حرمة الدم الفلسطيني.. وسجون السلطة!!

آثار المواجهات

ما جرى من مواجهات شعبية فلسطينية مع قوات السلطة الرسمية في مدينة نابلس بالضفة الغربية أخيرا، وما يجري من صدام مسلح، أو شبه مسلح، بين الحين والآخر بين هذه القوات وفصائل المقاومة، هو عار سوف يسجله التاريخ، أيًّا كان سبب تلك المواجهات، خاصة في تلك الظروف التي من المفترض أن يعمل فيها هؤلاء وأولئك على لمّ الشمل، في مواجهة سلطة احتلال ليست غاشمة فقط، بل متطرفة، بشهادة ساستهم وحاخاماتهم، قبل شهادة العالم الخارجي.

لم يعد من المنطقي استمرار قيام قوات الأمن الفلسطيني -التي هي نتاج اتفاقيات أوسلو- بدور الشرطي حامي حمى الاحتلال أحيانًا، وأحيانًا أخرى بدور السلطة القمعية كغيرها من سلطات العالم العربي، ذلك أن مظاهرات نابلس كانت تطالب بالإفراج عن المعتقلين (السياسيين) في سجون السلطة، أكرر: في سجون السلطة وليس في سجون قوات الاحتلال، وكأن الشعب الفلسطيني كتب عليه أن يعيش بين خياري السجون هنا وهناك، فضلًا عن كونه أسيرًا للاحتلال في كل الأحوال.

أعتقد أن المواجهات بين الفلسطينيين في أزمنة متفرقة، خصوصًا في العقود الأخيرة، هي العار الذي لن يمحى من الذاكرة، ولا من كتب التاريخ أبد الدهر، فما بالنا عندما يتعلق الأمر بقوات أمنية من المفترض أن تعمل على حماية الشعب ونصرته في مواجهة قوات احتلال تستهدف في أحيان كثيرة القوات الأمنية الفلسطينية ذاتها. لكن يبدو أن بوصلة الهدف قد اعوجت أمامهم، مما جعلهم يصوبون السلاح على أبناء جلدتهم، غير آبهين لا للتاريخ ولا للجغرافيا.

مسؤولية عباس

بالتأكيد هي مسؤولية رئيس السلطة، الرئيس محمود عباس، بالدرجة الأولى، ذلك أنه الآمر الناهي هناك في ظل نظام كغيره من أنظمة دول المنطقة، لا يعترف بحقوق الإنسان، ولا يقر بحقوق الحيوان، ذلك أن آخر ما يمكن أن يتخيله عقل هو أن تكون سجون السلطة القابعة تحت الاحتلال، متخمة بسجناء سياسيين، أيًّا كانت درجة أو حجم معارضتهم لسياسات نظام أراد للمقاومة أن تكون بلا حاضر ولا مستقبل، على الرغم من استمرار سقوط الشهداء على مدار الساعة، واستمرار مصادرة الأراضي بلا هوادة.

كل المعطيات الحالية تشير إلى أن دولة الاحتلال تعاني أزمة وجود حقيقية، خصوصًا مع وصول حكومة التطرف هذه إلى سدة السلطة، ربما نرى بوادرها بوضوح من خلال المظاهرات والاحتجاجات المستمرة بشوارع تل أبيب منذ تشكيل الحكومة، وذلك بالتزامن مع تزاحم واضح أيضا على السفارات الغربية هناك لتقديم طلبات هجرة ارتفعت نسبتها في بعض السفارات إلى نحو 18% مقارنة بالأعوام السابقة، فضلًا عن ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين خلال عام 2022 نتيجة عمليات المقاومة بالضفة والقطاع والقدس (نحو 30 قتيلًا و420 جريحًا) جراء عمليات إطلاق نار وطعن ودعس، في عام هو الأكثر دموية بين الجانبين منذ عام 2015.

من المهم أن نعي أن السقوط الإسرائيلي الحاصل الآن ليس عسكريًّا فقط، بل هناك سقوط أخلاقي أيضا، بدأ بتشكيل حكومة تضم العديد من الشواذ، أو ما يطلقون عليهم مثليي الجنس، مرورًا باستهداف الأسرى الفلسطينيين للتنكيل بهم من خلال قوانين جديدة في هذا الشأن، إضافة إلى ما تسميه الآن إجراءات عقابية، ثم ما نراه بشكل يومي من إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين العزّل من المسافة صفر، في نهج جديد، جعل النصف الأول من شهر يناير الجاري الأعلى في عدد الشهداء (13 شهيدًا) دون أن يحرك ذلك ساكنًا من سلطة القمع الفلسطينية، وبالتالي من العالم الخارجي، وسط صمت غريب من جامعة الدول العربية.

مفاوضات الجزائر

ربما أسفرت مفاوضات الفصائل الفلسطينية التي استضافتها الجزائر خلال شهر أكتوبر الماضي (14 فصيلًا) عن هدوء من نوع ما بين الفصائل في الضفة والقطاع، إلا أن علاقة السلطة الفلسطينية بجموع الشعب، أو ممارسات قوى الأمن تحديدًا اتجاه المواطنين، يجب إعادة النظر فيها، بما يضع حدًّا لهذه الممارسات التي تسفر دومًا عن قتلى وجرحى وسجناء ومعتقلين، وهو الأمر الذي كان يجب أن يختفي من قاموس العلاقات الداخلية الفلسطينية، على كل الأصعدة.

الأهم من ذلك، هو أن استمرار وجود سلطتين منفصلتين، إحداهما في الضفة بقيادة (فتح)، والأخرى في غزة بقيادة (حماس) لم يعد أمرًا مقبولًا، في ضوء التطورات الحاصلة الآن على الساحة الإسرائيلية من جهة، وفي ضوء التطورات الحاصلة على الساحة الدولية من جهة أخرى، ذلك أن حالة التطرف الإسرائيلية في التعامل مع القضية، سواء فيما يتعلق بمصادرة مزيد من الأراضي وبناء مزيد من المستوطنات، أو فيما يتعلق بالتوجه نحو مزيد من القتل والاعتقال في صفوف أبناء شعبنا الفلسطيني، هو أمر يحتم التنسيق والتضامن بين كل الأطراف على الأرض، في وقت تشهد فيه ساحة الحرب الروسية الأوكرانية تطورات متسارعة، تتراجع معها الاهتمامات الدولية بقضايا الشرق الأوسط بشكل عام.

وربما كانت الفجوة واسعة بين طلب السلطة من فصائل المقاومة الاعتراف بالاتفاقيات والقرارات الدولية، التي تعني في نهاية الأمر اعترافًا بإسرائيل، وطلب الفصائل من السلطة التأكيد على خيار المقاومة، وغير ذلك من القضايا الخلافية العديدة، إلا أن رفض السلطة إجراء الانتخابات التشريعية، المعطلة منذ أبريل 2021، بسبب رفض إسرائيل إجراءها في القدس الشرقية، يأتي بمثابة أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، للوصول إلى تفاهمات حول العديد من القضايا في مقدمتها حرمة الدم الفلسطيني، ثم توحيد الصفوف في مواجهة الهمجية الإسرائيلية المتفاقمة، في ظل موقف عربي مهترئ، ودولي يفتقد العدالة.

المصدر : الجزيرة مباشر