أخطاء مدمّرة

جون كيندي

لم يرافق النجاح نتاج عمل العلماء بشكل دائم، فثمة أخطاء تُرتكب تؤدي غالبًا إلى كوارث مؤلمة، ليس آخرها تلك التي انتشرت على مواقع التّواصل الاجتماعي عن اصطدام القمر الصّناعي الهندي بمحطة الفضاء الدّولية وتسبّبه في أضرار كثيرة كان أسوؤها اندفاع رائد الفضاء وانفصاله عن المحطة إلى حيث نهايته التي لا نعرف شكلاً لها! وقد حدثت تلك الكارثة بسبب فروق في التّوقيت والمسار جعلت القمر الصّناعي يحاذي محطة الفضاء ويرتطم بها.

ولا تقتصر الأخطاء على العلم التّجريبي، بل تتجاوزه إلى العلوم السّياسية خاصّة إذا كان السّياسيون على درجة كبيرة من الغباء أو التّعنت.

كارثة “عسكرية” بسبب فرق في التّوقيت

حادثة مثيرة للخجل في التّاريخ الأمريكي المليء بالفشل. كانت الخطة تدريب عدد من المنفيين من كوبا والثائرين على كاسترو ليكون لهم دور في احتلال أمريكا لكوبا.

بدأت الخطّة الانهيار حين فاز كنيدي على نيكسون في الانتخابات. وكان نيكسون هو الدّاعم الأساسي للخطة، ثم إن كينيدي -وهو أقلّ تهورًا منه- خشي اندلاع حرب بين السّوفييت والغرب فأصرّ على تعديل الخطّة، وأمر بعدم تدخل سلاح الطّيران الأمريكي كي لا ينكشف دور أمريكا أمام العدو. كما أمر بنقل نقطة الهبوط إلى مكان بعيد عن التّجمعات السّكانية. وبهذا قوّض الدّور الشّعبي وإمكانية قيام ثورة شعبية مدفوعة بالعواطف كما خطّط نيكسون! وكان الإجماع يقول إنّها خطة غبية للغاية لكن الافتراض العقلي المسبق للنجاح جعل الجميع يغضون أبصارهم ويستمرون في الخطة.

هاجم الكوبيون المنفيون قوات كاسترو دون دعم من الطّيران الأمريكي واكتشف السّكان المحليون الأمر وهاجموا القوات الكوبية المزعومة. علقت القوات الأمريكية على الشّاطئ في اشتباكات يائسة، ورفض الطّيارون الكوبيون التّحليق لشعورهم بأنّ أمريكا خذلتهم. وحين قرّر الأمريكان إرسال الدّعم نسوا حساب فرق التّوقيت للمكان الذي ستنطلق منه الطّائرات “الفرق بين ميامي ونيكارغوا” فحلقت الطّائرات في توقيتين مختلفين ولم تلتق أبدا وسقط معظمها بنيران الجيش الكوبي.

فرق في التّوقيت جعل الجيش الأمريكي أضحوكة، وانتصر كاسترو في الحرب، وأسر ألف جندي أمريكي اضطرت أمريكا بعد سنوات لدفع خمسين مليون دولار لتحريرهم!

الغباء الأمريكي

يمكن القول إنّ دول المحور كانت ستربح الحرب لولا قرارين غبيين هما غزو روسيا، والإغارة على ميناء بيرل هاربر، الذي هاجمته اليابان من دون داع وجرّت قدم أمريكا إلى الحرب. كانت جزيرة كيسكا المنعزلة في شمال المحيط الهادئ ذات أهمية عظمى للأمريكان، وقد أثار احتلالها من قبل اليابانيين الفزع في نفوس الأمريكان.

حين وصل الجنود الأمريكان إلى الجزيرة كانت غارقة في جوّ صقيعي وضباب كثيف، تلمّس الجنود طريقهم كالعميان إلى وسط الجزيرة وهناك انهالت عليهم القذائف وراحوا يطلقون النّار عشوائيًّا إلى أن انقشع الضّباب ليكتشفوا خلوّ الجزيرة من اليابانيين، وأنّهم كانوا يطلقون النّار على الكنديين والكنديون يردون بالمثل!

كان فريق المراقبة الجوية قد أخبر الأمريكان قبل أسابيع بأنّه لا يلاحظ وجود نشاط على الجزيرة ولا أثر لليابانيين هناك! لكنّ القادة أقنعوا أنفسهم بأن اليابانيين لا يمكن أن يتراجعوا، وهذا النّوع من التّعنت والتّشبث بفكرة مسبقة في منتهى الغباء.

تكنولوجيا المراحيض

الغواصة الألمانية (u1206)

كانت تقوم بطلعتها الأولى لحراسة المياه الإقليمية شمال شرق ساحل سكوتلاند، وهي مزودة بأحداث اختراعات التّكنولوجيا، وتحتوي على مراحيض عصرية فاخرة ترمي الفضلات إلى عمق البحر. لكنّ تلك المراحيض كانت معقدة للغاية فاضطر القبطان للاتصال بمهندس ليحضر إلى الغواصة؛ لأنّه لم يعرف كيف يصرف الفضلات من مرحاض مقصورته، ولسوء الحظّ أخطأ المهندس حين قام بتشغيل ميكانيكية معاكسة أغرقت مقصورة القبطان بمياه البحر والفضلات. لا يعرف من الشخص الذي اقترح تركيب ذراع آلية مشابهة لذراع التّصريف لكنّها تقوم بعملية عكسية بشفط المياه إلى الدّاخل، لا شكّ أنّه الشخص نفسه الذي اقترح وضع المراحيض فوق البطاريات. فكان أن رشحت المياه من غرفة القبطان إلى الطّابق السّفلي ووصلت إلى البطاريات التي أطلقت كميات مميتة من غاز الكلورين فاضطر القبطان للطفو فوق الماء وكشف نفسه للأعداء وهجر المركب مع رجاله بسرعة. وكتب التّاريخ عن أول سفينة أغرقتها الفضلات البشرية وتكنولوجيا المراحيض في الحرب العالمية الثّانية.

وكما يؤدي فرق التّوقيت أو فرق الحسابات إلى كوارث، فقد أدّى أيضا إلى اكتشافات غيّرت التّاريخ.

اكتشاف كولومبوس لقارة أمريكا

المعروف أنّ كولومبس اكتشف أمريكا عن طريق الصّدفة أثناء بحثه عن طريق مختصر إلى الهند. الحمقى في بلاده كانوا يعتقدون أنّ كولومبوس سيصل حافة العالم! مع إدراكهم أنّ الأرض كروية.

مشكلة كولومبوس أنّه أخطأ في الحسابات فقد اعتمد على أدوات حساب معطلة. استندت خطته على حساب “كم يبلغ محيط الأرض، وكم تبلغ مساحة آسيا” وقد أخطأ في النتيجة؛ إذ استنتج أنّ محيط آسيا أكبر بكثير مما هي عليه بالفعل، وتوقع أنّ اليابان تبعد آلاف الكيلومترات عن موقعها الفعلي. وقد استند في حساباته إلى أعمال الفلكي الفارسي في القرن التاسع أحمد بن محمّد بن كثير الفرغاني، والأسوأ من ذلك افتراضه أنّ الميل الذي قصده الفارسي هو الميل الروماني. وهناك فرق كبير بين الميل العربي والميل الروماني.

وهذا ما جعل كولومبس يعتقد أنّ حجم العالم أكبر بثلاثة أرباع من حجمه الحقيقي. وكان من حسن حظّه أن ارتطم بمنطقة الكاريبي!

ماذا لو كان كولومبس أفضل حالًا في الرّياضيات؟ أو أنّه لم يذهب في تلك الرّحلة؟ ربما كانت السّياسة الدّولية ستكون أقلّ خطأ.

 

المصدر : الجزيرة مباشر