المناهج الإسرائيلية لمدارس القدس.. والأفاعي السامة

عوفوديا يوسف

ليس جديدا على دولة الاحتلال الإسرائيلي، سعيها لفرض مناهج دراسية إسرائيلية على المدارس الفلسطينية في القدس الشريف، فالواقع أن هذا يحدث منذ بداية احتلالها للأراضي الفلسطينية، وحتى الآن، وفقا لخطة تربوية واضحة المعالم والتفاصيل.

وقد شهد الأسبوع الماضي، إضرابا لنحو 150 مدرسة فلسطينية في القدس الشريف، تضم قرابة مئة ألف تلميذ، حيث أُغلقت تلك المدارس في وجوه تلاميذها، نتيجة إصرار الاحتلال الإسرائيلي على فرض مناهجه الدراسية، التي يراها مُحققة لأهدافه، ومروجة لرؤيته ورواياته بما تتضمنه من أكاذيب حول الأراضي الفلسطينية، وهمجية المواطن العربي.

محو الهوية الفلسطينية والعربية.. صفحات بيضاء بكتب الدراسة

تتعدد أنواع التعليم في القدس، فهناك مدارس تابعة لوزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، وأخرى أهلية تابعة لشركات. وهي كلها خاضعة للمناهج الإسرائيلية بالفعل، ولا يبقى لمناهج السلطة الفلسطينية سوى مدارسها، والأوقاف الإسلامية، والأونروا (وكالة غوث اللاجئين). ويعمل “الاحتلال الإسرائيلي” على محو الهوية الفلسطينية والعربية عن الأراضي العربية المحتلة، منذ قدومه عام 1948 واستكمال احتلال فلسطين عام 1967، وأراضي عربية أخرى، فهو لا يدخر جهدا في هذا السياق، بكافة “الطرق والوسائل”، ومنها تسليم الكتب للأطفال، وبها صفحات بيضاء، بعد محو محتواها الذي لا يرتضيه الاحتلال. ويُعد “التعليم” أهم هذه الوسائل المُستغلة إسرائيليا، لتحقيق أهداف “الاحتلال” الخبيثة، بفرض المناهج الإسرائيلية على “المدارس الفلسطينية”، لتربية الطفل الفلسطيني وتنشئته وتشكيل شخصيته وسلوكه، بما يحقق له أهدافه في تهويد القدس، والأراضي المحتلة عموما، ومحو أي أثر للعرب فيها، وإنكار وجودهم التاريخي بأرض فلسطين.

شخصية الفرد.. عنصري أم العكس؟

وذلك لأن التعليم هو أهم وسيلة تربوية على الإطلاق، لتكوين شخصية “الفرد”، واتجاهاته وقيمه ووعيه وثقافته، وتنشئته اجتماعيا، كي يكون قادرا على التكيف مع المجتمع، وهو الأداة الفعالة لنقل المعارف والمعلومات والثقافة والعادات والتقاليد، ويمكنه استهداف محو العنصرية والتفرقة والكراهية في أي مجتمع. هذه المكونات جميعا لـ”العملية التعليمية” في الصغر، وما ينتج عنها، هي نفسها المُحرك والمُتحكم في سلوك الفرد، والكاشف عن قدراته وهواياته وصانعة طريقة تفكيره، واتجاهاته، ووعيه وأفكاره، وما إذا كان مُحبا للغير وللسلام، أو عنصريا كارها للآخر ميالا إلى العنف. إن التعليم في المدارس، يُطلق عليه مُسمى “التربية المقصودة”، لأن أهدافه محددة ومرسومة بدقة، وتكون نتائجه على “سلوك الفرد” معلومة مُسبقا، فالأهداف تشمل ما إذا كنت تريد الفرد المتعلم في مستقبله، متعاونا أو منافسا، مسالما أو عنيفا.. عنصريا أو العكس، وهكذا.

الفرد العربي همجي وجبان ومُخرب.. الفلسطيني غير موجود

وفقا للأبحاث المتخصصة، تهدف رسالة التربية الإسرائيلية، من خلال تهويد المقررات الدراسية، إلى وصول المواطن العربي إلى فكرة التخلي عن هويته الفلسطينية والعربية، إذ تصنع الكُتب المدرسية الإسرائيلية صورة “الفرد العربي” على أنه إرهابي ومخرب، وهمجي وجبان، مقابل صورة معاكسة تماما للإسرائيلي، فهو البطل، المسالم، المُتحضر، والمثالي. لا تأتي المناهج الإسرائيلية أبدا على ذكر كلمة فلسطين، فـ”الأراضي الفلسطينية المحتلة” فيها هي “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، أي أنها أرض إسرائيل، منذ القدم، بالتوازي مع إنكار الوجود العربي.. أما الفرد الفلسطيني، فلا وجود له نهائيا، ويتم الاستعاضة عنه بـ”العربي”، مقرونا بأبشع الصفات والأوصاف.

 العرب وصورتهم.. وترويض المناهج العربية

هذه “الصورة” القاتمة والمشوهة لـ”الفرد العربي”، التي تنكر هوية المواطن الفلسطيني، سارية على العرب جميعا، ومعتمدة في المقررات الدراسية، للمدارس الإسرائيلية والفلسطينية. لقد نجحت دولة الاحتلال الإسرائيلي، مستعينةً بالضغوط الأمريكية بداية على مصر والأردن، في ترويض المناهج الدراسية في بلاد العرب، لتحسين صورة “الإسرائيلي” في أذهان النشء، وتخفيف نبرة العداء نحوه. بدأت مصر هذا المسار مبكرا، تمشيا مع “اتفاقية كامب ديفيد” التي عقدها الرئيس الراحل أنور السادات، الموصوفة بأنها “معاهدة السلام”. وقد سارت دول عربية عديدة على هذا المنوال، وقامت بحذف انتقادات اليهود، وهو منحى جيد أن تتم تنشئة الأطفال دون إكسابهم مشاعر العداء والكراهية للغير، شريطة التزام هذا الغير بنفس النهج.

الجغرافيا والتاريخ.. والهيكل ومملكة يهودا التوراتية

وفقا لدراسات كثيرة عربية وأجنبية، فإن صورة “العرب” في مقررات الجغرافيا والتاريخ وغيرها من الكتب التعليمية الإسرائيلية، تتلخص في أنهم: ناكرون لجهود اليهود في إعمار وازدهار البلاد.. بدائيون متوحشون يسهُل تحريضهم، لا يحبون النظافة.. خونة، جبناء، مُهملون.  أما الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهي: أرض الميعاد أو أرض إسرائيل الموعودة، لأنها “أرض بلا شعب”، وهي امتداد لمملكة يهودا التوراتية.. كما تنفي المقررات الدراسية الإسرائيلية، ألفي عام من وجود العرب وحضارتهم على الأراضي الفلسطينية.. كما أن المسجد الأقصى هو بالنسبة لهم “الهيكل”، أو المعبد اليهودي الأول الذي بناه الملك سليمان.

 الحاخام اليهودي.. والأفاعي السامة

إذا التفتنا إلى “الإعلام الإسرائيلي” قليلا، باعتباره عنصرا ثقافيا مُكملا للتعليم، فيكفي استرجاع مقولات وعظات وخُطب الحاخام المتطرف عوفاديا يوسف، وهي موضع احتفاء في حينه، للصحافة، والفضائيات الإسرائيلية بثا مباشرا، فالعرب أفاعي سامة، وثعابين سامة وأشرار يجب قتلهم.. خطورة مقولات هذا الحاخام، كرجل دين، وتأثيرها على أتباع ديانته، لا تحتاج إلى بيان.

ومُهم أن تسعى “الدول العربية” بكافة السُبل، لإلزام الاحتلال الإسرائيلي بمحو الصورة السيئة والمشوهة للعربي من المناهج الإسرائيلية، مثلما فعلت بمناهجها من تخفيف العداء والانتقاد للإسرائيليين. إن “المناهج المدرسية” الإسرائيلية، ومع التسليم بخطورتها، لن تفلح في محو الهوية الفلسطينية والعربية عن فلسطين وسكانها في نفوس النشء. تكفي الأعمال العدوانية اليومية التي يقترفها جيش الاحتلال من قتل، وتوحش، وهدم للمنازل وتشريد للنساء والأطفال، والاعتداء عليهم، لتعرية حقيقته العنصرية البغيضة، ومُراكمة براكين من الغضب لدى الفلسطينيين، بما يشكل الخطر الأكبر على هذا الكيان الغاصب، الذي سيزول يوما ما.

المصدر : الجزيرة مباشر