زلازل الطبيعة وبراكين البشر..

من آثار الزلزال في الشمال السوري

 

(1) السياسة حاضرة في قلب الكارثة

الزلازل من الكوارث الطبيعية التي يصعب التنبؤ بها حتى الآن، ولذا تكون الخسائر البشرية والمادية فادحة، وقد كان الشمال السوري والجنوب التركي على موعد فجر السادس من فبراير/ شباط الحالي مع زلزال بقوة 7.7 درجات بمقياس ريختر استمر مدة دقيقة واحدة، لكن هذه الدقيقة تعد زمنا طويلا جدا بالنسبة للهزات الأرضية وتكفي لأحداث الدمار الهائل الذي شاهدناه. ولقد أدى هذا الزلزال إلى انهيار عدد كبير من المنازل فوق ساكنيها، وكانت النتيجة المؤلمة: مقتل ما يصل إلى 41 ألف شخص، وإصابة عشرات الآلاف من الأشخاص الذين تركهم الزلزال فوق ركام المباني والطرق بائسين بعد فقدان الأهل والمسكن، يعانون البرد القارس، مع عدم توافر الكساء والغذاء والإسعافات الضرورية.

رغم أن الزلزال لم يفرق بين الأرض التركية والسورية، فإن السياسة فرقت بينهما، تركيا المستقرة سياسيا الموحدة تحت قيادة أردوغان كان الوضع فيها أقل بؤسًا من سوريا، لأن المناطق المنكوبة خارج سلطة وإشراف الرئيس بشار الأسد، وهو ما عطل وصول المساعدات وجعل السوريين يشعرون بأن العالم خذلهم في وقت انهمرت فيه المساعدات الدولية على الجانب التركي، مما دفع محتجين في الشمال الغربي السوري إلى رفع لافتات كُتب عليها: “سقوط الأمم المتحدة أخلاقيا في سوريا”، و”لا ترسلوا لنا مساعداتكم عبر نظام الأسد الذي يسرقها”. ما يمر به الشعب السوري الشقيق يؤكد أن الشعوب هي التي تدفع دومًا ثمن خطايا حكامها.

(2) الذين هبطوا من السماء

على الجانب الآخر من الأطلسي انشغلت أمريكا بالأجسام المحلقة في سماواتها وعلى مقربة منها، يوم 4 فبراير أسقطت المنطاد الصيني قرب سواحل ولاية ساوث كارولينا، بعدما حلق عدة أيام فوق الأراضي الأمريكية، وأيام 10 و11 و12 فبراير أسقطت ثلاثة أجسام غريبة بولاية ألاسكا وشمال غرب كندا وولاية ميشيغان. اتهم البيت الأبيض المنطاد الصيني بالتجسس، وهو ما نفته بيجين. وبالنسبة للأجسام الثلاثة الأخرى فلم يصدر تصريح واضح بشأنها يطمئن الأمريكيين والمتابعين في العالم، وخاصة بعد ما قاله الجنرال الأمريكي “غلين فانهيرك” قائد منطقة أمريكا الشمالية ردًّا على سؤال عن الكائنات الفضائية: “سأترك الإيضاح للاستخبارات، ولا أستبعد أي سيناريو”، أما السيناتور الديمقراطي “جون تستر” فلقد علق قائلا: “ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين لا يمكن وصفه بأقل من الجنون، والجيش بحاجة للبحث عن خطة، لا تهدف فقط لمعرفة ما يجري، بل أيضا مجابهة المخاطر”. المخاوف التي يتحدث عنها القادة العسكريون والساسة الأمريكيون تشعرك بأن هناك بركانا على وشك الاندلاع، في حال حدوث صدام عسكري بين أمريكا والصين يتوقع الجميع أنه قادم لا محالة مع زيادة وتيرة التصريحات العدائية المتبادلة بين واشنطن وبكين، وإذا حدث ذلك فسيكون تأثيره مدمرا للعالم بصورة أسوأ من حرب أوكرانيا.

(3) مطحنة اللحم في أوكرانيا

الفرق بين الزلزال والبركان، أن الأخير له مؤشرات عديدة يمكن الاستدلال بها على قرب حدوثه، وعليه فإنه يمكن التقليل من الخسائر الناتجة عنه، الغرب تعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية على اعتبار أنها بركان كانت هناك مؤشرات لحدوثه، لكن التفكير الغربي انصب على التقليل من الخسائر الجيوسياسية الناتجة عنه وليس على منع حدوثه، وكأن هذه الحرب قدر محتوم لا يمكن إيقافه، رغم ما نال شعوب العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا من نتائجها المريرة التي أثرت في حياتهم اليومية.

القادة الروس لا يفكرون إلا في شيء واحد هو تحقيق النصر بأي طريقة، مما دفعهم إلى الاستعانة بمجموعة فاغنر في الحرب الشرسة الدائرة في مدينة باخموت، هدف القوات الروسية والأوكرانية: السيطرة على المدينة الصناعية الهامة التابعة لإقليم دونيتسك الانفصالي الذي ضمته روسيا. المكتب الإعلامي لمجموعة فاغنر كتب على تلغرام رسالة صدمتني نفسيا جاء فيها: “لن يتم الاستيلاء على باخموت غدًا، لأن هناك مقاومة قوية، وقصفًا مستمرًّا… مطحنة اللحم تعمل”، وهذه إشارة إلى الخسائر الفادحة في الأرواح. يُقتل الجنود في ساحة القتال دفاعا عن قرارات وسياسات يتخذها حكامهم وهم جالسون في مكاتبهم المكيفة، قد تكون رشيدة وقد تكون متهورة حمقاء. يُقتل الجندي تاركا وراءه أسرة مكلومة تعيش مأساة باقي حياتها، أما بالنسبة لدولته فهو رقم في قائمة طويلة تضم أسماء قتلى الحرب الشجعان الذين دافعوا عن مصالح الوطن العليا، ولا أحد يعرف الرقم الدقيق لأعداد قتلى الحرب الروسية الأوكرانية. روسيا صرحت في سبتمبر/ أيلول الماضي بأنها فقدت نحو ستة آلاف جندي، وأوكرانيا قالت إنها فقدت نحو 13 ألفا. لكن أمريكا قدرت عدد قتلى كل طرف بمئة ألف جندي، ولو صح هذا الرقم فسيكون أكبر بكثير من ضحايا الزلزال، هؤلاء الجنود الشباب هم زهرة أوطانهم، يموتون وحيدين في صمت وخوف وسط ضجيج المعارك وتصريحات القادة.

(4) قابيل نموذج يتكرر

حين تتابع تصريحات قادة الدول الكبرى، والتحركات الخفية لجماعات الضغط من الذين يثرون من صناعة الحرب والدمار، تجد أن الإنسان مقبل بكامل إرادته نحو فنائه وخراب كوكبه. هناك كمّ هائل من التهديدات والاتهامات التي تتبادلها الدول العظمي والقوى الإقليمية مدفوعة بالخوف من أن يصيب أمنها ومكانتها ضرر. يشعر العقلاء بأن الدول الكبرى المتقدمة تفكر في مصالحها منفردة وكأن كوكب الأرض قد خُلق من أجل رفاهيتها وثراء شعوبها، لو حدث ولو مرة واحدة على سبيل التغيير الإيجابي أن فكرت الدول العظمى في الدول النامية بطريقة “أحبّ لأخيك كما تحب لنفسك” لتغير وجه العالم ولاستطاعت موارده وإمكانياته أن تكفي جميع البشر، ولخرج الناس جميعا من دائرة العوز والمجاعات والهجرة غير الشرعية إلى دائرة الإنتاج العالمي الجمعي المثمر، لكن يبدو أن الإنسان لم يتعلم من تجربته التاريخية إلا درس قابيل: عليه أن يقتل أخاه ليحصل على ما يتمناه.

المصدر : الجزيرة مباشر