الفنانة ميرفت أمين والتنمر.. ورذائل وسائل التواصل الاجتماعي

الفنانة ميرفت أمين في عزاء المخرج علي عبد الخالق

السخرية اللاذعة التي انهالت على الفنانة المصرية ميرفت أمين، عبر صفحات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام القليلة الماضية، كشفت عن انحطاط أخلاقي للكثير من الأفراد شبابًا وكبارًا، سخريةً من علامات الحُزن وبصمات الزمن التي طالتها بفعل التقدم في العمر (74 سنة)، أثناء وجودها في سرادق عزاء المخرج علي عبد الخالق (مولود عام 1944م)، المتوفى منذ أيام. لقد خلقت مواقع التواصل، “واقعًا مغايرًا” عما كان مألوفًا قبلها، فلها والشبكات الإلكترونية عمومًا، قوانين وشروط، وتداعيات على الجميع سلبًا وإيجابًا، بحسب درجة “الوعي” لدى المجتمع، وأفراده، فكلما كان الفرد واعيًا، أجاد تعظيم الانتفاع بها، سرعةً في التواصل، وسهولةً في التزود بالمعلومات والمعارف والعلوم، التي صارت متاحةً على هاتفه الجوال أو حاسوبه الشخصي.

محاكاة الغير والأفكار والآراء المُعلبة

مشكلة “تدني الوعي” لكثيرين من أفراد مجتمعنا، أظهرت أسوأ ما فينا من “قيم رديئة” على الصفحات التواصلية، لتنقلب لاحقاً، “سلوكًا عمليًا” في الحياة الفعلية، فكثيرون من روادها يشاركون (عمل شير)، آراء وأفكار وأخبار منشورة، “محاكاةً وتقليداً” للغير، دون فحص مضمونها، وما إذا كانت سليمة من عدمه، ودونما تعقل، اختيارًا للصالح وتركًا للطالح. التقليد راحة للعقل من التفكر والتدبر، وهو صفة مميِزة لـ “المشاركين” دون تمحيص، فهم يميلون لتبني الأفكار والآراء “المُعلبة”، فهي جاهزة، تُغني عن بذل أي “جُهد عقلي” قد لا تتوافر مهاراته أصلًا. هؤلاء لديهم ما يُسمى “قابلية للاستهواء”، أي الميل للانقياد وتقبل وتصديق الغير، وتبني ما يُملى عليه أو يتلقاه دون تيقن، ظنًا منه بصواب ما يتلقاه، وهذا الظن، اختيار عاطفي غالبًا وليس عقليًا.

المشاهدات والأرباح وآلام الناس وهفواتهم

الباحثون عن الشهرة، وغيرهم، المتاجرون بآلام الناس، وهفواتهم، سعيًا للربح (أحيانًا)، يجيدون اللعب على الأوتار النفسية لهذه النوعية “المنقادة”، فتزيد المشاهدات والمتابعات، ومن ثم الأرباح.. لا سيما، أن حرية التناول تمنح أصحابها شعورًا بالتسلط والقوة، والتأثير في الآخرين. ذلك أن لدينا “نظام تعليمي” قاصر في أداء رسالته التربوية، لتكوين شخصية واعية، مستقلة غير منقادة، تمتلك رؤية وعقلًا منظمًا، مُدّربًا على التفكير العلمي، والفرز والاختيار، ويمتلك قيم التسامح، وعدم التمييز، واحترام خصوصيات الآخرين، أيًا كانت ظروفهم أو أعراقهم أو أجناسهم أو دياناتهم.

التنمر والفنانة ميرفت أمين.. والملابس لزوم العزاء

عودة للفنانة ميرفت أمين، وما حدث معها من سخرية وإساءات على صفحات التواصل.. إذ هي مجرد نموذج ذاع وانتشر وطرق أسماعنا لشهرتها وجاذبيتها كمحتوى، كون “الأسماء تصنع الأخبار”.. هذا النموذج للإيذاء النفسي يُسمى بـ”التنمر”، ويتكرر يوميًا مع غيرها، لكننا قد لا نسمع بهم، لفشل محاولات النشر على نطاق واسع، أو لكون الضحايا ليسوا نجومًا. معلوم أن “التنمر” على الفنانة أو غيرها، هو إساءة أو إيذاء متعمد، بوعي أو من دون، وقد يكون سبًا أو إهانة أو استغلال حالة ضعف للشخص المستهدف، وقد تكون في غفلة منه، أو أن يكون التنمر في حالات أخرى جسديًا، ضربًا أو ركلًا أو صفعًا من شخص لآخر، وكثيرًا، ما لا يملك ضحية التنمر فرصة الدفاع عن نفسه أو صد الإيذاء ودفعه. كانت “ميرفت أمين” تؤدي واجب العزاء في المخرج المصري علي عبد الخالق والتقط لها شخص ما صورة وهي ساهمة، حزينة في السرادق، وتظهر عليها “التجاعيد”.. انتشرت الصورة بسرعة البرق، مصحوبة بالتعليقات الساخرة المؤذية لإنسانية أي شخص، انتقادًا لها وشماتة وما شابه. هل كان الساخرون من حزنها ينتظرون منها وهي في سرادق عزاء، التزين بالمكياج الصارخ، وارتداء ملابس مثيرة لافتة، جذبًا للأنظار على شاكلة فساتين رانيا يوسف مثلًا، لزومًا للعزاء، وكأنها ذاهبة إلى حفلة ترفيهية أو مناسبة فرح؟ هل كانوا سيتركونها في حالها لو أنها فعلت عكس ما كانت عليه من حزن ظاهر، وملابس سوداء ملائمة للحداد؟.. أم كانوا سينهالون عليها تقريعًا وجلدًا بأنها لم تحترم سنها، ومناسبة الوفاة، وشعور الحُزن المسيطر على أهل المخرج المتوفى والأصدقاء، والزملاء (وهي منهم) الذين جمعتهم الأعمال الفنية؟.. لا أظنهم كانوا سيصمتون.

قوانين الزمن وبصماته.. ورذائل التواصل الاجتماعي

نأتي إلى السخرية من “التجاعيد” الظاهرة عليها في الصورة المتداولة، والتي دفعت المتنمرين إلى إشباعها نقدًا لاذعًا وسخرية، وإيذاء نفسيًا لها، وكأنهم ضباعًا وليسوا بشرًا.. ناسين أن للتقدم في العمر الزمن بصماته وتجاعيده. ألا يعرف هؤلاء أن مثل هذه التجاعيد طبيعية لكل من كان في عمرها أو أقل؟ ألا يعلم الساخرون أن للزمن قوانين تسري على الجميع إلا نادرًا، وأن الذي يطول عمره إلى هذا السن وربما أقل منه بكثير، ستظهر عليه مثل هذه التجاعيد وربما أكثر في سن مبكرة عن هذا السن المتقدم؟.. هل يملك الإنسان دفعًا لعلامات الزمن وتأثيراته وبصماته؟ لا تتوقف رذائل وسائل التواصل الاجتماعي على “التنمر”، وهو مسلك يضرب الأخلاق في مقتل، بل تتعداه إلى الترويج للشائعات والأكاذيب لاغتيال سمعة شخص ما أو فتاة، وتتويجهم القتلة أبطالًا في بعض الأحيان، بما يسفر عن تكرار جرائمهم تقليدًا أعمى، مثلما تكررت طريقة ومُلابسات ذبح “نيرة أشرف” فتاة المنصورة، وبعدها سلمى بهجت فتاة الزقازيق، وثالثتهم فتاة المنوفية، والتي انتحر زميلها القاتل. هذه التداعيات لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي تخضع لدراسات وأبحاث في شتى أرجاء العالم، بُغية حصار السلبيات وتعظيم الإيجابيات الناجمة عنها.. فماذا نحن فاعلون لتوعية شبابنا والمتعاملين مع هذه الوسائل، تجنبًا للرذائل، حتى لا نجد أنفسنا -إن استمر هذا الانحطاط الأخلاقي-، وقد استيقظنا بعد سنوات على انهيار تام للأخلاق، ومن ورائها المجتمع ذاته.

نسأل الله السلامة لمصر المحروسة.

المصدر : الجزيرة مباشر