مأزق الخصخصة المصرية

البورصة المصرية

 

إلتزاما بتعهداتها لصندوق النقد الدولي قامت الحكومة المصرية قبل أسبوع، بالإعلان عن طرح 32 شركة للبيع حتى مارس / آذار من العام المقبل، على أن يتم طرح 8 شركات على الأقل قبل منتصف العام الحالي، لكن كثير من الخبراء يشككون في إمكانية تنفيذ كل تلك الأطروحات في الموعد المحدد لأسباب عديدة محلية وعربية.

منها الركود المخيم على الأسواق خلال السنوات الأخيرة، وحالة الضعف التي يمر بها القطاع الخاص المحلي، والذي وصف رئيس الوزراء حالته قبل أسابيع بأنه منهك، مما لا يمكنه من الإقبال على شراء الشركات التي سيتم طرحها، سواء لقلة السيولة لديه أو لضعف ثقته بالمناخ الاستثماري عموما، في ضوء ما لحق به من أضرار نتيجة المنافسة غير العادلة مع مشروعات الجهات السيادية.

وما تعرض له البعض من قرارات بالحبس، الأمر الذي دفع البعض لجلب شراكة أجنبية كي تحميه، أو لجأ لتسجيل شركته بالخارج لتكون بمنأى عن التعرض لها لكونها شركة أجنبية، كما أن البعض يبتعد عن الأضواء عمدا وكما يقول المثل الشعبى المصرى ” ماشى جنب الحيطة ” ومجرد تقدمه لشراء إحدى الشركات المطروحة سيجعله تحت الأضواء، وسيكون مطلوبا منه التبرع بالمزيد لصندوق تحيا مصر وللمؤتمرات الشبابية وغيرها.

أما عن المستثمرين العرب فلديهم أطروحات بالسعودية والإمارات في نفس وقت الأطروحات المصرية، ولم ينس بعضهم المضايقات التي تعرضت لها الاستثمارات القطرية بمصر خلال فترة المقاطعة، وكذلك أحكام بطلان عقود شراء بعضهم لشركات مصرية ضمن برنامج الخصخصة، مثلما حدث مع مستثمر سعودي بشركة طنطا للكتان، وآخر سعودي بشركة عمر أفندى ومستثمر أندونيسى بشركة شبين الكوم للغزل وغيرهم من المستثمرين المصريين.

  تجهيز البورصة للطروحات منذ عدة أشهر!

لكن تبقى عوامل جاذبة للعرب منها رخص الأصول المصرية، في ضوء التراجع الحاد لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، والأرباح التاريخية التي تحققها بعض الشركات المطروحة كشركتي دمياط وبورسعيد للحاويات، والأرباح المضمونة التي تحققها البنوك العاملة بمصر، التي توظف نسبة عالية من أصولها في أدوات الدين الحكومي الخالية من المخاطر، في ظل ارتفاع معدل الفائدة على تلك الأدوات واستمرار العجز بالموازنة المصرية لسنوات مقبلة.

وكان رئيس الحكومة قد حدد أسلوبين لبيع الشركات التي سيتم طرحها، وهما البيع من خلال البورصة لأسهم تلك الشركات أو البيع لمستثمر رئيسي أو المزج بين الأسلوبين، وفيما يخص البيع من خلال البورصة فقد جهزت الحكومة ملعبها منذ عدة أشهر، من خلال دفعها لمحافظ الأوراق المالية بالجهات التابعة لها، كالبنوك العامة ومحافظ التأمينات الإجتماعية وهيئتي الأوقاف والبريد وغيرها، للشراء المستمر لرفع مؤشر البورصة منذ الربع الثانى من العام الماضي وحتى الآن.

مما نجم عنه صورة متناقضة، تتمثل في وجود بورصة صاعدة في اقتصاد يعاني من الركود ونقص العملات الأجنبية وارتفاع معدل التضخم وارتفاع سعر الفائدة، رغم أن أبجديات التعامل بالبورصة أنه كلما زاد سعر الفائدة بالبنوك أدى ذلك لتراجع البورصة لكون فائدة الودائع بلا مخاطر، لكننا شهدنا ارتفاع البورصة بفترة إصدار شهادات إيداع بفائدة 25 %!

وأى متابع للبورصة سيدرك أن صعودها مصطنع، وها هي تعاملات يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر الحالي، تشير الى أن اتجاه تعاملات الأفراد سواء مصريين أو عرب أو أجانب كانت للبيع، وفي تعاملات المؤسسات اتجهت تعاملات المؤسسات العربية والأجنبية للبيع، لتنفرد المؤسسات المصرية بين هؤلاء جميعا بالشراء، والنتيجة ارتفاع مؤشر البورصة خلال اليوم بنسبة 1.3%، وتكرر الأمر بصور أقرب لذلك خلال الأيام السابقة التي ارتفع فيها المؤشر.

  إنخفاض تعاملات البورصة برمضان والصيف

وفيما يخص البيع للشركات المطروحة من خلال البورصة، فإن شركات الوساطة تتخوف من تأثير قدوم شهر رمضان على ضعف شراء أسهم شركات الخصخصة، نظرا لتراجع التعامل بالبورصة عادة في شهر رمضان، وهو ما يتكرر بصورة أقل حدة خلال أشهر الصيف والتي ستعقب شهر رمضان، وبخلاف ذلك فإن قدامى المتعاملين بالبورصة لم ينسوا الخسائر الفادحة التي تحققت لهم من جراء أسهم شركات الخصخصة، التي تراجعت أسعارها عن قيمة طرحها بنسب كبيرة بداية من عام 1997 وخلال السنوات التالية.

كما سمتنع حالة الغلاء الحالية ونقص السيولة لدى غالبية الأسر من امكانية شرائهم للأسهم التي سيتم طرحها، وحتى من لديهم سيولة فإنهم يفضلون تحويلها الى سلع، في ضوء استمرار ارتفاع أسعار السلع بدون استثناء، وهو ما أشعر إليه وزير التموين نفسه عندما كان يبرر أزمة نقص الأرز.

ويبقى سؤال مهم في ضوء التجربة المصرية للخصخصة التي بدأت منذ عام 1993، ما هو الأسلوب الأفضل للاقتصاد المصري لبيع للشركات؟  بعد أن تم الأخذ بعدة أساليب خلال العقود الماضية من: إيجار خطوط انتاج بالشركات، ودخول القطاع الخاص بزيادة رؤس أموال شركات لتصبح له السيطرة على الإدارة، وعقود الإدارة مثلما حدث بالفنادق بالإستعانة بشركات عالمية للإدارة مع احتفاظ الحكومة بالملكية.

وكذلك عقود التمويل بتحمل المستثمر أعباء التمويل والتشغيل والإدارة، ثم اعادة الشركة الى الدولة بعد عدد محدد من السنوات، وبيع شركات لاتحاد العاملين المساهمين بها، بالإضافة الى البيع من خلال البورصة والبيع لمستثمر رئيسي.

خسائر أطروحات التسعينيات بذاكرة البعض

وكانت أسهل طريقة للبيع هى طرح نسبة من أسهم عدد من الشركات من خلال البورصة، وهو ما خفف ضغوط الرفض الشعبى للبيع على القائمين على برنامج الخصخصة، حين يصرحون بأن البيع من خلال البورصة يوسع قاعدة الملكية للشركات بين المواطنين، وتحقيق الرأسمالية الشعبية بتمليك شركات الشعب للشعب، ويعطى المصريين فرصة تعديل مسار الشركات ومراقبتها من خلال عضويتهم للجمعيات العمومية بها.

كما يمكنهم من الجمع بين نوعين من الربح من خلال شراء أسهم الشركات المطروحة، وهما الربح الرأسمالي نتيجة زيادة سعر السهم عن القيمة التي اشتروه بها، خاصة وأن الحكومة قد باعت الأسهم ببداية البرنامج بقيمة أقل قليلا من القيمة العادلة، كي يحقق المشترون للسهم ربحا يساعد في ترويج أسهم الخصخصة، وكذلك من العائد السنوى المتحقق من توزيعات الأرباح لتلك الشركات.

لكن ما لم يقله هؤلاء أن وسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا في ترويج أسهم الخصخصة، مما نتج عنه ما يسمى سلوك القطيع حين اندفع الكثيرون لشراء الأسهم بعد ما سمعوا عما تحققه من أرباح، دون دراية كافية بأسس التعامل بالبورصة أو معرفة قراءة البيانات المالية للشركات التي يقتنون أسهمها، كما أدى هذا التوسع في البيع للجمهور لتفتت ملكية الأسهم، بما لا يعطى لهم فرصة للتدخل في اختيار الإدارة الكفؤة للشركة.

بل أن الغالبية لم يشغلها ذلك أصلا سواء حضور الجمعيات العمومية أو تتبع أخبار الشركة، فالمهم لديه أن يحقق السهم قدرا من الربح كي يبيعه سريعا، وبالتالي فلم يساهم هؤلاء في تقديم اقتراحات لتطوير الشركة أو تحسين أدائها، لقصر فترة ارتباطهم بالأسهم، ومن طالت فترة احتفاظهم بالأسهم كانت خسائرهم أكبر.

وكان هؤلاء ضحية لبعض رجال الأعمال الذين تدخلوا بما لديهم من مؤسسات مالية، في دفع أسهم معينة للهبوط ثم شراؤها بهذا السعر المنخفض، ثم دفعها للصعود لجنى أرباح طائلة على حساب البسطاء، وتكرار تلك العملية، الأمر الذي ألحق بكثير من هؤلاء خسائر مادية جسيمة دفعتهم للابتعاد عن البورصة، بدليل تراجع أعداد من لهم أكواد للتعامل بالبورصة بنسب إنخفاض عالية عما كان عليه الأمر وقت طرح أسهم الخصخصة.

 بيع إيديال نموذج للرأسمالية الوطنية

أما مع تجارب البيع لمستثمر رئيسى فقد أشارت بعض البحوث التي أجريت على شركات تم بيعها، ومقارنة حجم مبيعاتها وأرباحها ما بين فترة ما قبل خصخصتها وما بعدها، الى أن 60 % من شركات العينة كانت النتائج بها ايجابية، وعادة ما يتم التركيز على مثال شركة الدلتا الصناعية – ايديال – التي تم تحديثها وزيادة ربحيتها، وهو ما تكرر في قطاع التعدين والحراريات والصناعات المعدنية. لكن الأمر لم يسلم  من تجارب سلبية، رغم أنه كان من شروط البيع الاستمرار في نشاط الشركة وتنفيذ قدر معين من الاستثمارات خلال فترة زمنية محددة، والاحتفاظ بالعمالة فترة زمنية حوالي 3 سنوات،

ففي قطاع الأسمنت قامت الشركات المشترية لشركات الأسمنت، بالسيطرة على السوق ورفع السعر والتحكم فيه وخفض العمالة، وفي مجال آخر اشترى المستثمر الشركة لتصفيتها لصالح الشركة الأجنبية الموردة لنفس السلعة والذي كان وكيلا لها حتى تنفرد بالسوق، والبعض الآخر قام بتصفية الشركة للإستفادة من قيمة أراضيها العالية لوقوع معظمها في أماكن حيوية داخل المدن.

والمعروف أن المستثمر الرئيسى الذي يتقدم لشراء شركة يقوم بالفحص النافي للجهالة لها، من خلال خبراء متخصصين لعدة أسابيع من النواحي الفنية والمالية والقانونية، وهنا نحن إزاء عدد من الشركات التي منعت الحكومة ضخ استثمارات بها، منذ بدء برنامج الإصلاح الإقتصادى عام 1991 أى منذ أكثر من 30 عاما، مما يعنى تقادم المعدات عن التكنولوجيات السائدة حاليا.

كما تسبب منع التعيين لعمال جدد بها منذ ذلك الحين، على التأثير على هيكل العمالة بها حين تقل العمالة الفنية بينما تزيد العمالة الإدارية مع كبر أعمار العاملين، وكلما أمور ستنعكس على تقييم المشترين المرتقبين للشركات، وعلى قيمة الشراء التي يقبلون بها مما يعنى توقع انخفاض حصيلة البيع الذي تعول عليه الحكومة لسداد جانب من ديونها المحلية والخارجية، ولقد نوه لذلك رجل الأعمال نجيب ساويرس حين أشار لتوقعه، عدم إقبال رجال الأعمال على شراء شركات قطاع الأعمال العام المطروحة.

كذلك فإن نجاح الخصخصة مرهون بتبني الحكومة، لسياسات تعزز المنافسة والشفافية والإفصاح واستكمال الإصلاح الهيكلي، حيث إنه لا يمكن أن تتحقق ليبرالية اقتصادية بدون ليبرالية سياسية.

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر