أزمة في السلفادور.. هل يترشح الرئيس للمرة الثانية؟!

الإعلام الأمريكي يحذر الفتى المتمرد.. ولهذه الأسباب تدخل واشنطن على الخط!

رئيس السلفادور لحظة اعلانه الترشح لولاية ثانية في 15 سبتمبر/أيلول الجاري

أحيت جمهورية السلفادور الأسبوع الماضي ذكرى استقلالها، على غرار غواتيمالا ونيكارغوا وهوندوراس وكوستاريكا يوم 15 سبتمبر/ أيلول من كل سنة، تزامنا مع تاريخ توقيع هذه البلدان، معاهدة استقلال بلدان أمريكا الوسطى من قيود الامبراطورية الإسبانية منذ قرنين من الزمن. وكان الموعد هذه السنة، مناسبة لم يُفوّتها الرئيس السلفادوري نجيب بوكيله لإعلان إعادة ترشحه للرئاسة للمرة الثانية على التوالي، وسط تهليل محلي وامتعاض دولي لاسيما من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي حذرت من الانتهاك الدستوري الذي يسعى إليه هذا الرئيس الشاب المتمرد.

قد يبدو خبر إعادة ترشح رئيس ما للمرة الثانية على التوالي، أمرا عاديا، نظرا لأنه حق دستوري في أغلب بلدان العالم، لكنه ليس كذلك في جمهورية السلفادور، أو بالأحرى محلّ خلاف حادّ. فدستور 1983 لهذا البلد ينصّ في مادته الـ 152 على أنه لايمكن للرئيس الترشح للمرة الثانية على التوالي، زد على ذلك أن المادة 88 تنص على أن الجيش مدعو للتمرد في حال إقدام رئيس ما على هذا القرار، مع وجود تفاصيل قانونية أخرى يصعب شرحها.

لكن من الواضح أن الرئيس الحالي نجيب بوكيله كان متربصا بهاتين المادتين، وجهر برغبته في الترشح للرئاسة القادمة في 2024، مباشرة بعد إلقاء الخطاب الثالث له لذكرى الاستقلال أمام ممثلي البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية المعتمدة في السلفادور ولفيف من الشخصيات السياسية وممثلين عن الشعب. وبدا من خلال مقطع الفيديو يومها، المُعدّ بعناية فنية فائقة، أن الخبر نزل كالبُشرى التي اهتزت لها الصفوف الأولى (الحليفة بالطبع) مهلّلة غبطة وسرورا، وأغفلت الكاميرا تعابير وجوه بعض الحاضرين من الضيوف الأجانب. وليس هذا بغريب في بلد يحكمه رئيس مشهود له بخبرته وتربعه على عالم الدعاية في بلده قبل توليه المنصب الحالي. جدير بالذكر أن الرئيس بوكيله، حرص خلال الخطاب المذكور، على رفع نبرة الاعتزاز بالنفس والفخر بسيادة بلده، رغم التضييقات المالية الأخيرة خاصة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتضاعف اتهاماته بالنزعة الديكتاتورية، وخصّ القائمة بأعمال السفارة الأمريكية في السلفادور بكلمات لاذعة، مفادها أنه ليس لبلدها من حلّ سوى التحمّل والصبر على ما يحصل في السلفادور، باعتبار أن الإدارة الأمريكية غير راضية على أداء بوكيله!!! كل ذلك حدث وهي تنصت بصمت مع الحضور.

الإعلام الأمريكي على الخط

من جانبها، تجندت وسائل الإعلام الأمريكية الناطقة بالإسبانية، وعلى رأسها السي أن أن، وتحديدا من خلال برنامج فرناندو ديل رينكون، ذائع الصيت، والمُكلف دائما بالتنكيل بزعماء وأنصار اليسار اللاتيني وأي شخصية تسول لها نفسها الدعوة إلى سيادة الدول والتمرد على القرار الأمريكي، الذي نصب نفسه وصيّا على الدول الضعيفة. وكان ديل رينكون منتشيا بإعادة نشره لمقابلة تلفزيونية لنجيب بوكيله قبل توليه الرئاسة يشرح فيها لمستضيفه أن الدستور السلفادوري لايسمح بإعادة ترشح الرئيس لولاية ثانية على التوالي. وتساءل ديل رينكون هل ستتمرد على الدستور سيدي الرئيس؟؟

في الحقيقة، لم يكن إعلان بوكيله على قدر من المغامرة أو ربما الاستهتار الذي يتوقعه البعض، لكن الرجل استعدّ لهذه المرحلة بشكل جيد، وإن كان الاستعداد هنا يحتمل النقد الكثير، إذ إنه تمكن خلال السنوات الثلاثة ونيف من اعتلائه الرئاسة، من تطويع تركيبة الهيئات الدستورية الاستراتيجية لصالحه، من خلال إحداث تغييرات في حركة القضاة بالشكل الذي يجعل مجالسها ذات أغلبية حليفة، وهو إجراء جلب له سُخط المنظمات الحقوقية الدولية، وحذّرت بعض الحكومات من ولادة ديكتاتور جديد. والمؤسف أن غرور بوكيله وثقته العالية بنفسه وبرؤيته السياسية جعلته يتندّر باللقب بشكل يوحي ضمنيا بالانتشاء والنرجسية، لدرجة أنه عرّف بنفسه ذات يوم على حسابه في تويتر “ديكتاتور السلفادور”، ثم عدّلها “أروع ديكتاتور في العالم”.

ومن بين هذه الهيئات، نذكر المحكمة العليا ذات الأغلبية الحليفة، التي قامت في مايو الماضي بإدخال تعديلات على بعض نصوص الدستور (وهو ما يجوز لها قانونيا في السلفادور)، بشكل أحدث ثغرة قانونية، تلقّفها بوكيله واستخدمها كأداة قانونية لصالحه. ويقول بعض المعارضين إنها صفقة متفق عليها، منذ تحرير المادة، في الوقت الذي يرى فيه آخرون، أنه خطأ غير مقصود. وتذكر المادة القانونية الجديدة، أن الرئيس بإمكانه الترشح لولاية ثانية على التوالي، لكن بشرطين: الأول رهين رضا أكثر من نصف الناخبين على أداء الرئيس، وهو مايتوفر في بوكيله حسب استطلاعات الرأي التي تعكس 80% في الوقت الحالي. أما الشرط الثاني فيتعلق بانسحاب الرئيس من المنصب لمدة ستة أشهر قبل موعد الانتخابات القادمة، وتعويضه بنائب الرئيس في تلك الحالة، وهو مايمكن القيام به حسب تصريح الرئيس ونائبه الأسبوع الماضي.

الفتى الأنيق

بهذه الخطوة الجريئة، يبدو الرئيس بوكيله واثقا جدا من قدرته على إحداث التغيير في السلفادور، رغم صعوبة المهمة استنادا إلى المعطيات المتوفرة في واقع البلد، على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والأمني. إضافة إلى مغامرة اعتماد العُملة الرقمية (بيتكوين) كعملة رسمية موازية في البلاد، بهدف تشجيع السياحة لجمهور العملات الرقمية من كافة أنحاء العالم، باءت بالفشل نظرا لأن العملة فقدت 60% من قيمتها منذ قرار اعتمادها في السلفادور في يناير 2021 حتى الآن لأسباب تتعلق بالتغيرات الجيوسياسية الدولية. ورغم كل هذا مازال بوكيله حريصا على الخروج على الشاشات وعلى حساباته في شبكات التواصل الاجتماعي بمظهر الرئيس الفتيّ الأنيق جدا والوطني الذي سيُحدث المعجزة السلفادورية، ويكون بذلك “المنقذ” من الفقر والجريمة، كيف؟ لا أحد يعلم، حتى أولئك الواثقون جدا في ضرورة استمراره في الحكم.

المصدر : الجزيرة مباشر