مشاهد الإعدام على الهواء مباشرة.. هل تجلب الردع العام أم العكس؟

في ختام الحيثيات التي أودعتها محكمة جنايات المنصورة لحكمها بـ”الإعدام شنقا” على الطالب الجامعي محمد عادل، المتهم بقتل زميلته نيرة أشرف، أمام بوابة جامعة المنصورة المصرية التي يدرسان بها، طالبت المحكمة، في سابقة فريدة، بنقل مشاهد تنفيذ أحكام الإعدام، وبثها على الهواء مباشرة.

المحكمة برئاسة القاضي بهاء الدين المري، دعت السلطات المصرية إلى إجراء تعديل تشريعي، لإجازة إذاعة وبث تنفيذ أحكام الإعدام على الهواء مباشرة، أو على الأقل جزء يسير منها، وذلك لتحقيق “الردع العام المُبتغى” الذي ترى المحكمة أنه لا يتحقق بإذاعة “منطوق الأحكام” فقط.

المهوسون بالميديا.. وشيوع الذبح والدم المسفوح

ساقت المحكمة دوافع لمطلبها هذا، بأن عمليات “ذبح الضحايا شاعت -مؤخرا- في المجتمع، بغير ذنب جهارًا نهارًا، وأن المَهوسون بالميديا يبثون الجُـرم على الملأ فيرتاع الآمنون خوفًا وهَلعًا، وما يَلبَث المُجتمع أن يُفجَع بمثل ذات الجُرم من جديد” ومتسائلة: “ألَمْ يحن للمشرِّع أن يجعل تنفيذ العقاب بالحق مَشهودًا، مثلما الدم المسفوح بغير الحقّ صار مَشهودًا؟”.

واقع الحال أن قانون الإجراءات الجنائية المصري الحالي، ينظم في المادة 474 منه، مراسم تنفيذ حكم الإعدام، بأن يجري في أحد السجون العمومية، ويحضره وكيل للنائب العام، ومأمور السجن، وطبيب، وممثل للجهة الدينية، طبقا لديانة المحكوم عليه، كما يؤذن لمحاميه المُدافع عنه بالحضور، ويتحدد موعد تنفيذ حكم الإعدام بمعرفة النائب العام، ولا يتم إعلام المحكوم عليه، ولا أهله، ويجب تلاوة منطوق الحكم على مسمع من الحاضرين عند التنفيذ.

تنفيذ الإعدام فجرا.. الحظر في الأعياد وللمرأة الحامل

وقد شهد عام 1942 تعديلا لقانون الإجراءات الجنائية، ليكون التنفيذ “فجر” اليوم المقرر، تجنبا لما كان متبعا قبل هذا التاريخ (1942م) من التنفيذ ظهرًا أو عصرًا، وما يترتب عليه أحيانًا من تسرب الخبر إلى أهل المحكوم عليه، وقد يتظاهرون ويحتجون أمام السجن بما يثير مشكلات. اختيار “وقت الفجر” للتنفيذ، لكون الإنسان أكثر سكونًا وهدوءًا، وبما يتيح للمسلم صلاة الفجر إن أراد، ويُحظر التنفيذ في الأعياد الرسمية، وللمرأة الحامل إلا بعد شهرين من الولادة.

عودة لقضية بث مشاهد الإعدام مصورةً، ومباشرة على الهواء، فليس هناك أدنى تعاطف مع أي قاتل، ما دامت إدانته قد ثبتت يقينا، لكن مثل هذه الدعوة ليس مكانها ولا نطاقها حيثيات حُكم الإعدام؛ إذ جرى العُرف قضائيًّا، إذا ارتأت محكمة ما، أن ثمة فراغا تشريعيا، حال دون تمكنها من إنزال العقاب الملائم بالمتهم الماثل أمامها، أن توجه نداءً للمشرع، في كلمة سابقة أو تالية للنطق بالحكم، بعيدا عن حيثياته.

الإعدام علنا.. ألغام وقضايا شائكة

السؤال، هو عن جدوى مطلب “جنايات المنصورة” بتنفيذ أحكام الإعدام علنًا وإذاعتها على الهواء مباشرة.. هل يُحقق الردع العام المُبتغى فعلا أم أن الأثر قد يكون عكسيا، ويقودنا إلى حقل ألغام وقضايا شائكة نحن في غنى عنها، خاصة أنه ليس هناك دراسات بهذا الشأن؟

سبق للرئيس الراحل مبارك، عام 1998م، أن أمر بإذاعة مراسم تنفيذ حكم الإعدام على الهواء مباشرة (برنامج مساء الخير بالتلفزيون المصري)، لثلاثة محكوم عليهم قتلوا مهندسة ونجليها بغرض السرقة، فهل توقفت جرائم السرقة والسطو أو جرائم القتل بعدها؟ الإجابة بالنفي قطعا. بل زادت بمعدلات فائقة، لأسباب عديدة ليس هنا مجالها. لكن المؤكد أن نقل مشاهد الإعدام علنًا لم يحقق الردع العام.

العقوبة فردية.. تداول مشاهد الإعدام وذنب أسرة المحكوم عليه

وإذا كانت القاعدة الشرعية والقانونية أن العقوبة فردية، فلا يُعاقب فرد آخر على ذنب لم يقترفه، فإن الإشكالية هنا عن الإثم الذي ارتكبته أسرة المحكوم عليه بالإعدام، وأقاربه لشمولهم بعقوبة البث المباشر، وبقاء مشاهد الإعدام المُفزعة على منصات التواصل الاجتماعي مدى الحياة، يمكن استعادتها وتداولها، لمن يشاء، في أي وكل زمان ومكان في الدنيا. أليس في هذا تعذيب لهم وهم يتذكرون هذه المشاهد من آن لآخر، أو تدفع الظروف لتذكيرهم؟

من زاوية أخرى، فلا يمكن القاتل الانشغال عن جريمته، وبثها مباشرة على الهواء. صحيح أن قاتلا في نيوزلندا، قتل 51 مسلما في مسجدين هناك، بسلاح ناري، في أغسطس عام 2020م، كان قد أعد لبث جريمته مباشرة عبر منصة فيس بوك، لكنها تظل حالة نادرة، ولم تحدث في مصر. وإذا كان القائمون بتصوير وبث جرائم الذبح التي جرت في الآونة الأخيرة جهارا نهارا في شوارع مصر المحروسة، هم عدد محدود من الأفراد، تبلدت مشاعرهم، فما ذنب أسرة القاتل مرة أخرى، ولماذا تعاقب بمشاهد إعدامه، وهذه الأسرة لم تحرضه أصلا على القتل، ولم تقم بالتصوير، ولم تطلب ذلك من غيرها؟

تداول مقاطع القتل الجاذبة للفضول والمحاكاة

لا جدال في أن تداول مقاطع فيديو القتل سواء كان ذبحا أو بأي طريقة على المواقع والصفحات التواصلية، هو مما يتأذى منه المجتمع كله. وذلك لأن ترويج هذه المشاهد مؤذ بالفعل لأصحاب الفطرة السليمة والنفوس السوية، لكنه الجشع الذي يدفع الكثير من المواقع الإلكترونية والصفحات لإعادة نشر هذه المشاهد الجاذبة لفضول الملايين، طمعا فيما تجنيه من عوائد مالية.

من زاوية أخرى، فإن هذه المشاهد نفسها للذبح وغيره من الجرائم مما تتداوله الصفحات والمواقع الإلكترونية، يتعلم منها أصحاب النفوس الضعيفة ويتشجعون، بدافع التقليد، ولا سيما أن الكثيرين منا لديهم قابلية للاستهواء ومحاكاة الغير، ولو في الخطأ والجريمة. لعل أخطر ما في تداول مقاطع الذبح وغيرها، مما تشكو منه المحكمة هو “الاعتياد” على الذبح وغيره من المشاهد، وهو ما يُسهم على المدى البعيد، في زيادة الجرائم وتكرارها والتعايش معها.

باختصار فإن كل “مخاطر تداول مشاهد الذبح” التي تتأذى منها، وبحق، محكمة جنايات المنصورة، والمجتمع كله معها، هي نفسها، دون نقصان، المخاطر ذاتها -وربما أكثر خطرا- التي ستنتج عن إذاعة مشاهد الإعدام وبثها مباشرة على الهواء. الأمر الذي يستدعي التريث وعدم التسرع فيما لا تُحمد عقباه.

المصدر : الجزيرة مباشر