تراجع أسعار الغذاء العالمي لم يشعر به المواطن المصري بعد

أوضحت بيانات مؤشر أسعار الغذاء العالمي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة، تراجع المؤشر خلال شهر يوليو/ تموز الماضي للشهر الرابع على التوالي، نتيجة انخفاض أسعار زيت الطعام للشهر الرابع على التوالي، وتراجع مؤشر أسعار السكر للشهر الثالث، وتراجع أسعار الحبوب للشهر الثاني وانخفاض أسعار كلّ من اللحوم ومنتجات الألبان خلال شهر يوليو/ تموز عن الشهر السابق.

وأشارت بيانات البنك الدولي حول أسعار السلع خلال شهر يوليو/ تموز، إلى انخفاض أسعار القمح للشهر الثالث، ليصل سعر طن القمح الصلد إلى 392.5 دولارا مقابل 522 دولارا في مايو/ أيار، وتراجع سعر الذرة إلى 418 دولارا للطن في الشهر الماضي مقابل 458 دولارا في شهر مايو/ أيار، كما انخفضت أسعار الأرز ولحوم البقر والدواجن خلال نفس الفترة.

كذلك تراجعت أسعار زيت النخيل إلى 1057 دولارا للطن في الشهر الماضي مقابل 1717 دولارا في مايو/ أيار، وانخفض زيت الصويا إلى 1533 دولارا للطن مقابل 1963 دولارا في نفس الفترة، كما تراجع متوسط سعر خام برنت إلى 109 دولارات للبرميل مقابل 120 دولارا في يونيو/ حزيران، وتراجعت أسعار الألومنيوم والنحاس وخام الحديد والرصاص والقصدير والنيكل والزنك والأخشاب فيما بين مايو/ أيار والشهر الماضي.

وفي ظل مقولة مسؤولي الحكومة المصرية بأن التضخم مستورد، كان السؤال: لماذا لم يشعر المواطن المصري بتلك الانخفاضات السعرية الدولية؟ والإجابة المعتادة لدى التجار هي أنهم اشتروا تلك السلع بأسعار مرتفعة ومن الصعب تخفيض أسعارها، خاصة مع زيادة سعر نولون الشحن البحري بسبب ارتفاع أسعار المشتقات البترولية التي ما زالت باهظة.

  وصول السلع المنخفضة يحتاج إلى 3 أشهر

كما أن شراء سلع خارجية بالأسعار الجديدة كان يحتاج سابقا إلى حوالي ثلاثة أشهر حتى تصل البضائع، وهي الفترة التي زادت حاليا في ظل تعقيدات إجراءات الاستيراد من قبل البنك المركزي المصري وغيره من الجهات الحكومية.

هذا إلى جانب وجود أسباب محلية تمنع تراجع الأسعار، أبرزها انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الذي ما زال مستمرا مما يعني تآكل ميزة الانخفاض السعري الخارجي، وزيادة سعر الفائدة بنسبة 3% خلال العام الحالي، وزيادة أسعار المشتقات البترولية أكثر من مرة.

وهو ما زاد من تكلفة نقل السلع من الموانئ إلى المخازن، ثم من المخازن إلى تجار الجملة، ثم إلى تجار التجزئة في ظل تعدد الوسطاء، إلى جانب استمرار زيادة الرسوم من قبل الجهات الحكومية، ومنها الزيادات المستمرة لرسوم هيئة الغذاء.

وعندما يسمع المواطنون بتراجع أسعار الغذاء حسب جهاز الإحصاء الحكومي للشهر الرابع على التوالي، من 29.3% في أبريل/ نيسان الماضي إلى 23.8% في الشهر الماضي، فإنهم يرددون عبارات السخرية من تلك البيانات التي يرونها غير واقعية، إذ إن نسب الزيادات في أسعار الغذاء أعلى من ذلك.

كذلك تتفاوت مؤشرات التضخم التي يعلنها الجهاز الرسمي الحكومي من منطقة لأخرى، فإذا كان المتوسط العام للتضخم بمصر الشهر الماضي 14.6%، فإنه جاء كمتوسط بين رقم التضخم بالحضر البالغ 13.6%، وبين مؤشر التضخم بالريف الأكثر سكانا البالغ 15.6%، وبالطبع تزيد مؤشرات التضخم في العديد من المدن عن المتوسط العام لها.

فقد زادت نسبة التضخم بحضر 13 محافظة عن المتوسط العام البالغ 13.6% حتى وصلت إلى 19.8% بحضر محافظة مرسى مطروح الحدودية، و16.9% بحضر محافظة جنوب سيناء الحدودية، و16.7% بحضر محافظة الغربية الموجودة بالوجه البحري في الشمال، و16.1% بحضر محافظة قنا الموجودة بالوجه القبلي في الجنوب.

 التضخم الرسمي أعلى في الوجه البحري

وإذا كان متوسط التضخم بالريف المصري 15.6% فإنه قد بلغ 20.5% بريف محافظة الشرقية الكثيفة السكان، و20.2% بريف محافظة الغربية ذات الكثافة العمالية، و19.7% بريف محافظة المنوفية في الوجه البحري و17.9% بريف محافظة الإسماعيلية الواقعة على المجرى الملاحي لقناة السويس، كما أشارت البيانات الرسمية إلى أن معدل التضخم الرسمي في الوجه البحري الأقل في معدلات الفقر، أعلى منه في الوجه القبلي سواء بالحضر أو بالريف.

ولذلك يتخذ المواطنون بعض المؤشرات العملية السهلة للدلالة على ارتفاع الأسعار، وكان أبرزها سعر كيلو اللحم الذي تجاوز مائتي جنيه حاليا ببعض الأماكن، والبعض يتخذ من سعر قرص الطعمية (الفلافل) أو سعر طبق الكشري بوصفها وجبة شعبية أو ساندويتش الفول والطعمية مؤشرا سهلا للتضخم.

ويتساءل بعض الناس: إذا كانت أسعار الغذاء قد انخفضت كما يقول جهاز الإحصاء، فلماذا لا نرى أثر ذلك في أسعار سلع المجمعات الاستهلاكية التابعة لوزارة التموين أو في أسعار المقررات التموينية الشهرية؟

كما يرى بعض المتخصصين أن مؤشرات الأسعار بالعديد من الدول ما زالت تتجه إلى الصعود، خلال شهر يوليو/ تموز بالمقارنة مع شهر يونيو/ حزيران مثل الصين وفرنسا وأستراليا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والمكسيك وجنوب أفريقيا وسنغافورة وإنجلترا وهولندا وإسبانيا والأرجنتين وتركيا.

وذلك مقابل دول أقل شهدت انخفاضا طفيفا خلال الشهر الماضي مقابل أسعار شهر يونيو/ حزيران، ومنها الولايات المتحدة بسبب تراجع أسعار البنزين في حين ما زالت أسعار الغذاء بها مرتفعة، وكذلك تراجعت مؤشرات الأسعار في إيطاليا وألمانيا وروسيا والبرازيل واليونان وفيتنام وتايوان فيما بين الشهرين الأخيرين.

ويظل السؤال الأهم هل ستتراجع الأسعار في الأسواق المصرية خلال الأِشهر المقبلة؟ في ظل مقولة التجار إن وصول البضاعة الجديدة يستغرق ثلاثة أشهر، ويجيب واقع الحال عن السؤال بأن هذا أمر مستبعد، في ضوء توقع انخفاض جديد بسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي لإقراض مصر، والزيادة المرتقبة لأسعار مترو الأنفاق والسكك الحديدية التي ينتظر أن تتم الشهر القادم.

وكذلك في ظل الزيادة المقررة لكهرباء الاستهلاك المنزلي بداية من العام القادم، وتوقع استمرار زيادات أسعار المشتقات البترولية استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي، بما يزيد من تكلفة التشغيل والنقل، واستمرار عشوائية التجارة الداخلية وتعدد الوسطاء وحلقات التجارة حتى تصل السلع إلى المستهلك النهائي.

المصدر : الجزيرة مباشر