الشيخ الشعراوي.. والمسرحية المزعومة

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ الشعراوي

انتفضت الفضائيات، والمواقع الصحفية المصرية، واعلنتها حربا بلا هوادة، على وزير الأوقاف المصري (سابقا) الشيخ محمد متولي الشعراوي (1911- 1998م) الموصوف بـ “إمام الدعاة”.. أغرقوه بالسهام تجريحا وتشويها وتشنيعا، في مرقده الأبدي، لا يملك من أمره شيئا. قامت الدنيا ولم تقعد، على خلفية عزم المسرح القومي، تقديم مسرحية عن سيرته وحياته، وهو ما أثار حفيظة “الأزهر الشريف”، الذي تصدى للدفاع عن الشعراوي عبر منشور على صفحته بموقع فيس بوك، وكذلك دافع عنه الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق، واحتد الجدل الشديد بين محبي الشيخ- وهم الأغلبية-، ومنتقديه.

 أوصاف لا تليق.. دعوات لمصادرة ومنع المسرحية

في مداخلة هاتفية، مع فضائية “القاهرة والناس”، نفت وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني وجود أي خطط لتجسيد شخصية “الشعراوي” على المسرح، لافتة ًإلى أن لها عليه تحفظات كثيرة.. هكذا تعميما دون تفصيل. المهاجمون إعلاميا، و”نقاد في الفن” انهالوا قدحًّا وذمًّا في الشيخ، رافضين عرض مسرحية عنه، ورموه بالتخلف والرجعية وما شابه من “أوصاف” لا تليق، وتفتقد المصداقية، وتتسم بأنها كلمات عامة ومجردة، لا تعني بالضرورة أن قائليها قرأوا الشعراوي جيدا، أو لديهم رد على رؤاه وأفكاره. دور هؤلاء النقاد، تقييم تقنيات ومكونات “العمل الفني أو المسرحي”، سيناريو وحوار وأداء وإخراج، بعد “العرض”، دون استباق، وليس الدعوة مع الإعلاميين لمصادرته ومنع عرضه.

 مجرد خواطر.. وتوصيف أبو إسحاق الحويني

بحسب توصيف الشيخ الشعراوي نفسه، فإن ما يقدمه مجرد “خواطر لا تعني تفسيرا للقرآن، وإنما هي هبات صفائية تخطر على قلب مؤمن، ولو أن القرآن يُمكن أن يُفسر، لكان رسول الله أولى بتفسيره”.. وفقا لتوصيف الشيخ أبو إسحاق الحويني، فإن “الشعراوي” رجل جيد جدا في توصيل المعلومة وتفهيم العامة. الشيخ الشعراوي، أتيحت له فرصة الحضور التلفزيوني المكثف، في عصر كان “التلفزيون” في قمة المجد، تميزا لبرامجه، وتنوعا، وكفاءةً عاليةً للعاملين فيه، إعدادا وتقديما، وضيوفا لهم وزنهم وقيمتهم الثقافية والعلمية العالية.. كما لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي، قد ولدت بعد.

أول إطلالة..  والرئيس المؤمن

في أول إطلالة له على الشاشة، عام 1973م، نزل “الشيخ الشعراوي” ضيفا على البرنامج الديني التلفزيوني الشهير وقتها “نور على نور”، تقديم أحمد فراج، وهو من أبرع وأمهر المذيعين تقديما وحوارا، ولاحقا، تم تخصيص أوقات ثابته أسبوعية له، لتقديم خواطره. كان ذلك إبان حكم الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1918- 1981م)، الذي تولى رئاسة مصر خلفا للرئيس جمال عبد الناصر المتوفى في 28 سبتمبر/ أيلول 1970م، وظل حتى مقتله بيد تنظيم الجهاد يوم 6 أكتوبر/ تشرين 1981. “السادات”، رفع شعار العلم والإيمان، واستحسن “الرئيس المؤمن” لقبًّا له، وأطلق العنان للجماعات الإسلامية، للتغلغل في الجامعات، والنقابات والجمعيات وغيرها، قاصدا ضرب “اليسار” الداعم لسلفه عبد الناصر وتحجيمه، .. تزامن هذا مع شيوع مناخ التدين، والمظاهر الشكلية للتدين لدى الكثيرين، مع عودة مصريين كُثر من الخليج.

 المناخ.. وفتاوى مثيرة للجدل.. ونكسة 1967

في هذا المناخ المؤثر حتما، جاء ظهور “الشعراوي”، وانتشاره تلفزيونيا بكثافة مرغوبة، وكان لديه ما يقوله، من الخواطر الشارحة للقرآن الكريم، لما يمتلكه من قدرات لغوية ومهارات بلاغية، وثقافة واسعة وتعليما أزهريا، وغيرها مما أعانه على استمرارية الحضور، والتأثير، حتى مماته (1998م)، في “عصر” الرئيس الراحل حسني مبارك (1981- 2011م)، وبعده، حتى يومنا هذا.
للشعراوي، فتاوى وآراء، مثيرة للجدل والخلاف بين الفقهاء أنفسهم، وهذا طبيعي، فكلٌ يؤخذ منه ويُرد عليه، فالرجل ليس مُقدّسًّا، ولا معصومًّا، ولا هو ادعى ذلك، ولا فتاويه مُلزِمة لأحد.. مثال، فتاويه، بتحريم التبرع بالأعضاء، وتحفُظاته على خروج المرأة من المنزل، إلا في غياب العائل، وللضرورة، ورأيه بأن “غير المحجبة”، تعرض نفسها على الرجال.
كان لـ “إمام الدعاة”، مواقف يصعب الدفاع عنها، مثل إعلانه ذات مرة أنه سجد لله شكرا، حينما علم بـ هزيمة أو “نكسة 1967م”، مُتعللا بأن “مصر” كانت في أحضان الشيوعية، في إشارة إلى دعم الاتحاد السوفيتي المُتفكك عام 1991، والذي حلت محله روسيا.. لم تكن مصر شيوعية بل اتخذت “الاشتراكية” نهجا، لتحقيق كفاية الإنتاج وعدالة التوزيع. نكسة 1967، التي سجد الشعراوي فرحا وسعادة بها، هي حرب الأيام الستة التي اندلعت يوم 5 يونيو/ حزيران 1967، وتمكنت إسرائيل فيها من هزيمة مصر، وسوريا، والأردن.. قبل أن تثأر مصر من إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وتهزمها وتحطم أسطورة “جيش إسرائيل الذي  لا يُقهر”.

المسرحيات ليس وسيطا فنيا مناسبا لتجسيد حياة إمام الدعاة

عودة لـ “المسرحية” عن سيرة وحياة الشيخ الشعراوي.. ظني أنها “مسرحية مزعومة”، ولا وجود لها من الأساس، وأنه ربما تم اختراعها لتكون مُجرد مُفجر لكل هذا الهجوم على الرجل، فـ “المسرحيات” ليست وسيطا فنيا مناسبا، لتجسيد سيرة وحياة علامة بوزن إمام الدعاة، فسيرته تحتاج إلى بناء ديكورات كثيرة جدا لمراحل الحياة ومحطاتها، منذ نشأته وحتى مماته، أو على الأقل “المحطات المهمة”، وهي كثيرة جدا في حياة الشيخ. ذلك أن “المسرح” بطبيعته ومساحته المحدودة، لا يتسع لديكورات كل هذه المسيرة الثرية للشعراوي، فالمسلسلات هي  الوسيط الفني الأكثر ملائمة، مثلما تم تقديم مسلسل “إمام الدعاة” عن حياة الشيخ الشعراوي، يليها الأفلام أيضا، وإن بدرجة أقل.

محاسن “الشعراوي” يصعب حصرها، ولا ينال منها موقف هنا أوهناك.. مثلما أن هذا الهجوم الإعلامي المُتَكئ على “المسرحية المزعومة”، لا يمس مكانته في قلوب الملايين من محبيه.

رحم الله إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي.

المصدر : الجزيرة مباشر