فتاة الزقازيق الذبيحة.. لماذا يبث المتهم بقتلها صورة جثتها؟

الضحية والجاني

في جريمة جديدة صادمة، استفرد شاب بفتاة تدعى سلمى بهجت طالبة بكلية الإعلام في جامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية المصرية، وذبحها جهارا نهارا.. تُرى بأي ذنب قُتلت؟ لأنها وأهلها رفضوا المتهم بقتلها، خطيبا لها.. هكذا، وسط لا مبالاة المارة اكتفاءً منهم بالمشاهدة والتصوير. تماما على غرار جريمة نحر فتاة جامعة المنصورة نيرة أشرف قبل أسابيع قليلة، وللسبب نفسه تقريبا.. كأن قاتلها محمد عادل أصبح مثالا لأقرانه الشباب وقدوة.. المتهم يقتل سلمى، زاد، بأن وقف متفاخرا بـ”ذبح الفتاة” التي يزعم أنه يحبها، وكأنه قد أتى عملا بطوليا.. بل، وقام ببث صورة للفتاة وقد تحولت إلى جثة هامدة، على حساباته للتواصل الاجتماعي.

القاتل يهدد علنا ويبث صورة القتيلة مذبوحة

إذا كان قاتل نيرة أشرف، قد توعد ضحيته عبر وسائل التراسل الخاصة، ولم تفلح الجلسات العرفية، ولا الإجراءات القانونية المحدودة التي اتخذتها أسرتها في منعه من ارتكاب الجريمة، فإن المتهم بقتل سلمى في الحالة الجديدة، استبق جريمته بساعات، متوعدا لها، علنا على حسابه بموقع “إنستغرام” مع صورة لهما، بـ”نهاية بشعة” لها أمام الدنيا كلها، ومؤكدا عدم اكتراثه بالإعدام، في إشارة إلى المصير الذي ينتظره بعد قتل الفتاة، ودون أن يجد بين متابعيه، ناصحا يقنعه بعدم الإقدام على هذه الكارثة. في حالة نيرة أشرف، سارع موظفو أمن الجامعة وعدد من المارة بالإمساك بقاتل نيرة، (بعد إتمام جريمته).. أما الحالة الماثلة فإن “اللامبالاة” سيطرت على الشهود والمارة، فلم تمتد يد أحد لإنقاذ الضحية، ومنع إسلام محمد زميل الذبيحة، والمتهم بقتلها.. أتم هو خطته كما أراد، والتي يظنها بطولة، هادئا في انتظار حضور الشرطة.

رسائل القسوة والبشاعة والمحاكاة للمشاهد

مجددا، تدق جريمة فتاة الزقازيق أجراس الخطر، لمؤشرات غاية في الخطورة، تضع المجتمع أمام مسؤولياته، لما تعنيه هذه المؤشرات، من إمكانية تنامي هذه الحالات الشاذة، وتحولها إلى ظواهر يعتاد عليها الأفراد ويتعايشون معها بحكم التكرار، ويألفون رسائل القسوة والبشاعة التي تبعثها هذه المشاهد، ثم تجرى المحاكاة لهذه الحالات والتقليد، كأنها أعمال بطولية. هذه الحوادث مع غيرها مما قد يتشابه معها جزئيا، كما حدث قبل أشهر من قيام شاب بذبح آخر في الإسماعيلية شرق العاصمة المصرية، وفصل رأسه عن جسده، والتجول بها في الشوارع قبل أن تلقي الشرطة القبض عليه، وغيرها.. تستدعي استنفارا لحشد الإمكانات العلمية للدولة في المجالات المرتبطة، لإخضاع هذه الظواهر للتقصي والبحث، والفحص العميق لهذه التحولات، وتشريح هذه الحالات اجتماعيا ونفسيا وتربويا وجنائيا.

التشريح.. ومقابلة الباحثين للجناة قبل إعدامهم

إن هذا التشريح المأمول لهذه الحالات وإخضاعها لدراسات ميدانية وبحثية بواسطة علماء نفس الإجرام، والتربية، والاجتماع، والنفس التعليمي، وغيرهم من أهل الاختصاص، يمكن أن ينير الطريق للمجتمع إظهارا لمكمن الخلل، ومن ثم التوصل لنتائج محددة، وتوصيات، بما ينبغي من سُبل للعلاج، تدخل مباشرة حيز التطبيق دون إيطاء. تستلزم هذه الدراسات والفحوص إطلاع الفرق البحثية على ملفات هذه القضايا للوقوف على التفاصيل التي قد تكون مرت مرورا سريعا دون أن يتوقف أحد عند مدلولاتها ومخاطر تكرارها.

كما يجب أن يُتاح للفريق البحثي مقابلة الجناة ووضعهم تحت الملاحظة، وخاصة المتهمين المحكوم بإعدامهم قبل التنفيذ. إذ المعلوم أهمية مثل هذه “المقابلات” للباحثين وملاحظة سلوك الجناة، فهي تتيح للباحث التعرف عن قرب على شخصية الجاني ودوافعه الحقيقية، والكثير من المعلومات المتعلقة بـ”الجريمة” وميلاد التفكير فيها وكل الأسئلة المتولدة عنها، بما يضمن الدقة للدارس، ومن ضمان التوصل إلى نتائج سليمة يمكن البناء عليها للعلاج.

إشكاليات وأسئلة للتعاطي معها بجدية وسرعة

اجتهادا، وبعيدا عن الأبحاث والدراسات التي نأمل ألا تتأخر، فإن حادثي ذبح فتاة الزقازيق، ومن قبلها نيرة أشرف قبل أقل من شهرين، يفتحان أعيننا على الكثير من الإشكاليات والأسئلة التي يتوجب التعاطي بجدية وسرعة دون إبطاء، فهل ترجع هذه الجرائم البشعة وأشباهها إلى افتقاد المؤسسات المعنية لدورها في التربية والتوعية، وتراجع الدور التربوي للأسرة، بحكم انشغال أربابها أبا وأما في تدبير لقمة العيش، وترك الأولاد للإنترنت والشارع؟ هل ترتبط هذه الجرائم بانخفاض جودة التعليم، وغياب الدور التربوي للمؤسسات التعليمية، وتخريج أبناء فاقدين للوعي، وأسرى الانقياد لأي أفكار وخيالات مريضة؟ إذ إن الجانيين في جريمتي ذبح نيرة أشرف وسلمى بهجت، هما من طلاب الجامعة في مراحل الدراسة النهائية، فكيف يكون تفكيرهم بهذا القصور الفاضح، بحيث لا يدرك الواحد منهم العواقب في حالة نيرة، ويتفاخر كلاهما بالقتل، ويتولى الثاني تصوير القتيلة وبث الصورة تباهيا، ومعلنا مسبقا أنه غير عابئ بالإعدام الذي قد يكون مصيره؟

لماذا التشوش والخلط بين الجريمة والبطولة في عقول الشباب؟

لماذا وصل الحال بشبابنا أو بعض منهم، إلى هذا التشوش والخلط بين مفاهيم ومعاني الجريمة والبطولة، رغم البون الشاسع الذي يفصلهما؟ ومَن أدخل عليهما هذا الخلط الفاضح؟ هل هو غياب القدوة والنموذج، أم نظام التعليم والتثقيف القائم على الحفظ والتلقين ومحاكاة النص المقرر في الإجابة عن أسئلة الامتحان دون أي خروج عنه؟ إن من نتائج هذا النمط التعليمي تغييب الوعي وانعدام “التفكير الناقد” الذي من شأنه تقليب الأمر على كافة الوجوه، فيكون الناتج عمليا، هو “شخصيات” قابلة للاستهواء والسقوط في حبائل الجاهز من الآراء والأفكار المعلبة، والتقليد الأعمى للرسائل الإعلامية، ومثل هذه المشاهد والجرائم دون إعمال العقل. هل هو اليأس والإحباط يضرب التفكير والسلوك لدى الكثيرين، ويدفعهم إلى مناطق سوداوية، وما لا يُحمد عقباه من المسالك؟

إننا بصدد وقائع لا يجوز تجاهلها أو تركها تمر مرور الكرام، دون التوقف للدرس والتعلم والتصحيح لمسارنا وواقعنا.

نسأل الله السلامة لمصر المحروسة.

المصدر : الجزيرة مباشر