لماذا تحارب الصين السوشيال ميديا وتدعم “أبو دومة”؟

أبو دومة

 

دعاني الزميل بو دو مين Bu Duo Men -نائب مدير وكالة أنباء شينخوا الصينية بالقاهرة- للانضمام إلى متابعة صفحته الجديدة على فيسبوك. تعجبت أن صديقي الذي يُكنى بالعربية بـ”أبو دومة”، استطاع التواصل مع العالم بعد عودته إلى الصين عبر فيسبوك. نعلم أن دولته تحظر وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام ويوتيوب وغيرها، وتضع رقابة صارمة على وسائلها المحلية مثل ووي شات وبايدو وبيللي بيللي. فاجأنا “أبو دومة” بأنه تحوّل إلى مدون و”يوتيوبر” يجوب البلاد، لينتج برنامج (هائمون في الصين)، وينضم إلى جوقة منتجي مقاطع الفيديو التي تروّج للصين كدولة مثالية.

زيارة الرئيس

بمراجعة أعمال “أبو دومة” شاهدت إنتاجًا باهرًا ذا كُلفة باهظة، تنفق عليه بسخاء الحكومة الصينية أو الجهات الإعلامية التابعة لها، مثل راديو الصين الدولي CRI أو تلفزيون الصين CGTN ووكالة أنباء شينخوا وإدارة المطبوعات الدولية CIPG.

ترصد وسائط التواصل الاجتماعي مواقع “أبو دومة” على أنها صفحات خاصة، رغم أنه ما زال يشغل منصبًا رسميًّا في وكالة الأنباء الوحيدة بالدولة.

أصبح “أبو دومة” ضمن كتيبة الشخصيات المؤثرة، الذين توظفهم الحكومة لمخاطبة العالم بنحو 38 لغة، ممن يديرون حسابات يتابعها الملايين، ولا يكشفون عن روابطهم بالحكومة. لقد حاولت وزارة الإعلام الصينية ضمّي إلى هذه المجموعة منذ عامين، بعد أن عملت مع “أبو دومة” وزملائه بالتلفزيون والإذاعة على مدار 8 سنوات، في أنشطة إعلامية، وترجمة ودبلجة مسلسلات صينية. ودفع “أبو دومة” مبلغًا كبيرًا، كي أساعد وكالته في حملة إعلامية، قبيل زيارة رئيس الصين شي جين بينغ لمصر عام 2016، لتدريب المحررين على كتابة اسم الرئيس الصيني صحيحًا، إذ يخطأ المصريون عادة في كتابة الأسماء الصينية. قالوا إن “الرئيس غير متسامح مع هذه النوعية من الأخطاء، ويعتبرها مهينة للقادة”.

منذ وصول (شي) إلى السلطة، قرر “أن يكون صوت الصين عاليًا”، لذلك فتح خزائنها لتطوير الإعلام المحلي، والإنفاق ببذخ على الوسائل الدولية، وتوسيع أعمالها في أنحاء العالم. “دفعت الحكومة أو عرضت على المبدعين والشخصيات الدولية المؤثرة، مشاركة أعمالها على وسائط التواصل الاجتماعي”. زاد الدفع بعد أن انتبهت الدول الغربية إلى أن الصين لديها خريطة طريق تكنولوجية وإعلامية، تدفع مئات الملايين من الدولارات لوسائل إعلام غربية، تعمل على دعم قوتها الناعمة، وتلميع الحزب الشيوعي السلطوي. يدرك (شي) الذي ترعرع في عباءة الحزب، أن الصين في حاجة للرد على انتقادات المجتمع الدولي للحكم الاستبدادي، وتعامل بيجين القمعي مع الأقليات العرقية والدينية، وأخيرًا في تعاملها مع أزمة وباء كوفيد-19.

قواعد (شي) الغريبة

عبّرت قرارات (شي) عن التناقضات التي تقع فيها الأنظمة القمعية، عندما شددت الدولة قبضتها على الإنترنت، فبدلت التعليمات، بأن ألزمت جميع المنصات بتوظيف فِرق -حسب حجم الخدمة- للإشراف على المحتوى قبل نشره على الإنترنت، والتحقق من كل تعليق!

أصبح كل شخص مسؤول عن تحميل منشور مسؤولًا عن التعليقات المرتبطة بموضوعه، التي يدلى بها أشخاص آخرون. طلبت من القائمين على البث المباشر، الحصول على مؤهلات ذات صلة بالموضوعات التي يتحدثون فيها، وكأنهم خبراء، لتخويف الناس من استخدام هذه الوسيلة التي يصعب مراقبتها على الهواء. تطبّق السلطات غرامات باهظة على المخالفين، وتُوقف متاجر التطبيقات والشركات التي تديرها. تطبّق القواعد بكل وسائل التواصل، منها “ووي شات” و” تنسنت”، كما تشرح جريدة الحزب “The economic daily”.

الحشد الشيوعي

في المقابل، حشد الحزب الشيوعي الدبلوماسيين والإعلاميين ومنافذ الأخبار، لنقل رواياته عن الأحداث بالخارج، فأصبح “أبو دومة” وأمثاله، لهم قنوات رسمية على وسائط التواصل الغربية. زاد الأمر بأن وظفت المشاهير الذين عملوا في الصين لسنوات، لتلميعها ونفي عمالة السخرة في مزارع القطن، ومعسكرات الاعتقال للمسلمين في شينجيانغ (تركستان الشرقية). يأتي على رأس هؤلاء اليوتيوبر الإسرائيلي راز غال أور Raz Gal Or، الذي “استخدم قدراته الفكاهية في السخرية مما يحدث للمسلمين من اعتقالات وتعذيب، ونشر فيديوهات يدعي فيها أن الناس يعيشون في شينجيانغ في محبة وسلام”.

كشف تحقيق موسع لصحيفة نيويورك تايمز، عن العلاقات السرية بين الحكومة الصينية ووالد اليوتيوبر الصهيوني، الذي أسست له شركة Ychina لإنتاج أفلامه، والانفاق على أعمال ابنه، وكذلك فعلت مع 200 شخصية من الولايات المتحدة وأوربا وأفريقيا وعرب، رصدتهم مراكز أبحاث منها معهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي، ومحققو نيويورك تايمز ومجلة ذا إيكونوميست البريطانية. تبيّن الدراسات أن السفارات الصينية والشخصيات المدعومة منها، تدير حسابات يتابعها نحو 400 مليون شخص حول العالم.

إغراءات رسمية

تتهم “شينخوا” الصحفيين ذوي الأصول الصينية، العاملين في كبريات الصحف الدولية -منتصف مارس/آذار الماضي- بأنهم ” يُقرعون الصين في وسائل الإعلام الغربية، ويثيرون التحيز ضدها، وتثبيت روايات مزيفة”. أدى الاتهام القادم من جهة رسمية إلى ملاحقة كتائب الحزب للصحفيين، بالإيذاء اللفظي، والاتهام بالخيانة للوطن، وأحيانًا الملاحقة الشخصية والتهديد بالقتل، كما ذكرت الصحف الشهر الماضي. لم تتوان حكومة الصين عن تكرار إغراء أمثالنا، ممن تحمسوا لمشروعها التنموي، ووجدوا فيها أملًا يمكن تعميمه في دول تحكمها أنظمة عسكرية واستبدادية، لن تتخلى عن القمع، بينما يمكن التعايش معهم، إذا حدث انتعاش اقتصادي. يتفاخر أعضاء الحزب الشيوعي بأنه “لن يكون هناك غني في الصين إلا عندما يكون لك موقف داعم للحكومة”، لذا يدفعون المؤثرين إلى العمل معهم كي يصدّق العالم روايتهم.

أدت معاناة المسلمين في الصين إلى رفضنا أن تصبح صفحاتنا في خدمة “أبو دومة” والتنين، مهما كانت الإغراءات التي وقع فيها كثيرون. اكتشف مراقبون مؤخرًا، دور الصين في تنظيم مظاهرات بكندا، تمنع استغلال مناجم استخراج معادن ثمينة، تنهي احتكار شركاتها. تُعلّم الصين الأنظمة الاستبدادية كيف تقمع خصومها، وتبث الشك لدى المتابعين، فتزيل اليقين من عقولهم، وتهدر الحقيقة التي تكشفها مواقع الإنترنت.

المصدر : الجزيرة مباشر