تسلا.. مخترع القرن العشرين

تسلا.. ذلك الاسم الذي يتردد كثيرًا، مخترع القرن العشرين، وسوف يصبح الأيقونة الأشهر خلال الحقبة القادمة.
لقد وقعت على اسمه بالصدفة، في الصيف الماضي، كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها سيارة كهربائية تتزود بالكهرباء، في إحدى محطات الوقود، في الساحل الشمالي، السيارة كانت سوداء، لافتة، مثيرة للإعجاب، تشبه سيارة الرجل الوطواط (باتمان).
جذب انتباهي اسم “تسلا” على مقدمة السيارة، وهذا ما جعلني أذهب إلى ذلك الاسم الذي اختاره إيلون ماسك Nikola Tesla تخليدًا للعالم الصربي-الأمريكي نيكولا تسلا.
المخترع والمهندس الفذ، الذي اشتهر بإسهاماته في تصميم نظام التيار المتردد، وهو التيار الكهربائي الحديث، الذي يستفيد منه العالم أجمع حتى الآن.
نيكولا تسلا
ولد نيكولا تسلا لعائلة صربية في 10 يوليو/تموز عام 1856، كان والده كاهنًا أرثوذكسيًّا يرغب في أن يسير ابنه على خطاه، لكن تسلا كان مفتونًا بالقوة الغامضة للكهرباء منذ طفولته، وأراد التخصص فيها.
أصيب تسلا بالكوليرا وهو في سن المراهقة، وكي يعطيه والده دافعًا معنويًّا للشفاء، وعده بإرساله إلى أفضل مدرسة تقنية في أوربا بمجرد أن يتحسن، وبعدها بدأ تسلا في التعافي من المرض بشكل عجيب.
وبمرور الأيام، تلقى نيكولا في سنة 1875 -وكان عمره حينها 19 عامًا- منحة لدراسة الهندسة الكهربائية من معهد غراتس للفنون التطبيقية في النمسا، وهناك درس استخدامات التيار المتردد، وتزاحمت عليه الأفكار العلمية رغبة في ابتكار شيء ما يتعلق بالكهرباء.
ظل يستيقظ فجرًا ليعمل على ابتكاراته، حتى أصيب بالأرق، لدرجة أن أساتذته في الجامعة حذروا والده من قلة نومه، خشية أن يصاب الشاب تسلا بالجنون، أو يموت من فرط الإرهاق.
واجتاز تسلا في السنة الأولى تسعة اختبارات بدرجات مرتفعة، ويُعد ذلك معدلًا مرتفعًا للغاية بالنسبة للطلبة.
ويقول تسلا عن ذلك في مذكراته “لقد كنت مهووسًا هوسًا حقيقيًّا، فقد كان عليّ إنهاء كل شيء بدأته”.
وفي إحدى أمسيات عام 1882، وعند غروب الشمس، أثناء نزهته في حديقة المدينة مع صديق له، وجد تسلا الحل لمحرك التيار المتردد، فأمسك بعصا ورسم مخططًا على الرمال، لمحرك يستخدم مبدأ تدوير الحقول المغناطيسية، الناتجة عن تيارين متناوبين أو أكثر، ليخترع محركه بعد عدة سنوات.
“يبدو أنك لا تفهم روح الدعابة الأمريكية”
في يونيو/حزيران 1884، أبحر تسلا إلى مدينة نيويورك، حاملًا معه خطاب توصية، إلى توماس إديسون المخترع العظيم، وبسبب خطاب التوصية هذا حصل تسلا على مقابلة مع إديسون.
بمجرد أن وصف تسلا العمل الهندسي الذي كان يقوم به، أدرك إديسون الموهبة العظيمة للشاب الصربي فقام بتوظيفه، ووعده بجائزة قدرها 50 ألف دولار إذا استطاع تحسين أداء المولدات الكهربائية.
وافق تسلا على العرض. وخلال أشهر من العمل الشاق، انطلقت نجاحات تسلا، ليس فقط تحسين أداء المولد بل زيادة كفاءته بشكل كبير، ولكن إديسون لم يمنحه تلك المكافأة المزعومة، وبرر إديسون ذلك قائلًا “يبدو أنك لا تفهم روح الدعابة الأمريكية”، وعلى الفور استقال تسلا.
وكتب تسلا لاحقًا “إذا كان لدى إديسون إبرة ليجدها في كومة قش، فسوف يشرع على الفور في فحص القش بعد القش حتى يعثر على الشيء الذي يبحث عنه”. وهي عبارة تفسر شُحّ توماس إديسون، على حد قول تلميذه تسلا بالطبع.
وعلى الرغم من خسارته المادية فإن عمله في شركة إديسون جعله في دائرة المتخصصين، وسرعان ما انتشرت الأخبار بأن محرك التيار المتردد من تسلا يستحق الاستثمار فيه، ووضعت شركة “ويستنجهاوس إليكتريك” نيكولا تسلا للعمل في مختبر، كان قريبًا من مكتب إديسون، حيث صمم أنظمة طاقة التيار المتردد التي لا تزال مستخدمة حول العالم.
وحصل تسلا على براءة اختراع لمحركات التيار المتردد، وأنظمة الطاقة الخاصة به، كما حاول توماس إديسون عرقلة نموذج تسلا للتيار المتردد بكل الوسائل، الأمر الذي أدى إلى رفض العالم الصربي، في عام 1901، ميدالية إديسون المرموقة لأن التكريم كان سيعطي مكانة لعدوه اللدود. ولكن برنارد آرثر بيرند، رئيس لجنة التحكيم، أقنعه بقبولها.
قال بيرند “إذا حرمنا العالم الصناعي من كل ما نتج عن عمل تسلا، ستتوقف عجلاتنا عن الدوران، وستتوقف السيارات والقطارات الكهربائية، وستكون المدن مظلمة، والمصانع ميتة، وغير مجدية. كان لعمله تأثير كبير لدرجة أنه أصبح أساس صناعتنا”.
وعلى الرغم من شهرة تسلا، وتسجيل 300 براءة اختراع باسمه مثل المولد الكهربائي، محرك التيار المتناوب، المحرك الكهرومغناطيسي، الروبوتات، أجهزة التحكم عن بُعد، وآلاف الرسوم والملاحظات والأفكار المحفوظة الآن في متحف نيكولا تسلا في بلغراد.. رغم كل ذلك فإن ساحر الكهرباء لم يكن يملك شيئًا، وتوفي في 7 يناير/كانون الثاني 1943، مفلسًا تقريبًا، في غرفة بأحد فنادق نيويورك.
مثله مثل الكثير من العظماء، لم يتم تقدير العديد من نظرياته واختراعاته إلا بعد عقود، إلى جانب نسخ العديد من أفكاره وأبحاثه او سرقتها تمامًا، ولم يكن تسلا مهتمًّا بالسرقة بقدر اهتمامه بعدم قدرة الآخرين على الخروج بأفكارهم الخاصة.
العباقرة والوساوس القهرية
وكما جرت العادة بالنسبة لمعظم العباقرة، الذين يتسمون بعادات وأفكار غريبة، فقد أصيب تسلا بالأوهام والوساوس القهرية التي صاحبته في فترة شبابه، فكان لديه نفور شديد من اللؤلؤ والأقراط، وكان يتجنب الحديث مع النساء اللواتي يضعنهن، وكان يشعر بالاشمئزاز من الشعر والفراء.
ومن نوادره أيضًا أنه كان مهووسًا بالرقم ثلاثة، وكان يقوم بحساب الخطوات أثناء سيره، ويبدو أنه قد تنبأ بأن العالم كله سوف يسير خلف تلك الخطوات العظيمة الثابتة، التي خطاها من أجل البشرية.
وتقديرًا لإسهامات تسلا في التقدم العلمي والتطور التكنولوجي وإحياءً لذكراه، يتم الاحتفال بيوم 10 يوليو من كل عام (اليوم الذى جاء فيه إلى هذا العالم) يومًا وطنيًّا، تكريمًا لأعماله.