كيف تصبح رائد فضاء في 11 دقيقة؟!

سارة صبري التي وصفها الإعلام المصري "أول رائدة فضاء مصرية"

 

لم تنته أكذوبة غادة والي التي سرقت رسوم الفنان الروسي، وقامت بتنفيذها في محطة مترو الأنفاق بكلية البنات في القاهرة، والتي تمت إزالتها بعد الفضيحة، حتى جاءت أكذوبة المهندسة سارة صبري بوصفها أول رائدة فضاء مصرية، وهو شيء مخالف للحقيقة جملة وتفصيلًا.

كل ما في الأمر أنها حجزت رحلة سياحية بتذكرة ذهاب وعودة لمدة 11 دقيقة فقط بعدها تعود إلى الأرض، هذه قصة سارة صبري باختصار، فلا هي رائدة فضاء، أو عالمة فضاء، أو مهندسة فضاء، وإنما مجرد أكذوبة صنعها الإعلام، مثل أكذوبة اللواء عبد العاطي مخترع جهاز تحويل الإيدز إلى “صباع كفتة” لعلاج المرضى، والذي سرعان ما تم اكتشاف كذبه.

سارة ووكالة الفضاء المصرية

وقد كتبت سارة صبري على صفحتها منذ شهرين أنها تشعر بالتواضع الشديد بسبب الدعم الهائل والتمنيات الطيبة التي تلقتها، وقالت إنه لشرف كبير أن تمثل مصر في قطاع الفضاء، وكذلك المرأة العربية في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

وقالت أعتقد أنه من الضروري توضيح بعض البيانات الواردة، وأخشى أن يكون لقب “رائد الفضاء المصري الأول” مضللًا، فأنا لست رائد فضاء رسميًا (حتى الآن).. أنا رائد فضاء تمثيلي، مما يعني أنني أقوم بتدريب ومحاكاة بعثات القمر والمريخ هنا على الأرض للتحضير لمهام مستقبلية إلى الفضاء!

علاوة على ذلك، على الرغم من أنني أساعد وكالة الفضاء المصرية EgSA في بعض المشاريع المثيرة، إلا أنني لست مستشارًا رسميًا لشركة EgSA، ولا يمكنني التحدث نيابة عنها.

ومما جعل الموضوع يأخذ منحنًى مهمًا هو إشادة وكالة الفضاء المصرية التي قدمت تهنئتها للمهندسة سارة عبر صفحتها الرسمية بـ”فيسبوك”، وقالت الوكالة خلال منشور “نبارك بكل فخر أول رائدة فضاء مصرية”، وهو ما جعل الأمر يتخذ شكلًا رسميًا وجادًا، حيث وصفها الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي بأنها مستشارة وكالة الفضاء المصرية، فبَدَا الأمر وكأنها شخصية علمية مهمة، لم لا؟ وقد أصبحت مستشارة لوكالة الفضاء المصرية مرة واحدة.

مجرد رحلة سياحية

الأمر يبدو يسيرًا جدًا.. لو كلف أحد نفسه عناء البحث على مواقع الإنترنت لاكتشف الحقيقة المضحكة، وهي أن سارة صبري مجرد أكذوبة صنعها الإعلام من كذبة تافهة.

فقد أعلنت شركة “Blue Origin” عن الطاقم الذي سيسافر في مهمتها “NS-22″، ومن ضمنهم المهندسة سارة صبري، وذلك برعاية مؤسسة Space for Humanity ضمن طاقم الرحلة الـ22 للشركة إلى الفضاء على متن صاروخها “New Shepherd”.

والأشخاص الستة هم، كوبي كوتون، ورائد الأعمال البرتغالي ماريو فيريرا، ومتسلقة الجبال البريطانية فانيسا أوبراين، وكلينت كيلي، والمصرية سارة صبري، وستيف يونج، ومن المقرر أن يحمل كل منهم بطاقة بريدية ليترك رسالته في الفضاء.

وهذه المهمة ليست مهمة استكشافية، أو مهمة لدراسة الفضاء، ولا تندرج ضمن رحلات الفضاء الدولية العلمية، فشركة “بلو أورجن” الخاصة المملوكة للملياردير الأمريكي جيف بيزوس، تأسست قبل 22 عامًا بهدف تقديم خدمة رحلات للفضاء.

وبحسب الموقع الرسمي للشركة فإنها تقدم لستة أشخاص سنويًا فرصة رؤية الأرض من الفضاء على متن مركبة “نيو شيبرد” في رحلة مدتها 11 دقيقة فقط، يسبقها تدريب للأشخاص الستة الذين يتم اختيارهم.

تذكرة بـ 10 ملايين جنيه

إذن فالرحلة أشبه برحلة سياحية، ولكن فريدة من نوعها، فهي ليست رحلة بحرية، أو ما شابه ذلك، ولكنها سياحة خارج الأرض بأكملها.

واللافت للنظر هو المبلغ الذي يتم دفعه نظير الحصول على مقعد من المقاعد الستة، وهو 450 ألف دولار، أي ما يقارب 10 ملايين جنيهًا مصريًا، ولكن عادة ما يقوم بعض الأشخاص بدفع المبلغ ليصبحوا مورّدين للأشخاص الذين سيسافرون للفضاء، ولا يمكن إطلاق لقب “رائد فضاء” عليهم.

وعلى سبيل المثال في حالة سفر سارة صبري المثير للجدل، فإن مقعدها برعاية منظمة “الفضاء من أجل الإنسانية”، وهي منظمة غير هادفة للربح ستتكفل بمصاريف رحلتها، وتحمل شعار “إلى الفضاء، من أجل الأرض”، وتقبل التبرعات لتنفيذ خطتها، وهي سفر البشر إلى الفضاء.

ولم توضح المؤسسة سبب دعم سارة صبري في رحلتها للفضاء، ولكن بالبحث في سيرتها الذاتية فإن سارة صبري هي مؤسسة مبادرة “ديب سبيس”، وستكون أول شخص يسافر للفضاء من مصر، ولكنها ليست رائدة فضاء، وكانت قد أكملت مهمة محاكاة القمر لمدة أسبوعين في محطة أبحاث LunAres في بولندا، وأكملت درجة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وماجستير في الهندسة الطبية الحيوية من بوليتيكنيكو دي ميلانو، وجميع هذه الشهادات لا دليل عليها، فربما تكون عبارة عن دورات أونلاين مجانية أو برسوم قليلة.

غير معترف بها

وهذه الرحلات غير معترف بها في وكالات علوم الفضاء، مثل وكالة ناسا، والأشخاص الستة ليس لديهم مخطط بحثي سيتم تنفيذه خلال الرحلة، ولن يكون لهم دور في قيادة مركبة الفضاء.

ويرجع مصطلح “السياحة الفضائية” والسفر الترفيهي في الفضاء إلى رحلة رجل الأعمال الأمريكي “دينيس تيتو” في 28 أبريل 2001 لكونه أول سائح فضاء في العالم، ومن هنا اكتسبت السياحة الفضائية مكانة مهمة.

وبدأت شركات الفضاء وشركات خاصة مملوكة لرجال أعمال في التنافس على تنفيذ رحلات فضائية سياحية، ومن بينها 6 شركات متخصصة في هذا النوع من الرحلات، كانت سببًا في سفر 800 شخص -حتى الآن-.

وكان عام 2021 عامًا مزدحمًا بالسياحة الفضائية الخاصة، وقام أكثر من 15 مدنيًا برحلات إلى الفضاء خلال هذا العام.

وأخيرًا.. أصبحت سارة صبري أكذوبة في زمن كثرت فيه الأكاذيب!

المصدر : الجزيرة مباشر