هاني رمزي ومنى العمدة.. عندما تفتح التلفزيون في وقت غير مناسب!

منى العمدة

.”الظاهر، أنا فتحت التلفزيون في وقت غير مناسب”.. هكذا غّرّدَ بطل الأفلام الكوميدية المصرية؛ جواز بقرار جمهوري، وغبي منه فيه، ومحامي خُلع، وأسد وأربع قطط، وغيرها، الفنان هاني رمزي على صفحاته بمواقع التواصل، تعليقا ساخرا منه على أسلوب المذيعة منى العمدة، و”صوتها المُثير” في برنامجها “هنا الجمهورية الجديدة”، المُذاع على قناة النهار المصرية.

تعليق “رمزي”، جاء مرفقا بـ “مقطع فيديو” من حلقة أخيرة مُذاعة، لحوار بين المذيعة وصاحب شركة عقارية، عن العاصمة الإدارية الجديدة، وحظي بنحو أربعة ملايين و400 ألف مشاهدة، في أقل من يومين، على صفحتيه بمواقع تويتر، وفيس بوك، وحدهما، وانتشر على نطاق واسع، مع مقاطع أخرى للمذيعة وبرنامجها.

مشهد رومانسي.. وتيك توك.. وفضائيات عديدة

لم تكد تمُر ساعات قليلة على تعليق هاني رمزي ونشره للمقطع، حتى أطاحت قناة “النهار” بالمذيعة وأعلنت وقفها (ربما مؤقتا)، ووقف البرنامج، وفتح تحقيق مع طاقمه بالكامل، في محاولة لاحتواء عاصفة السخرية والنقد للمذيعة والقناة، بسبب أدائها الصوتي، الذي بدا وكأنها تؤدي “مشهدا رومانسيَّا” في فيلم أو مسلسل، خروجا عن اللياقة والمهنية.

المذيعة منى العمدة، في الأصل صيدلانية حسبما يُشاع، وهذا لا يضيرها، ولها حضور سابق على منصة “تيك توك”، للفيديوهات القصيرة، تقليدا للفنانين، وقامت بأداء دور تمثيلي في مسلسل “بيت الشدة”.. كما سبق لها التنقل بين فضائيات عديدة، لتقديم برامج “طبية وعقارية”، غالبا ما تكون تسويقية إعلانية تنطوي على تضليل وخداع للمشاهد.

 فضائيات تبيع الهواء لعابري السبيل خداعا وتضليلا للجمهور

بعيدا عن الأداء الصوتي، والإثارة والرومانسية، فإن حالة منى العمدة، تأخذنا إلى قضية أكبر، وأعم، وأشمل، تُمثِل أحد أمراض الإعلام المصري التي زادت واستفحلت في السنوات الأخيرة.. نعنى هذا النوع من “الإعلانات”، المتخفية في صورة برامج تلفزيونية لها مسميات براقة، خادعة ومُضللة.. ذلك أن وظيفة “البرامج” ليس التسويق للمنتجات.. بل الإخبار بما يدور محليا وعالميا، والنفاذ لما وراء الأحداث تفسيرا لها، وإزالةً لما قد يكتنفها من غموض، والتثقيف والتنوير، والترفيه، وما شابه.

الكارثة أن هناك فضائيات تبيع ساعات الهواء، بمعنى أن أي “عابر سبيل” بارع في جلب إعلانات أو لديه القدرة المالية، يمكنه شراء أو استئجار ساعات إرسال محددة، من فضائية هنا أو هناك، مقابل مبلغ مالي معلوم. لعابر السبيل المُشتري أو مُستأجر “ساعات الإرسال”، استغلالها كيفما شاء، تلميعا لشخصيات ليست فوق مستوى الشبهات، أو ترويجا لمنتج قد لا يكون جيدا، أو مغشوشا، أو دعايةً لطبيب نصاب يبيع الوهم للمرضى. معلوم أن نصابا كان سقط منذ أشهر، وهو يمارس نشاطه “الطبي” في عيادة بوسط العاصمة القاهرة علاجا بالأعشاب، وتبين أنه ليس طبيبا ولا صيدلانيا.. كما أن شهرته الطاغية اكتسبها من الظهور التلفزيوني في مثل هذه البرامج “المحظورة” أصلا، بالمعايير الإعلامية وحتى الإعلانية.

منى العمدة والتسويق العقاري.. نشاط إعلاني وليس إعلامي

برنامج “العمدة” على فضائية النهار محطتها الأخيرة، يأتي توظيفا لمصطلح “الجمهورية الجديدة”، للتسويق إعلانيا لشركات عقارية وأصحابها، فأكثرية ضيوف البرنامج أصحاب أو رؤساء أو مديري شركات تطوير عقاري، أو متخصصين في المجال نفسه، للتحدث عن نجاحاتهم، وتسويق منتجاتهم العقارية. لا أعلم يقينا طبيعة العلاقة التعاقدية بين المذيعة منى العمدة، وفضائية النهار، وليس معلوما، إن كانت تستأجر من القناة ساعات إرسال من عدمه.. لكن، المؤكد أن ما تقدمه هو نشاط إعلاني وليس إعلامي، مما يُعد ويُصَنف في خانة التضليل والخداع للمشاهد، فالإعلان يجب أن يكون صريحا، مكشوفا، دون تخفي تحت لافتة براقة لبرنامج. لا يعني هذا رفضا لـ “الإعلانات”، أو مصادرةً لها.. بل هي مطلوبة بشدة للمُنِتج تسويقا لمنتجاته.. كما إنها مُهمة للمشاهد المتلقي كي يتعرف على “الجديد” في السوق، ومميزاته، ومن ثم يختار ما يلائم احتياجاته، وهي تشغل الأهمية ذاتها للقناة أو أي وسيلة إعلامية، إذ يُسهم العائد المالي من بث الإعلانات وإذاعتها ونشرها، في تمويل الوسيط الإعلامي، حتى لا يتعرض لخسائر تؤدي إلى توقفه وخروجه من الساحة.

قناع برامجي تلفزيوني.. وحكايات النميمة وبث التفاهات

ما دمنا على سيرة التلفزيون وما يجري على الفضائيات المصرية، فأين “المجلس الأعلى للإعلام” من حالة منى العمدة وبرنامجها ومثيلاتها.. أتحدث عن تأجير ساعات الهواء، والإعلانات المتخفية في قناع برامجي تلفزيوني.. لماذا لا يتحرك لوقف مثل هذه الممارسات؟.. لماذا يصمُت على ممارسات برامج “التوك شو” من بث للتفاهات وحكايات النميمة على شاكلة زواج وطلاق هذه الفنانة أو تلك، ومشكلاتها مع زوجها، وما شابه؟ لماذا لا يتم التصدي لهؤلاء المُذيعين الذين يأتون بأسوأ الممارسات المنسوبة زورا للإعلام، كأن يتقمص “المذيع” دور “الخبير” في مختلف التخصصات والمهن والوظائف، ويتحفنا بنصائحه السخيفة بهذه الصفات جميعا؟ إذا تواضع المُذيع وجلب ضيفا في تخصص ما، فيكون ترويجا لوجهة نظر أُحادية، دون مُناظر، يمثل الرأي الآخر، لزوماً للتوازن والموضوعية.

إعلام تاهت منه المعايير والأخلاقيات المهنية

من الذي أنبأ هؤلاء الذين يسمون “إعلاميين”، بأن لهم أدنى مصداقية أو قبول عند المشاهدين.. كيف لمن يتقاضى راتبا بملايين الدولارات أو الجنيهات سنويا، أن ينصح “المتلقي” من العامة الذين يعانون  من أجل توفير لقمة العيش، بالتقشف والاستغناء، اكتفاءً بأرجل الفراخ؟ الخلاصة، أننا أمام (إعلام) اسما على غير مُسمى، تاهت منه المعايير والأخلاقيات المهنية، وراح يتخبط إلهاءً، وهروبا من تناول ما هو جاد ولازم للجمهور.. بما يدفع الناس إلى النفور والبحث عن بدائل إعلامية، مما هو متاح في الفضاء، او على مواقع التواصل الاجتماعي.

المصدر : الجزيرة مباشر