البحث عن كعب أخيل

قمة السبع الكبار

تصيبك الدهشة والقلق وأنت تتابع بيان مجموعة البريكس (البرازيل والهند وروسيا والصين وجنوب أفريقيا) الذي تم عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وبيان مجموعة السبع (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان) الذي تم في ألمانيا مؤخرا، المجموعتان اللتان تضمان أقوى الدول اقتصاديا وأسرعها نموًّا عالميا، تتحدث كل منهما على اعتبار أنها لا تمثل نفسها فقط بل تمثل الضمير العالمي، وأنها تهدف لتحقيق أحلام وآمال  شعوب “القرية الكونية”، وتسعى لتحقيق العدل والرخاء وإقرار السلام وتقديم يد العون للدول الفقيرة لتنمو وتتطور. كل مجموعة تدعي أن لها فضلا، الأولى تدعي أنها لا تسعى إلى الهيمنة على العالم مثلما يفعل الغرب وتترك الخيار لكل دولة لتطبيق نظام الحكم وأسلوب الحياة الذي يناسبها، والغرب يدعي أنه حارس الديمقراطية وحقوق الإنسان ويؤكد أنهما أهم أسباب التقدم والرفاهية والكرامة الإنسانية. بين هؤلاء وأولئك تقف عشرات الدول حائرة في تدبير قوت شعوبها، عاجزة عن النهوض والنمو بسبب أصفاد القروض التي تملك هذه الدول الكبرى مفاتيحها وتكبل شروطها خطوات التنمية المستدامة في تلك البلدان.

في ختام اجتماع مجموعة السبع تعهد القادة بجمع 600 مليار دولار على مدى خمس سنوات لتمويل البنية التحتية المطلوبة في الدول النامية ومواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني الذي تبلغ تكلفته عدة تريليونات من الدولارات، وصرح الرئيس الأمريكي بأن هذا المبلغ ليس معونة أو عملا خيريا، بل هو استثمار سيحقق عوائد للجميع، مشيرا إلى أن ذلك سيسمح للبلدان برؤية الفوائد الملموسة للشراكة مع الدول الديمقراطية. هذه الصفقة الضخمة في حقيقتها تلخص صراع الكبار على جذب أكبر عدد من دول العالم وكأنهم يمارسون لعبة شد الحبل، وفى النهاية تؤكد الأرقام أن ما تقدمه الدول الغنية للدول الفقيرة لا يفيدها.

مؤسسة النزاهة المالية العالمية ومقرها العاصمة الأمريكية واشنطن، ذكرت في تقرير لها حول التدفقات المالية السنوية بين الدول الغنية والفقيرة، أن تدفق الأموال من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة ضئيل، مقارنة بالتدفق الذي يسير في الاتجاه المعاكس، فالحقيقة أن البلدان الغنية لا تعمل على تطوير الدول الفقيرة، لكن الدول الفقيرة هي التي تدفع فاتورة تطوير الدول الغنية.

“العالم الأحادي القطب انتهى”

بوتين خلال كلمته في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي الخامس والعشرين أكد أن العالم الأحادي القطب انتهى، والصين تشاركه الرأي وتصرح به من وقت لآخر بصيغ أقل مباشرة مما فعله القيصر. في القرون الماضية لم تكن الحروب بين دولتين تعني توقف عقارب الساعة في دول أخرى خاصة إذا كانت بعيدة عنها جغرافيا، الآن خريطة العالم أصبحت كرقعة الشطرنج كل حركة فيها تؤثر في مصائر الآخرين، حتى إن فلاحا بسيطا في قرية نائية بصعيد مصر أصبح يعاني من ويلات الحرب الأوكرانية التي رفعت أسعار السماد اللازم لزراعة قيراطين من الأرض يملكهما ويعدان مصدر رزقه الوحيد. ليس البسطاء وحدهم الذين يشعرون بوطأة الحرب وينتبهم شعور بعدم الأمان والخوف من المستقبل، بل يشاركهم الأثرياء أصحاب الشركات والأعمال ورؤوس الأموال المدخرة في بنوك الغرب؛ إذ يؤرقهم سؤال: ماذا لو انهارت قيمة الدولار واليورو بسبب التضخم وتراجع الطلب عليهما؟ وهذا بالفعل ما يحدث، ثرواتهم التي اكتنزوها ستتقلص كثيرا بين عشية وضحاها. الخلل والاضطراب فى سلاسل إمدادات وتوريد كافة السلع الذي بدأ مع جائحة كورونا بسبب الإغلاق، تزايد مع الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا، مما أدى إلى رفع أسعار النفط والغاز والغذاء وكافة السلع الأخرى وبالتالي ارتفعت مؤشرات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة في العالم كله، ونواجه لأول مرة حقيقة: أنه لا قيمة للأوراق المالية التي يمتلكها شخص ما في حال عدم توفر سلع يشتريها بها!

“لا يجوز أن تنتصر روسيا”

الحرب الأوكرانية معضلة حقيقية، روسيا صرحت بأن عملياتها العسكرية في أوكرانيا لن تتوقف إلا بعد استسلام كييف، ورد الرئيس الفرنسي: لا يمكن روسيا ولا يجوز أن تنتصر في الحرب، وهو رأي يعبر عن رؤية الغرب وفي مقدمته أمريكا. انتصار روسيا يعني نهاية هيمنة أمريكا وسيكون اعترافا ضمنيا بفشل النموذج الغربي كما صرح به الرئيس الإيطالي، هذا النموذج الذي هيمن على العالم لعقود منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، على اعتبار أنه النموذج الوحيد القادر على تحقيق النجاح والرفاهية والإبداع والتقدم. الصين، من ناحية أخرى تنتظر أن ينجلي غبار المعركة لتثأر هي كذلك من الغرب باستعادة تايوان إلى حضن الوطن الأم، وهو ما سيفتح دائرة صراع جديدة فى آسيا ربما يتردد الغرب في خوضها بعد درس أوكرانيا.

جميع الأطراف المنخرطة في الحرب الأوكرانية بشكل مباشر أو غير مباشر على صواب وخطأ فى نفس الوقت، ولا أحد يعرف كيف يمكن أن ينتهي الأمر دون مهانة أو إذلال لأي طرف؛ فقد علمنا التاريخ أن الجروح المسمومة تجبر صاحبها على العودة إلى القتال ولو بعد حين حتى يشفى منها، ولا أحد يعلم هل ستظل أوكرانيا ساحة القتال الوحيدة مع روسيا أم أن الأمر سيتوسع بفعل الضغوط الاقتصادية والحرب النفسية. ولقد ناشد الرئيس الأوكراني الغرب العمل على إنهاء الحرب قبل دخول فترة الشتاء لأنه فصل قاس في بلاده. في ظل هذه الضغوط المتزايدة يبحث كل طرف، بعزيمة ودون كلل عن كعب أخيل لدى الطرف الآخر، حيث توجد نقطة الضعف التي يمكن أن تكون إصابته فيها قاتلة وقاضية وكافية لإيقاف عجلة الموت والخراب.

المصدر : الجزيرة مباشر