ثورة العقول: مفهوم جديد استخدمه أردوغان لبناء قوة دولته!

مفهوم ثورة العقول يمكن أن يشكل بداية مرحلة جديدة، وأساسا لكفاح الشعوب لبناء مستقبلها.. ويعتبر الرئيس رجب طيب أردوغان صاحب الملكية الفكرية لهذا المفهوم؛ حيث قال -في حفل تسليم مدافع “هاوتزر العاصفة” لقيادة القوات البرية في ولاية صقاريا يوم 9 يناير- إننا قمنا بثورة عقول كبيرة فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية، وإننا لن نسمح أبدا بعرقلة خطوات الصناعات الدفاعية لتركيا مثلما كان يحدث في الماضي.

وأضاف أردوغان قائلا: إننا لن نتراجع حتى نحقق استقلالنا الكامل في مجال الصناعات الدفاعية، وسنجعل بلدنا يسير من نجاح إلى نجاح، بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، وإن الصناعات الدفاعية من المجالات التي حطمت فيها تركيا قيودها؛ لذلك حققنا نجاحات لا يمكن تخيلها في هذا المجال خلال السنوات العشر الأخيرة، بالتعاون مع الشركات الصغيرة والمتوسطة ومراكز التكنولوجيا؛ حيث ارتفع عدد الشركات الناشطة في مجال الصناعات الدفاعية من 56 شركة عام 2002 إلى أكثر من ألفي شركة في نهاية 2022، وزادت مخصصات البحث والتطوير من 49 مليون دولار إلى مليار ونصف دولار؛ لذلك ارتفعت قيمة صادرات الصناعات الدفاعية إلى أكثر من 4 مليارات دولار. وأشار إلى أن تركيا أصبحت تحتل مركزا متقدما بين الدول الرائدة في صناعة المسيرات الحربية.

إرادة دولة ورؤية قائد

ربط أردوغان بين إرادة الدولة، وثورة العقول.. لكننا يمكن أن نضيف إلى ذلك أن ثورة العقول ترتبط برؤية قائد يستطيع أن يلهم الباحثين والعلماء لإنتاج أفكار جديدة.. فالأمة تمتلك الكثير من الكفاءات العلمية التي يمكن أن تبني المستقبل، لكنها تحتاج إلى الحرية، واحترام الحق في التفكير والبحث العلمي، وتطبيق نتائج البحوث.

ولقد تمكن أردوغان من أن يوفر لتركيا حرية البحث العلمي، والحرية الأكاديمية، وشجع العلماء والجامعات على إنتاج أفكار جديدة استخدمتها الشركات في تطوير إنتاجها، فتحققت النهضة الاقتصادية. وكان من أهم عناصر رؤية أردوغان تطوير الصناعات الدفاعية، فتفوقت تركيا في مجال إنتاج الكثير من أنواع الأسلحة، ومن أهمها الطائرات المسيرة، واليوم تضيف إلى إنجازاتها في هذا المجال إنتاج أنواع جديدة من المدافع تساهم في زيادة قوة تركيا، وحماية أمنها، وقدرتها على مواجهة تحديات المستقبل.

لقد تمكن أردوغان من أن يطلق في تركيا ثورة عقول، أنتجت أفكارا جديدة طبقتها الشركات، وهذا يعني أن الأمة عندما تمتلك الإرادة فإنها تستطيع أن تبني القوة الصلبة، ويمكن أن تغير الواقع.

قوة المفهوم وبناء المستقبل

المفهوم الذي قدمه أردوغان أساسًا للنهضة -وهو ثورة العقول- يمكن أن يساهم في بناء المستقبل؛ فعندما يدرك القائد أهمية العلم، ويثير خيال العلماء، فإنه يبني مجتمع المعرفة الذي يقوم فيه الاقتصاد على الأفكار الجديدة.

والقوة الصلبة يمكن أن تتحقق عندما تمتلك الدولة الإرادة، وتكسر القيود، وتتطلع لتحقيق حلم عظيم؛ لذلك كان من أهم إنجازات أردوغان أنه أثار خيال شعبه، فدفعه إلى الانطلاق بحرية لبناء قوة تركيا في كل المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية والدبلوماسية.

ومن المؤكد أن الأمة الإسلامية أصبحت تتطلع بإعجاب وحب إلى أردوغان وإلى تركيا، وتشعر بالغبطة والبهجة لزيادة القوة التركية، لذلك أصبح النموذج التركي ملهما للشعوب.

بناء القوة بخيال جديد

يتميز أردوغان بأنه يمتلك خيالا سياسيا وجغرافيا واجتماعيا، وهو يعمل بصبر لبناء قوة تركيا، وتحويلها إلى فاعل في بناء عالم جديد. وبهذا الخيال تمكن من بناء رؤيته التي ألهمت شعبه، وأطلقت إرادته، وجعلت كل إنسان في تركيا يبني صورته الذاتية على أسس الحرية والديمقراطية والكرامة والقدرة على الفعل.

هذا يعني أنه بالرغم من أهمية الإنجازات التي حققها أردوغان في بناء قوة تركيا الصلبة؛ فإن أكبر إنجازاته كان بناء القوة النفسية والحضارية والعلمية والاجتماعية للدولة؛ فهو إنجاز أكبر من أن يتم قياسه بأساليب كمية أو مادية، وسيكون له دوره في بناء المستقبل.

برهان جديد على صحة نظريتي!

إن هذا يثبت صحة بعض جوانب نظريتي حول بناء قوة الدولة، ومن أهمها:

1- إن الدولة التي تريد أن يكون لها مكانة في القرن الـ21، وتبني قوتها الصلبة والناعمة لابد أن تكافح لتحقيق الاستقلال الشامل، وتمتلك إرادتها السياسية؛ فالدولة يمكن أن تمتلك الكثير من الثروات الطبيعية والبشرية، ومصادر القوة،، لكنها تتمكن من إدارتها فقط عندما تمتلك الإرادة السياسية.

2- إن بناء القوة في المجالات المختلفة يبدأ برؤية قائد أصيل، يمكن أن يلهم شعبه، ويجعل كل فرد يشعر بالانتماء للدولة، وأنه صاحب حق فيها، وأن مصلحته المادية ومكانته الاجتماعية ترتبط بقوة الدولة، وأن المواطنون هم الملاك الحقيقيون للدولة، ولكل ثرواتها؛ لذلك ترتبط قوة الدولة الصلبة بقوة المواطن المعنوية، وقدرته على المساهمة في بناء مستقبل دولته.

والمواطنون يريدون القائد الذي يثير خيالهم، ويدفعهم لتحقيق حلم عظيم من أهم أركانه أن يكون لدولتهم مكانتها العالمية، وقوتها السياسية والاقتصادية.

3- إن قوة الدولة تعتمد على المعرفة والعلم، فإن أردت أن تستشرف المستقبل؛ فإنك يمكن أن تدرس أحوال العلماء، وقدرتهم على التفرغ للبحث العلمي، وتأهيل الكوادر في الجامعات.

إنه لا يمكن بناء اقتصاد قوي دون كفالة الحرية الأكاديمية للباحثين الذين ينتجون الأفكار الجديدة؛ لذلك كان التفوق الذي حققته تركيا في الصناعات العسكرية نتيجة لاهتمام القائد بالعلم، وتقديره للعلماء، وفتح المجال لتطبيق الأفكار الجديدة.

4- هناك علاقة قوية بين أنواع القوة، فقوة الدولة ترتبط بقوة المجتمع والفرد، والقوة الصلبة ترتبط بالقوة الناعمة، وتقوم القوة الذكية على التنسيق بين كل أنواع القوة.

5- إن القيادة التي تمتلك الخيال التاريخي تستطيع أن تستخدم بصيرتها في استشراف المستقبل، وتربط الإنجازات التي تحققها بالتجربة التاريخية للدولة؛ لذلك يصبح التاريخ مصدر قوة للدولة.

لقد تمكن أردوغان من أن يطلق في تركيا ثورة عقول ليبني المستقبل، وليحقق لتركيا القوة الصلبة والناعمة والذكية والمكانة العالمية والإقليمية.. فهل يمكن أن يستفيد قادة العالم الإسلامي من دراسة التجربة الأردوغانية؟

المصدر : الجزيرة مباشر