ماذا لو استمرت درجات الحرارة بالارتفاع في أوربا؟

في إسبانيا يملأون الشواطئ

ثم ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير متوقع الأيام القليلة الماضية في أوربا، فهرع الناس شبه عراة حفاة إلى الشواطئ والأنهار والبحيرات وجداول المياه في الحدائق والميادين العامة يلتمسون شيئًا من البرودة، وزخات من رذاذ مياه يخرج بشكل آلي من سيارات نقل مياه كبيرة وقفت في الشوارع والميادين العامة لتخفف من وطأة الحر على الناس.

أوربا احترقت في 40 درجة مئوية

فيما نرى نحن أبناء البلاد الحارة أن ذلك أمر عادي، ونطلق عليه اسمًا معتادًا “الموجة الحارة” عندما تتعدى درجة الحرارة الأربعين، فإن الأوربيين يعتبرون أن أبواب جهنم قد فتحت عليهم، كل ذلك لأن درجة الحرارة وصلت إلى 40 درجة في العديد من أقطار وسط القارة، وهي على سبيل المثال أعلى درجة حرارة سجّلت في تاريخ المملكة المتحدة!!

المشكلة هنا أن تصاميم البيوت وهندستها أمر مختلف تمامًا عن بلاد الشرق الأوسط الحارة، هنا كل شيء يميل إلى الانغلاق والاحتفاظ بالحرارة بسبب الطقس البارد، على العكس تمامًا من دول جنوب المتوسط الحارة التي تميل إلى تهوية المنازل وفتحها لتخفيف درجة الحرارة في الصيف.

أسوأ ما خلفته درجات الحرارة المرتفعة هو اندلاع الحرائق في بلدان عدة، لا سيما البرتغال إسبانيا المملكة المتحدة وفرنسا، فقد تحولت حدائق غناء إلى نار ولهيب، وعرف الأوربيون أيضًا طريق النزوح على عجل مثل اللاجئين في حالات الحروب، فلم يكن أمامهم سوى الهرب أمام انتشار تلك الحرائق الرهيبة حتى أن بعض كبار السن والمرضى والأطفال فقدوا حياتهم.

درجات الحرارة بين أوربا والعالم العربي

إن هذا يدفع بعضهم إلى المقارنة بين درجات الحرارة التي تضرب الدول العربية مثلًا في الكويت التي بلغت درجة الحرارة فيها 43 درجة مئوية، وفي كل من عمان والإمارات والسعودية أكثر من 44 درجة مئوية، ووصلت في العراق إلى 47 درجة مئوية، وسجّلت إيران ما يقرب من 42 درجة، ودرجات الحرارة في أوربا ـلكن يمكن القول- إنها درجات عادية في مثل هذا الوقت من السنة، أما ما حدث في أوربا فهو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 17 درجة مرة واحدة فوق درجات الحرارة العادية في مثل هذا الوقت من السنة فصارت لهيبًا.

بالتأكيد أن الأجسام البشرية غير مهيئة على سرعة التكيف مع هذه التغيرات الشديدة وغير المسبوقة في درجات الحرارة، كذلك النباتات والغابات التي تحولت إلى عيدان جافة بعد أن ضربها الجفاف قبل اشتعال الحرائق.

أما لماذا تتكيف أجساد القادمين من البلاد الحارة مع درجات الحرارة تحت الصفر؟ فهو أمر ضروري لا مفر منه، وهو يساعد كثيرًا على تجنب أضرار الارتفاع أو الانخفاض في درجات الحرارة، وهو ما بات ضروريًا على الأوربيين أن يتدربوا عليه الآن!

في صيف سنة 2003 ضربت موجة حارة أجزاء واسعة من القارة راح ضحيتها نحو 70 ألف نسمة، ومنذ ذلك الوقت عرف التكييف طريقه إلى أوربا، وكنا لا نشاهده إلا نادرًا في أعوام التسعينيات عندما وصلنا إلى هذه البلاد.

أسباب ارتفاع درجة الحرارة

تقريبًا يعرف الجميع الآن أن السبب في ارتفاع درجات الحرارة يرجع بالدرجة الأولى إلى التغير المناخي المدفوع بزيادة انبعاث الغازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، ليس فقط في أوربا، بل في دول العالم كلها حيث ترتفع درجات الحرارة بنحو 0.18 درجة مئوية لكل عقد تقريبًا منذ فترة الثمانينيات الميلادية، لهذا يسعى العلماء والمهتمون بالأمر على خفض درجة حرارة الأرض درجة ونصف الدرجة.

في هذا الصدد حذّرت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية من أن موجات الحرارة الناجمة عن تغير المناخ، والتي تسببت في ارتفاع درجات الحرارة في بريطانيا إلى أعلى مستوى لها ستصبح أكثر شيوعًا وأكثر حدة في العقود المقبلة إذا ما لم يتم وقف الانبعاثات الضارة، والعمل بشكل جدي على وقف مسببات التغيرات البيئية!

إذن ما المتوقع إذا -فعلًا- فشلت الحكومات في خفض درجة الحرارة في الأعوام المقبلة؟ لا شك أن الأزمة ستزداد سوءًا، إذ بلغ الاحتباس الحراري للأرض نحو درجة مئوية واحدة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وبحسب قول المتخصصين، فإن موجات ارتفاع الحرارة ستتكرر، وستستمر لمدة أطول، وسيصبح هطول الأمطار الغزيرة أكثر شدة وتواترًا في كثير من الأنحاء، كما ستظل المحيطات تزداد حرارتها، وسيستمر مستوى البحر في الارتفاع!!

وهو ما بات أثره ظاهرًا على الساحل الشمالي في مصر، إذ زاد البحر وتحركت الصخور، وزادت حدتها حتى أن المصطافين في بعض القرى السياحية لم يعد باستطاعتهم نزول البحر بسبب الصخور الحادة.

قمة شرم الشيخ الأمل الأخير

الآمال معقودة على قمة شرم الشيخ المرتقبة في نهاية هذا العام، فإذا اتخذ العالم قرارًا بوقف الوقود الأحفوري -على سبيل المثال- للحد من التغيرات المناخية، قد يفاقم ذلك من مشكلات العالم المحتدمة اليوم في الطاقة والغاز، ذلك أن الأزمات ستشتد خنقًا، لأنها في الأساس موجودة منذ جائحة الكورونا، وزادت في الحرب الأوكرانية الروسية، وبالتأكيد عندما تضاف مشكلة في هذا الوقت الحساس، فإن الأمر سيكون مكلفًا، لهذا يتعين إيجاد سياسات ذكية وجادة توازن بين الإبقاء على درجة حرارة الأرض عند مستويات محتملة والاستفادة من مصادر الطاقة المتاحة.

المصدر : الجزيرة مباشر