ما بين الجفاف والفيضانات.. من المسؤول؟!

فيضان باكستان

ما الذي يحدث في العالم؟! مفارقات عجيبة، حوادث تجتاح معظم الدول، أمراض، وأوبئة، حروب، جفاف يضرب أوربا والصين، ارتفاع كبير في درجات الحرارة، قلة سقوط الأمطار في أماكن من العالم، نضوب بعض منابع الأنهار في أماكن أخرى.

وعلى جانب آخر من العالم، تعاني بعض الدول من هطول الأمطار الغزيرة، وفيضانات، وانهيارات أرضية، كما أظهرتها الصور ومقاطع الفيديو المروعة، التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي لفيضانات كارثية في باكستان حصدت أرواح ما لا يقل عن 9 آلاف باكستاني، وأضرار جسيمة لعشرات الآلاف من المنازل، ليمسي آلاف الأشخاص من الشعب الباكستاني بلا مأوى، مما اضطر الحكومة الباكستانية إلى إعلان حالة طوارئ للتعامل مع الفيضانات الموسمية، في الوقت نفسه شهدت عدد من الدول العربية كالإمارات وسلطنة عُمان واليمن، هطول أمطار تراوحت شدتها ما بين الغزيرة والمتوسطة.

مما جعل الأمر يخرج عن الصورة المتوقعة حول تأثيرات المناخ في الدول الفقيرة، والاعتقاد السائد أن دول الشرق الأوسط والهند ودول شرق آسيا وحدهم، من يواجهون خطر ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وغيرها من عواقب الاحتباس الحراري.

مفارقات غير معتادة

هلّ هذا الصيف، حاملًا معه مفارقات غير معتادة من ارتفاع في درجات الحرارة، وقلة سقوط الأمطار في بلاد اعتادت على معدلات هبوط أمطار كثيرة، وانهيارات جليدية إلى جفاف الأنهار بشكل غير مسبوق، في العديد من أنهار العالم الكبرى مثل نهر كولورادو الواقع في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، وشمال غرب المكسيك، ويمتد خلال 7 ولايات أمريكية مختلفة وولايتين مكسيكيتين. موفرًا المياه لحوالي 40 مليون شخص، ويروي أكثر من 5 ملايين أفدنة من الأراضي الزراعية.

ونهر اليانجستي، الذي يطلق عليه (النهر الأزرق)، وهو أطول ممر مائي في آسيا، وأهم ممر مائي لاقتصاد الصين، حيث تنتقل السفن السياحية والعبّارات والقوارب عبره، كما أنه يحتوي على أكثر من 700 رافد يشكل كل منها جانبًا مهمًا من جوانب الاقتصاد الصيني، ويوفر مياه الشرب لأكثر من 400 مليون صيني، وهو أيضًا ثالث أطول نهر في العالم بعد نهر النيل والأمازون.

ونهر الراين أحد أهم الأنهار وأطولها في القارة الأوربية، ونهر الدانوب ثاني أطول نهر في أوربا بعد نهر الفولجا، الذي كشف انخفاض منسوب مياهه عن حطام لسفن من الحرب العالمية الثانية، بالقرب من مدينة براهوفو شرقي صربيا، قد غرقت، ولا تزال محمّلة بمخلفات من أسلحة الحرب، ويقال إن هذه السفن كانت جزءًا من أسطول البحر الأسود، الذي سافر عبر نهر الدانوب أثناء انسحابه من القوات السوفيتية في نهاية الحرب.

“أحجار الجوع”

انخفض منسوب نهر “إلبه”، أهم أنهار أوربا الوسطى، الذي كشف عما يسمى بـ “أحجار الجوع “، وهي عبارة عن صخور في مجرى الأنهار، لا يمكن رؤيتها إلا عندما تكون مستويات منخفضة، منقوشًا عليها عبارات تركها الناس في العقود السابقة لتكون بمثابة رسائل تحذيرية من العواقب الوخيمة، والمجاعات التي من المحتمل حدوثها، عندما يكون فيها هذا الحجر مرئيًا كما حدث في هذه الأيام، وأحد هذه النقوش، مكتوب عليه عبارة تحذيرية باللغة الألمانية “إذا رأيتموني، فابكوا”.

نتيجة لهذا الاختلال تدهورت إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتفاقمت حرائق الغابات، وزادت الوفيات المرتبطة بالحرارة الشديدة، إلى جانب العواقب الوخيمة على الحيوانات التي يمكن لبعضها أن ينقرض بسب التغييرات غير المناسبة التي قد تطرأ على بيئتها، إضافة إلى اضطرار بعضها إلى الهجرة لأماكن أخرى بحثًا عن بيئة أفضل.

على من يقع اللوم؟

تنخرط القوى السياسية في أنحاء العالم لمناقشة ظاهرة الاحتباس الحراري، وعلى من يقع اللوم في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وجفاف الأنهار؟

قد يستمر هذا النقاش طويلًا، وبصرف النظر عن المسؤول عن هذه الظاهرة، فإن الكارثة التي سببها السلوك الإنساني قد وقعت على الجميع، فالاستخدام السيئ للمواد الكيميائية، والمبيدات، وانبعاثات السيارات، ومداخن المصانع، والقتل الجائر للحيوانات، وقطع الغابات التي هي رئة الأرض، وغيرها من الأفعال هي أسباب من صنع البشر، حتى الجرائم الأخلاقية، والفساد، والرشوة، والقتل، والإيذاء، والحروب، والنزاعات العرقية كلها أفعال بشرية.

هل يعاقبنا الله بما كسبت أيدينا؟ هل يوجد شيء بأيدينا نفعله؟ أم فات الأوان لإنقاذ كوكبنا، ونبكي كما يقول النقش الألماني؟

أجد آية قرآنية في سورة الروم تتبادر إلى ذهني: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

يا ترى ماذا كان سيرى أجدادنا في هذه التغيرات المناخية؟ والآيات والأحاديث التي كانوا يرددونها في جنبات البيوت، والأسواق، تحثهم وتهديهم على تذكر عظمة الله في الطبيعة، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}، {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ}، {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}.

إن عدم احترامنا للطبيعة، ونزعتنا غير المتوازنة حيالها، هي خيانة للأمانة التي عرضت على السماوات والارض فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا.

المصدر : الجزيرة مباشر