خيري علقم.. “لازم تعيش المقاومة”

إني اخترتك يا وطني.. حبّا وطواعية
إني اخترتك يا وطني.. سرّا وعلانية
لم يتأخر رد المقدسي خيري علقم كثيرا على تلك المذبحة التي قام بها الكيان الصهيوني المحتل في مخيم جنين، فقد استطاع ابن الـ22 عاما الشهيد حفيد الشهيد (استشهد جده بطعنات مستوطن في مايو/أيار 1998) أن يرد على تلك المذبحة التي استُشهد فيها 9 من أهالي مخيم الصمود الفلسطيني جنين، وأصيب 20 آخرون.
جاء رد “خيري” علقما مريرا على المحتل، رمى علقم رميته المباركة في حي نفيه يعقوب شمال القدس، ليقتل 13 صهيونيا جاؤوا من شتات الأرض ليغتصبوا أرضنا في فلسطين.
نصيب من اسمه
إن كان لكل إنسان نصيب من اسمه، فإن نصيب خيري علقم منه كان كبيرا، فهو خير هذه الأمة التي لا تنضب من الأبطال والشهداء والمقاومين، هو الخير مرفوع الرأس والراية دائما، صاحب الشموخ الظاهر بتلك الصور التي شاهدناه فيها بعد الاستشهاد وهو يرفع سبابته إلى السماء في ساحة القدس، مشيرا إلى السماء التي ارتقى إليها عشية يوم الجمعة الماضي، بوجه صبوح قمري يضيء في سماوات الشهادة، ويرفع شعار النصر أو الشهادة.
وجه الخير الفلسطيني الذي لن يراه إلا أهل فلسطين وأبناؤها، الذين يسطرون ملحمة البطولة والاستشهاد دائما، ويعطون دروسا في المقاومة على مدار الساعة، وفي خلال 24 ساعة فقط من الاجتياح الصهيوني، كان أبطال فلسطين يقدّمون ملحمة ردّا على الهمجية الصهيونية في جنين أو ما قاموا به من غارات جوية على قطاع غزة، 35 عملية فدائية واستشهادية قام بها الأبطال في القدس والضفة الغربية.
إنه الوجه الثاني في الخير الفلسطيني، فلن يكون هذا الخير سوى علقم على المحتل، كان العلقم الفلسطيني مرّا، شاهدناه على وجه نتنياهو ووجوه مرافقيه وهم يتفقدون مكان عملية علقم التي تبث الرعب في قلوب المحتلين.
المقاومة سبيل الانتصار
لا طريق لتحرير الأرض سوى المقاومة، هكذا قلت لمحدثي الفلسطيني عصر الجمعة، حينما كنت أتابع بيانا للجالية الفلسطينية في إسطنبول تضامنا مع جنين، فقد انتقد محدثي فرقة الفصائل الفلسطينية، وشدد معي على أن وحدتهم هي السبيل الوحيد الذي يجب أن يسعى إليه كل من يريد تحرير الأرض، وقال إن تحوّل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى السياسة كان خطأ كبيرا.
المقاومة ليست هي السياسة، فالمقاوم حر لا يرتبط بتوازنات سياسية، لا يراعي إلا إيمانه بقضيته ووطنه، يخرج إلى ميادين المقاومة لا يبغي سوى نصر أو شهادة، لا معايير سياسية ولا حسابات مع دول ولا جماعات.
قد كان الرد قويا بعد ساعات، طارت الفرحة برمية خيري علقم الصائبة في كل الأرض المحتلة وخاصة في مخيم جنين والقدس، فرحا بالقمر الفلسطيني الذي صعد إلى السماء بعد معركة استمرت 20 دقيقة، كان يسدد باستخدام مسدس نصف آلى بدقة متناهية، لقد أجاد التمرين وأجاد التصويب فكانت رميته موفقة {فلَمْ تقتلوهم ولكنَّ اللهَ قتلَهم وما رميتَ إذ رميتَ ولكنَّ اللهَ رمى} صدق الله العظيم.
إنهم يربّون أبطالا وشهداء
لا يتوقف الدم الفلسطيني عن التدفق في الأرض المحتلة، ففي كل ساعة شهيد، وفي كل يوم مصابون، نساء، أطفال، شباب، الدم هو سبيل تطهير الأرض، لا وسيلة مع المغتصب سواه سبيلا للتحرير، يسبق استشهاد علقم بيوم 9 من أبناء جنين، وبعده شهيد في الخليل، وشهيد في قلقيلية.
ثم يأتينا الصبي محمد عليوات (13 عاما) أصغر مقاوم فلسطيني بعد أقل من 24 ساعة على عملية علقم، ليطلق الرصاص في وادي حلوة بالقدس على خمسة مستوطنين صهاينة ويصيب اثنين منهم، ترك المقاوم الذي خرج من مدرسته وترقب المحتلين رسالة لأمه طالبا منها ألا تحزن بل تفرح به، وطلب منها السماح.
الفتى الصغير يدرك معنى الوطن، يضحى بسعادة من أجل التحرير، يخرج من مدرسته حيث يكافح ليصبح جديرا بكونه فلسطينيا ليقدّم روحه من أجل تحرير الوطن، يراقب خمسة من المستوطنين الذين استوطنوا الأرض وينهبون خيراتها، ويسدد رمية أخرى على طريق المقاومين الذين يعرفون الطريق الوحيد للنصر.
لا يهم هنا ما يقول الحكام المتخاذلون المطبعون ولا وزراء خارجيتهم، لا يهم ماذا يقول الخانعون، أو ماذا تقول أمريكا ورئيسها بايدن أو أذنابه في الأرض العربية، فالكلمة الوحيدة التي تستمر على أرض فلسطين هي المقاومة.
هل كانت أمه الفلسطينية المقاومة تحت الاحتلال تتوقع غير ذلك؟ فكل أبناء الأرض المحتلة مشروعات استشهادية بكل أعمارهم وتنوعهم، فقد قال والد الشهيد البطل خيري علقم حينما بلغه خبر استشهاده “عرفت كيف أربيه، واللي بدّه يكافح ويحرر بيطلع هيك تربية وهيك أخلاق، وهو من الشهداء، مش خسارة في وطنه”.
إنها عقيدة أهل فلسطين المحتلة، إنهم يربّون شهداء، يُعدّونهم ليوم الشهادة والزفاف إلى سماء الحرية والتحرر. والدة الشهيد عز الدين صلاحات الذي استُشهد في جنين، قالت “كنت أنظّف بارودته، وكان يقول لي: جبت عروس على الدار، ما تبكي، غنّي لي”.
ونحن نغنّي فرحا لكل فلسطيني يدرك طريق رصاص سلاحه، ويوجهه إلى قلب أعدائه، مدركا أن هذا الطريق هو السبيل الوحيد لتحرير الأرض والعودة والثورة الفلسطينية، ودماؤها التي لن يتوقف تدفقها حتى عودة فلسطين. غرّد صديقي الفلسطيني بعد ساعات من لقائنا، مبشرا بعملية خيري علقم، وغرّدت بصوت الشاعر فؤاد حداد:
كون البادئ كون البادئ
كل فروع الحق بنادق
غير الدم ما حدش صادق
من أيام الوطن اللاجئ
إلى يوم الوطن المنصور