صدق.. أو لا تصدق

الصحفي الأمريكي سيمور هيرش (رويترز)

 

 

 

(1)  إنهم يتلاعبون بعقولنا

ثلاثة أخبار نشرت هذا الأسبوع، ينطبق عليها عنوان: “صدق أو لا تصدق”، يقف أمامها القارئ عاجزًا عن معرفة الحقيقة، ولا يسعه إلا أن يفكر كيف يتم التلاعب بعقولنا؟ فلا ننتبه لمحاولات التضليل التي نتعرض لها على مدار الساعة، وتجعلنا نقف في مربع الشك لا نعرف على وجه الدقة الحقيقة من الزيف في الكم الهائل من التصريحات والمعلومات التي تنهال علينا من كل حدب وصوب.

(2) أخبار للتأجير

الصدفة وحدها فضحت المذيع المعروف رشيد مباركي (54 عامًا) الذي يعمل في قناة “بي إف إم” القناة الإخبارية الأولى في فرنسا، فقد كشف تحقيق أجرته وحدة التحقيق الاستقصائي في راديو فرنسا بمشاركة منظمة قصص ممنوعة أنّ “بي إف إم تي في” تبث معلومات قدمتها وكالة تضليل إسرائيلية يديرها أفراد سابقون في الجيش والمخابرات. قام رشيد مباركي، ببث معلومات متحيزة على الهواء في فترة عمله الليلية عن الأوليجارشيا الروسية، قطر، السودان، الكاميرون وغيرها، هذه التقارير الإخبارية قدمت نيابة عن عملاء أجانب، وتم بثها دون التحقق من صحتها، شارك في التحقيق ما يقرب من 100 صحفي، بينهم صحفيون من صحف إسرائيلية، تواصلوا مع هذه الوكالة وهي مجموعة تدعي “فريق خورخي”، يديرها ضابط سابق في القوات الخاصة الإسرائيلية، اسمه الحقيقي تال هانان، وكشف التحقيق أن هذا الفريق واحد من لاعبين عدة في عالم متنام من مرتزقة المعلومات المضللة، يستخدمون الإنترنت للإضرار بسمعة أشخاص أو دول، والتأثير في الانتخابات مقابل أموال.

وخُلص التحقيق إلى أن بعض الحملات قد تمت بتكليف من حكومات، لكن معظمها يتم بناء على مصالح خاصة. أبلغ أحد القائمين على هذا التحقيق مدير القناة الفرنسية بتورط مباركي، فتم إيقافه عن العمل في يناير الماضي، وتم التحقيق معه فيما نسب إليه.

هذا الخبر المؤسف يضعنا أمام حقيقة ساطعة أنه يتم التلاعب بعقولنا عن طريق أخبار مضللة تبثها قنوات إعلامية واسعة الانتشار وذات مصداقية، وأن هناك أعدادًا من الإعلاميين المرموقين مجندين في الخفاء للقيام بهذا الدور التضليلي الذي أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي في سرعة انتشاره على أوسع نطاق، وهو ما يستدعي منا الانتباه وتحليل كل ما نشاهده ونسمعه.

(3) زلازل بفعل فاعل

أذهل “سردار حسين يلدريم “، رئيس وكالة الفضاء التركية، الجموع حين ظهر على الهواء في قناة تلفزيونية تركية محلية، ليصرح بأن الزلازل المدمرة يمكن أن تحدث بشكل مصطنع.

ووفقًا له، يمكن إرسال قضبان التيتانيوم الكبيرة إلى الأرض من الأقمار الصناعية هذه القضبان تكون بطول 10 أمتار تطلق من الفضاء على أي هدف، حيث تخترق الأرض بعمق 5 كيلومترات مسببة زلزالًا بقوة 7.8 ريختر.

وأوضح: “لا أحد يستطيع فعل أي شيء إذا تم استخدام هذا السلاح، اسمحوا لي أن أقدم لكم مثالًا، أقول هذا لأنني رأيت كيف يتم تطوير نظام الأسلحة هذا. إنه بسيط جدًا. لا بد أنك شاهدت أعمدة الكهرباء في الشوارع، يشبه هذا السلاح في المظهر هذه الأعمدة، ويبلغ ارتفاعه ما يقرب من ثمانية إلى عشرة أمتار، إنه عبارة عن قضبان معدنية، لا يوجد شيء داخل القضيب، لا متفجرات، لا شيء، لكنه قضيب من سبائك التيتانيوم يطلق من القمر الصناعي نحو الأرض إلى هدف معين والنتيجة تدمير كل شيء في منطقة الإسقاط، لا توجد أسلحة هنا، ولا متفجرات، ولا قنابل ولا شيء من هذا القبيل عصا بسيطة. لكن لا أحد لديه فرصة لاكتشاف هذه الضربة أو صدها أو الدفاع عن نفسه”.

رئيس وكالة الفضاء التركية كان يقصد بحديثه برنامج هارب الذي تطوله الاتهامات، ومعناه: الشفق النشط العالي التردد، واختصاره HAARP، وهو مشروع مشترك بين سلاح الجو الأمريكي، القوات البحرية ووكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية ومقره ألاسكا. ينفي علماء المشروع هذه الشائعات ويؤكدون أن البرنامج غرضه تحليل الغلاف الأيوني والبحث في إمكانية تطوير تكنولوجيا المجال الأيوني وتعزيزه لأغراض الاتصالات اللاسلكية والمراقبة أما ما يروج عن قدرته على التحكم في الطقس والزلازل وإذابة الجليد وأمواج المحيط، والتلاعب بمجالات طاقة الأرض، والتحكم في الدماغ البشري.. إلخ، فكلها محض خيال.

بين الاتهام والنفي، يقف المتابع عاجزًا عن معرفة الحقيقة ومن يصدق ومن يكذب؟ وخاصة أن عالمنا ليس له قواعد أخلاقية تحكم الصراع والتنافس بين الدول العظمى، وتقوم بعضها بعمليات إرهابية يدينها المجتمع الدولي في العلن ويتواطأ معها في الخفاء.

(4) تفجير نورد ستريم

هذا الأسبوع نشر الصحفي الاستقصائي الأمريكي المعروف سيمور هيرش، الحائز على جائزة بوليتزر، تقريرًا مذهلًا، يؤكد فيه أن بلاده مسؤولة عن تفجير خطي أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 1 و2” ببحر البلطيق في سبتمبر الماضي، وأن التفجير يأتي ضمن عملية سرية أمر بها البيت الأبيض، ونفذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” بمساعدة دولة أوربية، وزعم هيرش في تقريره أن غواصين في البحرية الأمريكية زرعوا في يونيو الماضي متفجرات على خط الأنابيب الذي يمتد بين روسيا وألمانيا تحت مياه بحر البلطيق، بمساعدة من النرويج، ليقوموا بتفجيرها بعد ثلاثة أشهر، وكانت روسيا قد اتهمت حينها أمريكا وبريطانيا بضلوعهما في التفجير ولم ينصت لها أحد بل اتهمتها دول أوربية بالأمر ذاته.

بعد نشر تقرير هيرش الذي تداوله الإعلام حول العالم، نفى البيت الأبيض هذه التهمة جملة وتفصيلًا، لكن روسيا طالبت الأمم المتحدة بتحقيق محايد لتحديد المسؤول عن هذا العمل الإرهابي على حد وصفها. مرّ عام على الحرب الروسية الأوكرانية وما زال العالم يقف على أطراف أصابعه في انتظار القادم، والهلع يكاد يخلع القلوب من عواقب أفعال ينطبق عليها عنوان “صدق أو لا تصدق”.

 

المصدر : الجزيرة مباشر