الزواج والسفن الغارقة

 

لا أحد يقود سفينة وهو “يرغب” بإغراقها وفقدانها، ولا تغرق سفينة بلا أسباب كان يمكن تجنبها، ولا تغرق فجأة، فهناك مقدمات وعلامات من “يتجاهلها” يتسبب بالغرق لنفسه ولمن يشاركونه السفينة.

لا أحد يتزوج وهو “يخطط” لإفشال الزواج بالطلاق أو باستمراره مع تعاسة ونكد، ولا يفشل زواج إلا بأسباب “كان” يمكن تجنبها أو تقليلها ومنع الخسائر.

نبدأ بعدم التأكد من صلاحية السفينة وجهوزيتها قبل الإقلاع، وربما هذا هو “أهم” سبب لانتهاء الزواج، فلا يستعد الطرفان أو أحدهما للزواج وتحمل مسؤوليته ويتوهم أنه متعة خالصة بلا شوائب ولا شيء بالكون كله كذلك، أو يركز طوال الوقت على ما يرغب به وعلى حقوقه ويتناسى واجباته نحو شريكه بالزواج.

يبدأ الاستعداد الجيد بالتأكد من حسن اختيار شريك الحياة والكلام للجنسين والرضا “بصدق” عنه وتقبل عيوبه والتخطيط ليس لتغييره، فهذا غير واقعي، ولكن للتعامل معها بذكاء وبلا مضايقات “للنفس” ولا له، لتقليل ضررها -ما استطاع بالطبع- وبلا تذمر وتذكير النفس “بمزاياه” التي اختار الزواج منه بسببها وأن لا أحد كامل فنحن بشر ولسنا ملائكة.

فقدان البوصلة

تغرق السفن لعدم تحديد الطريق جيدًا “فتتوه” في البحار والمحيطات وتفقد “البوصلة” فتمشي طويلًا بلا هدف فينتهي الوقود قبل الوصول للبر، ويحدث ذلك في الزواج الذي “لا” يتفق طرفاه على أهم الأمور الحياتية قبل الخطبة وبعدها وقبل الزواج لتقليل الخلافات التي لا يخلو منها أي زواج ولمنع الشعور بالصدمة وربما “بالخداع” من الطرف الآخر وحتى لا يتبادلان الاتهامات وأحيانًا الإساءات ويقضيان تدريجيًا على الطرق التي يمكن أن “تجمعهما” ويفقدان البوصلة وتغرق سفينة زواجهما.

يجب الاتفاق على الأمور المهمة قبل الإبحار بالزواج مثل عمل الزوجة بعد الزواج والأمور المادية والتعامل بود واحترام مع أهل شريك الحياة والأساسيات في تربية الأبناء وكيفية حل المشاكل بينهما بلا تدخل للأهل أو الأصدقاء، وقلنا “اتفاق” ولم نقل فرض شروط، فذلك مرفوض جدًا من الطرفين، فلغة الشروط تتناقض مع لغة الحب والمودة والرحمة والاحترام ويشكلون قواعد لا ينجح أي زواج عند اختفاء أحدها.

ترطيب الحياة

الاتفاق يعني “تبادل” المرونة وليس التنازلات، فالأولى تهدي شعورًا “لطيفًا” بالمحبة وترطب الحياة والثانية تعطي الإحساس بالإجبار وبالتضحية وتجعل من يفعلها “ينتظر” الكثير من الطرف الآخر “مقابل” لها ويتوقع أن يتجاوز عن أخطائه أيضًا، ولا يحدث ذلك ليس لسوء شريكه بالزواج ولكن لأن النفس “تكره” المن والابتزاز أيضًا بعد التنازل.

نفضل المرونة فمن يتزوج فتاة أقل جمالًا مما يحلم يجب ألا يرى ذلك تنازلًا بل مرونة “ذكية” لأنه رتب أولوياته جيدًا ووجد فيها أهم مواصفاته “وتراجع” الجمال، ومن تتزوج رجلًا لا يحقق طموحاتها المادية يجب أن ترى اختيارها ذكاء وليس تنازلًا، فالمال -رغم أهميته- لكنه وحده لا يضمن نجاح الزواج والأهم الشخصية والشعور بالأمان النفسي والعاطفي معه.

تجاهل الخرائط وعدم الاستعداد “الجيد” للرياح الشديدة والمفاجئة وتجاهل اختلال الدفة وفقدان السيطرة يعجل كل ذلك من غرق السفينة، فكما قيل عن حق: “الإنسان المفاجأ نصف مهزوم”؛ حيث يرتبك وتنفلت منه القدرة على التماسك وأحيانًا الأسوأ وهو الثقة بقدراته، وتكتمل الهزيمة عند “اختيار” تجاهل اختلال الدفة فيسهل الانهيار التام والغرق ويصعب النجاة.

يحدث ذلك في الزواج عندما لا يتوقع الزوجان أو أحدهما حتمية وجود مشاكل زوجية، فالحياة لن تكون وردية فينهار أمام الاختلافات “ويفسرها” بفشل الزواج، والأسوأ ألا يفعل شيئًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والمسارعة باحتكار الرثاء للنفس والبكاء على سوء حظه والحكي للجميع بدءًا من الأهل ومرورًا بالأصدقاء انتهاء بوسائل التواصل الاجتماعي، وكأنه “يسد” أمام نفسه كل فرص النجاة.

الأفضل اختيار الهدوء أو “تمثيله” ومنع تصعيد الخلافات أو قول الكلمات المؤلمة ومنح النفس الفرصة للتفكير “بتعقل”، وبعيدًا عن الانفعال الزائد أو الرغبة في الانتصار على شريك الحياة، ففي الخلافات الزوجية عندما يفكر أحد الزوجين في الانتصار فهذا بداية للهزيمة بالطلاق أو بالطلاق العاطفي.

من أسباب غرق السفينة وجود أكثر من قائد فيتنازعان ويتحكم “الغضب” والرغبة في السيطرة وتختل الدفة، أو تجاهل آراء مساعد القبطان “لتعنت” القبطان، وفي الزواج يتم استدعاء الفشل الزوجي بمحاولة حواء “سلب” الزوج قيادة الأسرة وأيضا بعدم احترام الزوج لمقترحاتها، ومن الذكاء التعامل بلطف واختيار الوقت المناسب للمناقشات وتجنب الحدة أو الكلمات المستفزة التي تحولها “لمعركة” مثل: أنت دائمًا لا تستمع إلي، أنت دائمًا لا تفهمين ما أقوله، والأسوأ الإساءة اللفظية للطرف الآخر والسخرية منه أو من أهله وتعدي الخطوط “الحمراء” فالاحترام المتبادل “أكسجين” الزواج.

يتسبب “إهمال” عدم إصلاح الثغرات بالسفن أولًا بأول باتساعها “وسهولة” تسرب المياه إليها وإغراقها، وكذلك تجاهل “الجفوة” العاطفية وقلة التفاهم وتعمد الابتعاد وتقليل الحوار بين الزوجين “منعًا” للمشاكل أو إنكار وجودها لن يجعلها تختفي وستكبر ويصعب السيطرة عليها ولا مجال للحديث عن الطرف الذي يجب أن يبدأ بإنقاذ الزواج؛ فالأذكى هو من يسارع بذلك حماية لنفسه من الفشل وهذا أفضل من تبادل الاتهامات الذي يضيع الطاقات الصواب المسارعة بالإصلاح والهدوء قبل العتاب.

تعد الحمولة الزائدة من أسباب غرق السفن، وكذلك تحميل النفس أو شريك الحياة ما يفوق الطاقات.

عدم الاهتمام بمعايير الأمان يُغرق السفن، وغياب الشعور بالأمان يُنهيه ولو استمر “ظاهريًا” ويتلخص الأمان بالزواج بالاحتضان النفسي قبل العاطفي المتبادل، والثقة والحرص على التفاهم ومنع تصعيد الخلافات وتحويلها إلى صراعات والتخلص أولًا بأول من الذكريات السيئة وزيادة الرصيد العاطفي الجميل ومنع تآكله فكل ذلك يحمي الزواج من العواصف ومن توابع الأزمات ومن أي محاولات “الغزو” الخارجي لأحد الزوجين والعكس صحيح.

المصدر : الجزيرة مباشر