الزواج.. بين الميثاق والصندوق واستبعاد الأزهر!

استبعاد الأزهر الشريف من مشروع الأحوال الشخصية الجديد

مما لا شكّ فيه أن الأسرة هي أساس أي مجتمع، والحفاظ على الأسر مهمةُ أي دولة، والأسرة في تكوينها الأساسي تعتمد على الزواج، وتتكون من زوج وزوجة وأبناء، وهذا هو الشكل المعروف دينيًّا وعُرفيًّا للأسرة في مصر والمجتمع الإسلامي.

لكنهم في الغرب يريدون -منذ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)- تطبيق نماذج وصور أخرى للأسرة بعيدة عن قيم مجتمعنا الإسلامي والعربي، وهي نماذج خارج إطار الفِطرة والدين، فتجد سيدة دون زواج معها أولاد، أو رجلًا وامرأة يعيشان معًا دون زواج ويسمون ذلك أسرة، أو رجلين يعيشان معًا ويسمون ذلك أسرة، أو امرأتين تعيشان معًا ويطلقون عليهما أسرة.

نشر الانحلال

كل ذلك أدى إلى انحلال المجتمعات الغربية، وظهور مسميات عديدة لمعنى الأسرة، بينما ظلت المجتمعات الإسلامية بها تقديس واحترام كبير لشكل الأسرة، وأهميتها. وبما أن الأسرة تنشأ من الزواج عكس المجتمعات الغربية؛ فكان لا بد من زعزعة مفهوم الزواج لدى المسلمين بأي شكل من الأشكال، وذلك من خلال الدعوات المختلفة لنبذ الزواج، وإقامة العلاقات المفتوحة أُسوةً بهم.

وفي الوقت الذي تعاني فيه المجتمعات الغربية من هذه العلاقات المفتوحة، وتسعى في محاولات جادّة لعودة الأسرة، والتشجيع على الزواج؛ نرى في مجتمعاتنا معوّقات توضع أمام الزواج، والتعامل معه على أنه مشروع ربحي يدخله الزوجان.

وبدلًا من أن تتدخّل الدولة لتسهيل الزواج بين الشباب، ومنع تفتّت المجتمع؛ تحاول الحكومة المصرية تصعيب الأمر على الشباب عبر وضع قانون جديد للأسرة تقوم به وزارة العدل والقضاة بتعليمات رئاسية، دون تدخل الأزهر الشريف، وهو المرجعية الدينية الكبرى، التي يجب أن يُؤخَذ رأيها في قانون الأسرة، خاصة أمور الزواج والطلاق.

الصندوق

ولأن هذه الأمور بالنسبة للمسلمين وللمسيحيين أمور دينية؛ فالقرآن الكريم لم يترك أمر الزواج والطلاق سدًى، بل أنزل آيات بيّنات تحدد أمور الزواج والطلاق، والتعدد، والرضاعة، والمتعة، والنفقة، والمهور، والتبني، والمواريث، وغيرها، فلم يترك القرآن أمرًا إلا وعالجه، وكذلك الرسول -عليه الصلاة والسلام- ترك لنا في السنّة ما يُغنينا عن الأخذ من فلان أو علان.

لقد سخِر الشباب من فكرة صندوق الأسرة، ودفْع مبالغ عند الزواج فيه، فبدلًا من أن تساعدهم الدولة تريد أن تأخذ منهم؛ مما جعل كثيرًا من الخُطّاب الشباب يسارعون إلى عقد قرانهم قبل أن يُفعّل هذا الصندوق، ويصير أمرًا واقعًا، فأصبح كثير منهم يبحث عن مأذون لديه أوراق الزواج؛ لكي يزوجهم، وهذا التسرع قد يؤدي إلى فشل العديد من هذه الزواجات، وهذا ما جنيناه من فكرة الصندوق.

لقد صُدمت فعلًا عندما وجدت إصرارًا كبيرًا في مشروع القانون الجديد الذي يحاولون تمريره، على فكرة عدم العمل بالطلاق الشفهي، رغم أن الأزهر يؤكد دائمًا الرأي الشرعي الثابت من وقوع الطلاق الشفهي المكتمل الشروط والأركان، والصادر من الزوج عن أهليةٍ وإرادةٍ واعيةٍ، وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- حتى يومنا هذا، مما يؤكد أن القوم لا يهتمون بأكبر مرجعية دينية في البلاد.

ولاية الأزهر

والأزهر بموجب الدستور له حقّ التشريع في قانون الأحوال الشخصية بالنسبة للمسلمين، فلماذا يحاول القوم إبعاده وتهميشه في أهم قانون يخصّ الناس في مصر وهو مرتبط بالأسرة والحلال والحرام والدين؟ ولماذا يريدون استيراد قوانين ونُظم من الخارج وفرْضها على المصريين بعد أن ثبت فشلها في بلادها، وأصبح الناس هناك يتحسّرون الآن على ما هم فيه؟

إن نسبة الزواج في هذه البلاد مقارنة بمَن يعيشون مع بعض دون زواج مرتفعة جدًّا، ولكن لن يتزوج أحد عندما توجد قوانين تأخذ منه نصف ثروته إذا حدث طلاق، أو قوانين تكبّل حريته، أو صندوق يطلب منه مالًا.

الحكومة تتعامل مع الزواج على أنه مشروع يدخله الزوجان وهي الشريك الثالث، وكما قالوا “اللي معاه فلوس يتزوج.. يدفع في الصندوق”، فضلًا عن رسوم أخرى، ولجنة لفحص الأوراق، ومقابلة الزوجين، ولا بد أن توافق اللجنة على الزواج، وتوثيق الطلاق، كما هو الحال في توثيق الزواج، وعدم ترتيب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به.

المفتي إلهام شاهين!

وبدلًا من أن تساعد الحكومة الشباب، تضع العراقيل أمامه، كما في موضوع الصندوق، فقد رفضت الحكومة استخراج بطاقات تموينية للمتزوجين، في الوقت الذي نجد دولًا تدعم المقبلين على الزواج بالمال والمسكن، وتمنحهم قروضًا ميسّرة تساعدهم على الحياة.

ولكن عندنا الكل يفتي في الزواج والطلاق حتى يزعزع إيمان الشباب بالأسرة، كما حدث من الممثلة إلهام شاهين التي قالت في حديث لها إنه “لا مانع من أن تتزوج زواجًا مدنيًّا برجل من غير دينها”.

ونتذكّر هنا رد شيخ الأزهر على سؤال عن حكم زواج المسلمة من غير المسلم في لقاء عام 2017 بالبرلمان الألماني، حيث قال: “إن الزواج في الإسلام ليس مشروعًا مدنيًّا، إنما هو عقد ديني، والقرآن الكريم استخدم مرتين كلمة “الميثاق الغليظ”؛ منهما وصف علاقة الزواج بين الرجل والمرأة، فقال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}؛ فالميثاق الغليظ مرةً أخذه الله على الأنبياء، والثانية أخذته النساء من الرجال.

وإن الزواج في الإسلام ليس عقدًا مدنيًّا كما هو الحال في الغرب؛ بل هو رباط ديني يقوم على المودّة بين الطرفين، ولأن غير المسلم لا يؤمن بالإسلام؛ فإن المودة مفقودة في زواج المسلمة من غير المسلم، ولذا منعها الإسلام”.

والآن، نمرر قوانين دينية بحتة مثل قانون الأحوال الشخصية بعيدًا عن الأزهر، ونترك الفتوى للممثلة إلهام شاهين، وغيرها من الفنانين، وغيرهم.

المصدر : الجزيرة مباشر