لماذا اختار أردوغان 14 مايو لإجراء الانتخابات؟!

أكرم إمام أوغلو (أحد المرشحين المحتملين للرئاسة) مع ميرال اكشيدار أكبر داعمة له

فيما لا تزال مواقف أحزاب المعارضة التركية تراوح مكانها، وتحاول جاهدة لملمة شتاتها، مع عدم استقرارها حتى اللحظة على مرشح توافقي لخوض الانتخابات الرئاسية، وظهور العديد من العقبات التي تحول دون اتفاق وجهات نظرها بشأن الكثير من الملفات والقضايا المطروحة على الساحة التركية، قرر حزب العدالة والتنمية الحاكم وشريكه في السلطة حزب الحركة القومية توجيه ضربة قاضية لتكتل المعارضة، وقطع الطريق أمام محاولاتها استقطاب جزء من قاعدته التصويتية التي تضم الإسلاميين والمحافظين.

تمثلت هذه الضربة في رمزية ودقة اختيار يوم الرابع عشر من شهر مايو/أيار موعدًا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو التوقيت الذي مثّل مفاجأة غير سارة، أو مفاجأة صادمة لأحزاب الطاولة الستة على وجه التحديد، التي لم تكن تتوقع أن يتم حصرها في هذه الزاوية الضيقة إطلاقًا، خاصة بعد أن بدأت تستشعر أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفها، واستقطاب شريحة لا يستهان بها من ناخبي حزب العدالة والتنمية تحديدًا، بما يؤمن لها الفوز في الانتخابات والإطاحة بالرئيس أردوغان عن مقعد الرئاسية.

ليأتي هذا التاريخ كاشفًا عن خبرة لا يستهان بها في دروب العمل الحزبي، ودراسة مستفيضة لتاريخ البلد، وتأثير أحداثه على توجهات مواطنيه وخياراتهم الانتخابية، بما ينم عن دهاء سياسي، وتخطيط استراتيجي على أعلى درجة من الوعي السياسي الذي لم تتوقعه ولم تعمل له حساب.

ماذا يعني 14 مايو؟!

يرتبط تاريخ الرابع عشر من مايو/أيار في أذهان الأتراك بأول ظهور فعلي للإسلاميين والمحافظين مجددًا على الساحة السياسية التركية، بعد أن انشقوا عن مصطفى كمال أتاتورك، وقرروا الخروج من عباءته، ومن حكم الحزب الواحد المتمثل في حزب الشعب الجمهوري، والعمل لبدء مرحلة جديدة في تاريخ الجمهورية التركية، وذلك عندما أجريت الانتخابات البرلمانية التركية في 14 مايو/أيار 1950 التي عُدّت أول انتخابات ديمقراطية تتم في العهد الجديد، وثاني انتخابات برلمانية يشارك فيها أكثر من حزب سياسي.

وفيها فاز الحزب الديمقراطي بحوالي 55% من أصوات الناخبين، مكتسحًا بهذه النتيجة حزب الشعب الجمهوري حامل لواء العلمانية، والوريث الشرعي لميراث مصطفى كمال أتاتورك، والراعي الرسمي لرؤاه وأفكاره، والمطبق الفعلي لسياساته التغريبية.

ويحصد الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس بهذه النسبة 85% من مقاعد البرلمان التركي البالغة 416 مقعدًا، بينما تمكن حزب الشعب الجمهوري من الفوز بأصوات 40% من الناخبين، مما أهله للحصول على 14% من مقاعد البرلمان، أي 69 مقعدًا فقط، وهي النتيجة التي تم بموجبها إنهاء حكم حزب الشعب الجمهوري لتركيا الذي استمر طيلة 27 سنة كاملة.

وفي أول كلمة يوجهها للناخبين عقب هذا النجاح الساحق، وقف عدنان مندريس أمام الناخبين الذين تجمعوا لسماعه، وأعلن بصوت جهوري كلمته الخالدة: “كفى، لقد أصبحت الكلمة الآن للشعب”، إيذانًا بانتهاء مرحلة تحكم القوى الغربية والأفكار العلمانية في مصير الدولة التركية، ومحاولات سلخ الشعب عن هويته الإسلامية.

ما بين أردوغان ومندريس

وهي مرحلة من أهم وأكثر مراحل تاريخ تركيا انتعاشًا، حيث ألغى مندريس الكثير من السياسات المرفوضة من جانب المواطنين، واتخذ العديد من القرارات السياسية والاقتصادية التي لبى من خلالها مطالب جماهيرية مُلحة.

إذ أعاد الرجل رغم قرب عهده بسياسات التغريب التي اتبعها مصطفى كمال أتاتورك، مادة التربية الدينية إلى المناهج الدراسية في مختلف مراحل التعليم، مشترطًا موافقة أولياء الأمور على دراسة أبنائهم لها، حتى لا يقال أنه أجبر أحدًا على هذا، أو أنه يمارس ديكتاتورية إسلامية في دولة ينص دستورها على علمانيتها، كما أعاد رفع الآذان باللغة العربية مرة أخرى، واتبع سياسات اقتصادية أدت إلى حدوث طفرة كبيرة في البلاد بعد أن قام بإزالة الكثير من المعوقات من أمام القطاع الخاص الوطني والأجنبي لتشجيعه على العمل، والاستثمار في سوق تتمتع بالعديد من الامتيازات.

تقارب واضح في التوجهات والسياسات بين الرجلين، وإن اختلفت الأزمنة وتغيرت المعادلات، فالرئيس أردوغان أعاد الاعتبار للحجاب، ومكن المحجبات من استكمال دراستهن الجامعية، وفتح أمامهن مجالات العمل في الحكومة والقطاع العام، كما قام بزيادة عدد مدارس الأئمة والخطباء، حيث يتلقى الطلاب تعليمًا أكاديميًا يجمع بين المواد العلمية والدينية، وفتح الآلاف من فصول تحفيظ القرآن الكريم مجانًا أمام من يرغب من الصغار والكبار، كما أنه أعاد وصل حاضر تركيا بماضيها التي أصبحت تفتخر به، إلى جانب سعيه لوضع أسس سياسة اقتصادية مختلفة عما عهدته تركيا من قبل، من خلال تكريس مبدأ الاقتصاد الإسلامي القائم على الاستثمار، والمشاركة، وبذل الجهد لتحقيق الربح، وليس الاعتماد على منطق سعر الفائدة، مُعيدًا لتركيا وجهها وهويتها، ووجودها القوي على خريطة العالم الإسلامي.

الرئيس أردوغان أكد أن اختياره هذا الموعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يعد الأنسب، وذلك حتى لا يتعارض الاستحقاق الانتخابي مع الامتحانات الجامعية التي تبدأ في يونيو، إلى جانب عطلات المدارس، وموسم الحج الذي يشارك فيه أكثر من 100 ألف مواطن تركي، واحتفالات عيد الأضحى المبارك.

إلا أنه لم ينف في الوقت نفسه أن هذا التاريخ يأتي في الذكرى الثالثة والسبعين على فوز الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس في أول انتخابات برلمانية حرة شهدتها تركيا الحديثة عام 1950، مشيرًا إلى أنه يرغب في تكرار هذا الحدث بتفاصيله نفسها في الانتخابات التركية المنتظرة، سواء فيما يخص موعده أو النتائج التي تمخضت عنه، وذلك في مواجهة تحالف أحزاب الطاولة الستة، ومصرحًا بأنه سيقف بعد الفوز ومعه جماهير الشعب ليرددوا مرة أخرى كلمة الراحل مندريس: “كفى” بعد مرور ثلاثة وسبعين عامًا.

تحذير للشباب من الانسياق وراء الأكاذيب

لم تكن الرسالة القوية التي وجهها الرئيس أردوغان خاصة بتكتل أحزاب المعارضة التركية فقط، لكنها كانت رسالة أيضًا للشباب الذين يتم التلاعب بهم، وسلب عقولهم بوعود كاذبة لن تغني ولن تسمن من جوع، محذرًا إياهم من الانسياق وراء هذه الأكاذيب التي يروجها من وصفهم بالمستفيدين، الذين يحاولون التلاعب بمقدرات الشعب التركي، والعودة به إلى الخلف عشرات السنين، طالبًا ممن يشاركون في الانتخابات للمرة الأولى اتخاذ القرار الصحيح، والتعامل بوعي عند منح أصواتهم، حتى لا يتم منح هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا أوصياء على الشعب، والتحكم في مصير الأمة، الفرصة للعودة مرة أخرى إلى السلطة.

المصدر : الجزيرة مباشر