“مقتنيات الملك رمسيس الثاني”.. هل كان سفرها إلى سان فرانسيسكو لازما؟

رمسيس الثاني

“معارض القطع الأثرية” الفرعونية وغيرها لعصور قديمة، التي تجوب العالم منذ عام 1976، في رحلات شاقة، تثير تساؤلات مهمة عما إذا كان استمرارها، هو الأجدى ترويجا للحضارة المصرية العظيمة وآثارها.. أم التوقف، واللجوء إلى بدائل دعائية أخرى أكثر حداثة ونفعا وعائدا للسياحة المصرية، ودون مخاطر على سلامة القطع المعروضة وأمانها؟ مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، تشهد حاليا عرضًا لـ 118 قطعة أثرية بمتحف “دي ينج” للفنون، باسم “رمسيس وذهب الفراعنة”، خطفت الأبصار وأبهرت الرواد.. “القطع ” تنتمي إلى عصر “الملك رمسيس الثاني” الذي حكم البلاد لمدة 67 سنة (متوفي عام 1213 قبل الميلاد)، والمنتصر في كل حروبه وأشهرها معركة قادش (موقعها في سوريا) ضد الحيثيين.

تماثيل آلهة وتوابيت.. ورحلات افتراضية لما قبل الميلاد

“المعرض”، مقام منذ 18 أغسطس/آب الماضي، ومستمر حتى 12 فبراير/شباط المُقبل، ويشمل سردا بالفيديو، ورحلات افتراضية عبر الزمن لما قبل 2300 عام، وتحكي قصة وتاريخ “الملك رمسيس الثاني”. يحوي المعرض بعض مقتنيات الملك رمسيس، وتماثيل طيور وآلهة معبودة، وأدوات تجميل، وتوابيت ترجع لعصر ملوك “تانيس” (صان الحجر– مركز الحسينية حاليا شرق القاهرة)، وكانت عاصمة مصرية قديما. هذه القطع الأثرية المهمة تخوض رحلة شاقة، حيث سبق عرضها بمتحف “هيوستن” الأمريكية للعلوم الطبيعية، لمدة تسعة أشهر، بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كما أنها ستنتقل بعد انتهاء مدة عرضها بسان فرانسيسكو إلى باريس عاصمة فرنسا، وبعدها إلى مدينة سيدني الأسترالية.

رواية عالم المصريات والقناع الذهبي للملك توت عنخ آمون

طبقا لرواية عالم المصريات ووزير الآثار السابق زاهي حواس، فإن عرض قطع أثرية فرعونية بالخارج، بدأ عندما كان مفتشا لمنطقة أهرامات الجيزة منتصف السبعينات، ورتب مقابلة وقتها مع رئيس هيئة الآثار فؤاد العرابي، لابنة الثري الأمريكي (إي ماجن)، وزوجها بعدما تعرف عليهما، للتفاوض على عرض آثار “الملك توت عنخ آمون” في عدة مدن أمريكية، وهو ما تم بالفعل عام 1976، بسفر 55 قطعة من آثاره، بينها القناع الذهبي له (المصري اليوم 6/9/2022).  لكن.. هل عرض الآثار المصرية الفرعونية لأعظم الحضارات الإنسانية على مدار التاريخ، هو الأسلوب الأمثل للترويج السياحي.. أم للقضية وجوه أخرى؟ المتحمسون لهذه المعارض الأثرية بالخارج ومنهم “حواس”، يرون أنها تروج لآثارنا، وجاذبة للسائح الأجنبي، ومصدر للنقد الأجنبي، وإن كانت المعلومات الدقيقة عن “العائد”، غائبة، كما إننا لا نعلم تكلفة المرافقين لهذه المعارض، وباقي المصروفات، وهل يتبقى عائد ملائم بعد ذلك، أم لا؟

أسفار “الفرعون الإنسان والملك الإله”.. والتغليف والخدوش للقطع الأثرية

هل الحجج المُبررة لتجوال آثارنا النادرة في العالم، كافية، على وجاهتها؟.. ألا يمكن لهذه الأسفار، جلب التلف والخدوش لبعض القطع الأثرية جراء التغليف والحركة والتنقل من دولة إلى أخرى في رحلتها بالخارج؟، ناهيك عن احتمالات السرقة والتزوير، فيما لو اقترف مرافقون لها إهمالا؟
لـ “زاهي حواس”، رأي مناقض تماما، لحماسه في عرض الآثار المصرية بالخارج.. إذ يعترض على نقل “القطع الأثرية” من مواقعها الأصلية، لتزيين الميادين والطرقات، ويرى بقاءها، فإن كان هذا متعذرا، فلتُنفل إلى المتاحف حفاظا عليها، وعرضها عرضًا علميًّا لتاريخها ووظيفتها، التي صُنعت من أجلها في العالم القديم (المصري اليوم 13/9/2022). في هذا السياق، فمنذ سنوات أُقيم معرض “الفرعون الإنسان.. الملك الإله”، في المنامة بالبحرين، وتبين من المعاينة عند انتقاله لفرنسا في محطته التالية، أن خدوشا طالت بعض القطع، نتيجة سوء التغليف والنقل، وهو ما دفع المجلس الأعلى للآثار وقتها إلى مطالبة شركة التأمين المعنية بمبلغ 255 ألف دولار تعويضا، فهل هذا المبلغ يعوض أثرًّا؟

أسرار مصر الغارقة والعجل أبيس والملكة كليوباترا.. وجلب العملات

هناك الكثير من النميمة، بشأن التلف الذي يطال بعض القطع في رحلات الخارج منذ بدأت، ويتم التكتم عليها خشية المحاسبة، أو التواطؤ، ونحن لا نتهم أحدا، ولا نتحدث عن معرضا بذاته. يتعذر حصر معارض الآثار المصرية بالخارج، وعوائدها المالية، لكثرتها.. منها “أسرار مصر الغارقة” عام 2016، لمدة عامين بفرنسا وإنجلترا وألمانيا، ويضم قطعا ترجع للعصور اليونانية والرومانية وغيرها، وتمثال “العجل أبيس” النادر والمقدس، و”عصر بناة الاهرامات” في ثمان مدن يابانية عامي 2016، و2017م، وعام 2008 بالولايات المتحدة الأمريكية لآثار “الملكة كليوباترا”، وغيرهم. في شأن أسفار آثارنا للخارج.. أليس الأنفع لجلب العملات الأجنبية، السعي لجلب السائح إلى البلاد، حيث تظل الآثار بالمتاحف، وفي أماكنها مُهابة، ساحرة، جاذبة، مع توفير الإرشاد اللازم والخدمات اللازمة للمناطق المحيطة بها؟. ما الذي يدفع سائحا أجنبيا للقدوم إلى مصر وتكبد مصروفات الرحلة، للاستمتاع بمشاهدة قناع الملك توت عنخ آمون وكنوزه مثلا، ما داموا قد نُقلوا إليه حيث يقيم؟.. لعلنا نتذكر أهمية التليفون الأرضي في المنزل والعمل، فهل ظلت له نفس المكانة بعد أن صحبتنا التليفونات الجوالة في متناول أيادينا أينما كنا؟

منصات رقمية وجولات افتراضية ثلاثية الأبعاد

ما البديل إذن لسفر القطع الأثرية للتجول بالخارج؟ من الملائم إنشاء شركات علاقات عامة، لتكون كيانات تسويق وترويج للمقصد السياحي المصري في الخارج، وتراعي رغبات السياحة الوافدة، من خلال مكاتب بالخارج، بأساليب متطورة حديثة، وتنشأ بالشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص المعني بالسياحة. من المُهم توفير منصات رقمية على الأنترنت، وبث جولات افتراضية في المواقع الأثرية، ونقل قصص محتوياتها مجسمة، ومثل هذه الجولات لها سحر وجاذبة للسائح، حيث يتعرف من خلالها على الأثر بأبعاده الثلاثة، وتاريخه وقصته عبر التاريخ.

نسأل الله السلامة لمصر المحروسة.

المصدر : الجزيرة مباشر