفتنة هم السلفيون، بحجة الحفاظ على المادة الثانية، وللأسف انجر إليهم الإخوان لأسباب أو أخرى.

التشبث بالسلطة على حساب الثورة

أما المنعطف الثاني وهو الأخطر كان إبان الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢، حيث جرت محاولات حثيثة للتقريب بين اثنين ممن خاضوا الانتخابات، أن يتنازل أحدهما للآخر على أن يخوض أحدهما الانتخابات، وتحشد أصوات الاثنين، وتكون هناك تفاهمات جوهرها أن يكون المرشح الآخر نائبًا للرئيس أو رئيس الحكومة، ولكن كلًا منهما تمسك بالترشح على منصب الرئيس، وهذا نقلًا عن السفير إبراهيم يسرى -رحمه الله- في حوار صحفي معه في منزله مؤكدًا لي على إحساسه بالمرارة وقتها من شهوة السلطة والتشبث بها التي تسببت في فشل الثورة.

وجرت جهود حثيثة بالفعل في هذا التوقيت لتحقيق هذا التوافق، وكنت قد قمت بعمل تحقيق موسع لإحدى الصحف العربية حول هذا التوافق، وكان أطرافه ممن يقودون هذه الجهود، ولكن الاثنين رفضا التنازل معًا.

أما الملمح الثالث الذي أسهم فيه أبناء يناير في فشلها، وكان خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي -رحمه الله-، والارتباك الشديد خلال هذه الفترة وما شابها من مؤامرة من الثورة المضادة والدولة العميقة ومعروفة للجميع، لكن على الجانب الآخر كان هناك سوء أداء شديد الخطورة ومحاولة انفراد من فصيل بالسلطة، صحيح لم يتم، ولكن كانت هناك محاولات في اتجاهه، لكن الأخطر هو السذاجة والفشل في الأداء والثقة العمياء في مؤسسات كانت تتآمر عليهم طوال الوقت، ولكن لم يتم تدارك ذلك وجرى ما جرى.

الانقلاب على الثوابت

الملمح الأخير الذي كان المسمار الأخير في نعش الثورة هو موقف التيار المدني من الرئيس المدني المنتخب، والانقلاب على ثوابت هذا التيار قبل الانقلاب على رئيس منتخب، لأن هذا التيار لا يؤمن سوى بالحكم المدني بديلًا حسب شعاره الذي كان يردده طوال الوقت، ولكن حدث انقلاب أخطر مما جرى لاحقًا على الثورة، وهو الانقلاب على الثوابت طمعًا في السلطة أو تقاسمها على الأقل، ولكنه تم تقاسم السجن والتشريد والنفي مع التيار الذي تم الانقلاب عليه، وكانت الثورة هي ضحية أبنائها قبل أي مؤسسة أو أطراف أخرى خططت لذلك، لتتأكد هذه المرة مقولة إن الأبناء هم من أكلوا ثورتهم وليس العكس.

نقطة أخيرة أود الإشارة إليها في هذا المقال، أن ما سقته سابقًا لا يبرر أبدًا لما جرى من مؤامرة داخلية وإقليمية إن لم تكن دولية على ثورة يناير، ولكن لو كان هناك تماسك ثوري حقيقي ونكران للذات وتجاوز للحزبية والأيديولوجية والدوافع الشخصية، لما استطاعت أي جهة تنفيذ ما تريد، ولعل ما حدث في بداية الثورة من تزلف وتقرب للمؤسسات منها، ورعب الدولة العميقة يؤكد ذلك، إذن ما سقناه هنا هو محاولة لمراجعة الذات والبحث عن أسباب السقوط، حتى يمكن بلوغ أسباب النجاح.

 

المصدر : الجزيرة مباشر