مبادرة منير ورفاقه.. في الحركة بركة!

إبراهيم منير

أثارت تصريحات نائب المرشد والقائم بالأعمال الأستاذ إبراهيم منير الأخيرة التي تتحدث عن أننا لن نتصارع على السلطة في مصر عاصفة من الانتقادات، بين أصوات المؤيدين وصراخ المحتجين والبيانات الهزلية لإثبات الوجود من الفاشلين. وفى الواقع فإن علينا أن نبصر طريقنا ونحدد أهدافنا، ونجيب عن الأسئلة التي يطرحها علينا الواقع السياسي الذي نعيشه، دون الالتفات إلى الضجيج غير المجدي، فكما يقولون “من يده في الماء غير من يده في النار”.

الوضع الراهن وصعوبة الحل

من الأسئلة الهامة التي على منير أن يجد إجابة عنها: كيف يحل مشكلة المعتقلين ويوقف مسلسل الإعدامات؟ والسؤال الثاني والأشد خطورة هو كيف يعيد ترتيب البيت من الداخل ويأخذ فرصة لالتقاط الأنفاس في ظل القبضة الأمنية الشديدة بالداخل، وفي ظل تجاهل دولي وتوقف الدعم من القوى الإقليمية المؤيدة له.

لكي نجيب عن تلك الأسئلة، علينا أن ندرك الواقع الدولي والإقليمي والداخلي الذي نعيشه الآن حتى نعرف كيف نمضي وفى أي اتجاه نتحرك.

عالميا؛ القوى الدولية الآن منخرطة في شبه حرب عالمية بين الغرب وروسيا والأحداث تنبئ بأن تلك الحرب يمكن أن يكون لها ارتدادات في آسيا، حيث يوجد العملاق الأصفر “الصين”، الأمر الذي -إذا حدث- ستكون نتيجته كارثة عالمية بكل المقاييس. وعادة الحروب العالمية أن تستمر من أربع إلى خمس سنوات (قياسا على الحرب العالمية الأولى والثانية) وإذا حسبنا ارتدادات وتبعات ما بعد الحرب فيمكن أن نضيف خمس سنوات أخرى، وهذا يعني أننا نتحدث عن قرابة عشر سنوات ستكون فيها القوى الدولية منشغلة بالصراع وهمها الأكبر هو تحقيق الانتصار وإنشاء شبكة تحالفات تمكنها من ذلك، فلا وقت عندها للحديث عن مشاكل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمعتقلين، وأظن أن لقاء بايدن في جدة أرسل رسالة واضحة بذلك، مفادها نريد حلفاء جادين، متعاونين، ولتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم.

ورغم أن رقعة السخط الشعبي تتزايد يوما بعد يوم، ورغم أن الجماهير أصبحت تدرك أن النظام فشل فشلا ذريعا وأنه يقود البلاد إلى الهاوية، فإن النظام عبر إجراءاته الأمنية العنيفة يحول بين تلك الجماهير وبين أن تنظم نفسها في أطر جماعية ومؤسسية تسمح بتنظيم ثورة أو تمرد فاعل، هذا طبعا في ظل غياب كامل لكل الأحزاب والجماعات القديمة التي فجرت ثورة 25 يناير، بسبب الحصار الأمني.

الخلاصة؛ الجماهير ساخطة ولكنها تفتقر إلى القيادة والتنظيم كما تفتقر إلى وحدة الغاية والأهداف، كل ذلك مصحوب بانعدام الثقة بين أصحاب الأيدولوجيات المختلفة الإسلامي منها واليساري والليبرالي بعد كل ما جرى، يأتي هذا مصحوبا بقبضة أمنية شرسة تتحرك بلا رقيب ولا حسيب.

مفترق طرق

هنا يأتي السؤال الأعظم، ماذا نحن فاعلون في هذا المشهد؟ فليس الزمن جزءًا من العلاج في كل الحالات. إن أمامنا طريقين:

الطريق الأول، هو الصمت وانتظار ما تسفر عنه الأحداث وهذا تسميه طائفة من الناس صمودا وثباتا وصبرا وانتظارا لفرج الله سبحانه وتعالى، والحقيقة أنني أسمى ذلك جمودا وركودا، وأرى أنه سوف يؤدي غالبا إذا اعتمدناه سياسيا لا قدر الله إلى التآكل والتشرذم والصراع الداخلي المستمر الذي قد ينتهي إلى مالا تحمد عقباه (وهذا ما نراه حادثا طوال تسع سنوات وهو في تزايد)، وتظل قضية عشرات بل مئات الألوف في الداخل والخارج من الأسرى والمطاردين تتفاقم وتتزايد بلا أفق لحلها، ضاغطة على الجميع.

أما الطريق الثاني، فهو محاولة إيجاد مخرج أو حلول سياسية لتلك الأزمة توقف هذا النزيف المستمر وتفرج عن الأسرى والمطاردين وتحافظ في الوقت ذاته على ثوابت الدعوة وأهدافها وغاياتها دون تفريط. ولا شك أن هذا ليس بالأمر اليسير، فكل سلوكيات نظام 30 يونيو لا تنبئ بخير.

منير وهامش المناورة

إن هامش المناورة الحقيقي الآن يكمن في احتياج الغرب والقوى الخليجية لتجميع تحالف سني يكون حائط صد قوي في مواجهة المشروع الإيراني الذي يمثل حليفا قويا للروس في الصراع العالمي الدائر. كما أن تلك القوى الدولية والإقليمية تحتاج إلى تبريد الوضع الداخلي المصري بحيث تتفرغ للصراع الدولي والإقليمي القائم، وهو ما يجعلها يمكن أن تتماهى مع فكرة حلحلة الوضع المصري ومطالبة النظام بفك الخناق قليلا.

إن إبراهيم منير ورفاقه أمام اختبار حقيقي هو كيف يقومون بهذه المناورة السياسية لحل أزمة المعتقلين والمطاردين ولكي يعطوا فرصة للجماعة لالتقاط الأنفاس ولملمة ما تبعثر، وفى ذات الوقت يحتفظون بالثوابت والأهداف الإستراتيجية ويكون التنازل في إطار التكتيك المؤقت، مع الاحتفاظ بمسافة كافية في هذا الصراع الدولي والإقليمي الشرس، لا تؤدي إلى التورط في العمالة لحساب الأجنبي أو لحساب نظام ما، وهنا يبرز السؤال: هل هذا ممكن؟

نعم، هذا ممكن بشرط توفر الفهم والوعي والإرادة، والخبرة السياسية والتربوية التي يمكنها أن ترى بعيدا وأن تميز بين الثوابت والمتغيرات، وفي الحركة بركة كما يقولون ولكن ينبغي أن تكون حركة محسوبة مدروسة حتى لا تتحول الحركة إلى لون من الانتحار السياسي.

المصدر : الجزيرة مباشر