هل عاد أردوغان منتصرا من مدريد حقًّا؟!

أردوغان يعقد مؤتمرا صحفيا في اليوم الأخير لقمة الناتو (30 يونيو)

يرى بعض المراقبين أن تركيا تنازلت عن موقفها المتشدد الرافض لقبول عضوية كل من السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي “الناتو” دون الوصول إلى أي من الأهداف التي سعت إليها، وأنها خرجت من اجتماع الحلف الذي انعقد مؤخرا في العاصمة الإسبانية مدريد صفر اليدين.

ويقولون إنها لم تخرج بشيء سوى ورقة تحوي مجموعة من الوعود على هيئة مذكرة تفاهم تحت رعاية واشنطن، بعد كل هذه الضجة التي أثارتها، ورفضها المطلق لقبول انضمام الدولتين إلى الناتو، واشتراطها عدة شروط للتراجع عن موقفها وقبول عضويتهما في الحلف، وإزالة مخاوفهما التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية.

وكانت تركيا قد اشترطت رفع حظر تصدير السلاح إليها، المفروض عليها منذ عام 2019، والإقرار بأن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الكردستاني وحركة الخدمة التابعة لفتح الله غولان تنظيمات إرهابية، وتسليمها العناصر المتهمة بتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيها.

ولتوضيح الأمرعلينا أن ندرك أن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الدول الثلاث، تشمل 10 بنود أساسية، أهمها بالنسبة لتركيا في المقام الأول رفع قرار حظر تصدير السلاح إليها، والعمل على تعزيز سبل التعاون بين الدول الثلاث من أجل منع أنشطة التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي، وتسليمها العناصر المحكوم عليها قضائيا أو ترحيلها عن أراضي الدولتين، وإدراج التنظيمات التي تهدد الأمن القومي التركي في قوائم التنظيمات الإرهابية مثلما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وعدد من الدول الأوربية الأخرى.

وهو ما أقرت به الدولتان، اللتان تعهدتا ببدء تحقيقات قانونية حول ممارسات عناصر حزب العمال الكردستاني داخل أراضيهما، وأنشطته الخاصة بجمع التبرعات وتجنيد المقاتلين للدفع بهم في حربه الانفصالية ضد الدولة التركية.

التشكيك في نيات السويد وفنلندا وموقف تركيا

صحيح أن عدم تحديد آلية معينة تتيح لتركيا تسلم العناصر المتهمة بتنفيذ عمليات إرهابية والمطلوبة للمثول أمام القضاء التركي، خصوصا أن قوانين الدولتين وبالأخص السويد ربما تعيق تنفيذ هذا الشرط تحديدا، وهو ما بدا واضحا في تصريحات كل من رئيسة الوزراء السويدية ووزير العدل في حكومتها اللذين قالا: “لا نسلم مواطنين سويديين، لدينا محاكم معنية بتطبيق قوانيننا، وإذا كانوا غير متورطين في أنشطة إرهابية، فلا داعي للقلق”، وهو ما دفع بعضهم إلى التقليل من شأن مذكرة التفاهم المشار إليها.

لكن حقيقة الأمر أن تركيا، ومن خلال هذا البند تحديدا نجحت في تحقيق عدة أمور هامة لا يمكن غض الطرف عنها أو تجاهلها، منها على سبيل المثال لا الحصر اعتراف الدولتين بإرهابية حزب العمال الكردستاني، والإقرار بأن دعم التنظيمات الإرهابية لم يعد أمرا يمكن السكوت عليه، أوالقبول بعلاقات سياسية ودبلوماسية متوازنة في ظله، وأن اتخاذ هذا النهج أصبح يشكل مشكلة خطيرة وعائقا حقيقيا أمام تحقيق المصالح الخاصة لكل دولة، إلى جانب أن الدول الغربية أصبحت على يقين تام بأن تركيا اليوم ليست هي تركيا الأمس، وأن ما كان مقبولا منها في الماضي لم يعد كذلك الآن.

سياسة الند بالند وانتصار الدبلوماسية التركية

التعنت الذي أبدته أنقرة خلال الأسابيع الماضية، والذي ترافق مع الدور السياسي المتوازن الذي تعتمده في علاقاتها مع كل من روسيا وأوكرانيا، رغم الحرب المشتعلة بينهما، وسعيها لضمان استمرار تدفق القمح إلى دول العالم، كان كفيلا بإبراز مدى قوة وقدرة تركيا الجديدة، الأمر الذي أصبح يتطلب إعادة تشكيل الغرب لاستراتيجية علاقاته معها، وأسلوب تعاطيه معها، واعتماد استراتيجية ترتكز على المصالح المتبادلة وفق مبدأ الند بالند، وهو أمر آخر يعد انتصارا للدبلوماسية التركية.

وإلى جانب هذا وذاك، لا تزال الأمور تحت سيطرة أنقرة إذا لم تف الدولتان بالتزاماتهما، فعملية الانضمام رسميا للناتو تستغرق وقتا قد يتجاوز عامًا، كما تحتاج إلى موافقة برلمانات الدول الأعضاء، أي أن هناك خطّ رجعة يتمثل في إمكانية رفض البرلمان التركي الموافقة على قبول عضويتهما في الحلف، وتجميد الموقف.

 الدور الأمريكي في تغيير الموقف التركي

لم تقتصر المكاسب التركية على ما حققته مع كل من فنلندا والسويد، ودول الاتحاد الأوربي فقط، بل إن الأمر تخطاهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلن رئيسها جو بايدن في المؤتمر الصحفي الذي عقده في ختام اجتماعات الناتو أنه يرى ضرورة إتمام صفقة بيع طائرات إف – 16 لتركيا لأن ذلك من مصلحة بلاده والناتو، وأنه عازم على الحصول على موافقة الكونغرس عليها، وهي الصفقة التي ترغب تركيا في الحصول عليها، وسعى رئيس الوزراء اليوناني لعرقلتها، للحد من قوة تركيا الجوية. إعلان بايدن لموقفه هذا يعني أن تركيا نجحت أيضا في تخطي عقبة الرفض اليوناني لهذه المسألة، وأنها في طريقها للحصول على الصفقة التي تريدها.

بل إن البيت الأبيض أصدر بيانا يعرب فيه عن أمل الرئيس الأمريكي في استمرار العلاقات الثنائية البناءة بين البلدين، وهي إشارة واضحة إلى أن السر وراء كل ما تمخضت عنه اجتماعات مدريد يكمن في ذلك الاتصال الهاتفي الذي تم بين الرئيس الأمريكي والرئيس أردوغان قبل انعقاد اجتماعات الناتو بساعات.

هل فشل أردوغان أم أنه عاد بصيد سمين!

من الواضح أن هناك عددا من القضايا تم بالفعل التوافق بشأنها بين الرئيسين خلال هذا الاتصال، منها تخلي الرئيس الأمريكي عن رفضه المعلن للعملية العسكرية التركية المنتظرة في الشمال السوري، معطيا الضوء الأخضر لانطلاقها، مطالبا تركيا بتهدئة الأوضاع مع اليونان في بحر إيجه، والعمل على وقف التصعيد بينهما، داعما وبقوة سعي أنقرة إلى إزالة العوائق الروسية التي تعترض تصدير الحبوب الأوكرانية للأسواق العالمية، كل ذلك مقابل إعلان تركيا موافقتها على قبول عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو، فهل فشل أردوغان أم أنه بالفعل عاد منتصرا؟!

المصدر : الجزيرة مباشر