الجزيرة.. وثوب علاء مبارك المُهَلهَل!

علاء مبارك وشقيقه جمال أثناء المحاكمة "صورة أرشيفية"

لست في وارد الدفاع عن الجزيرة، فهي شبكة إعلامية هائلة، قادرة على الدفاع عن نفسها؛ صوتها قوي جبار، وأقوى من كل من يترصدونها، أو يتربصون بها.

ولست في وارد الهجوم على علاء مبارك، كشخص، بسبب تغريدته عن الجزيرة، لأنه وشقيقه جمال، ماتا سياسيًّا وشعبيًّا، يوم 25 يناير2011، حينما بدأت شرارة الثورة المصرية.

ولا أبالغ إذا قلت إنهما دخلا في طريق النهاية، منذ أن بدأ كل منهما استغلال نفوذ والدهما الرئيس، ليصنعا من نفسيهما أمراء في بيت الحكم، ويستفيدا من هذا الحكم في مناصب ومشروعات ومصالح مالية ومادية وسياسية.

اتهامات وقضايا عائلة مبارك

عائلة مبارك تحمل على كاهلها أثقالًا من الاتهامات، والقضايا، والسيرة غير الحسنة، في العقد الأخير من الحكم، وعلى كل واحد منهم أن يُبيّض صفحته؛ فمنذ أن برز علاء ثم جمال في المشهد العام، بدأت تنتشر روائح الفساد، واستغلال النفوذ.

وعمليًّا، تُشينهم قضية القصور الرئاسية، التي صدر ضدهم فيها حكم نهائي عنوانه: أنهما، ومعهما والدهما الراحل، استغلوا المال العام، لأغراض شخصية.

وهناك قضايا أخرى لم تكتمل، لأسباب مختلفة إجرائية وزمانية، لكن إذا تشكلت يوما لجنة قضائية خاصة مستقلة، هدفها تحري العدل المجرد، وأجرت فحصا شاملا في ذممهم المالية، واستغلال نفوذهم السياسي، فإنها يمكن أن تقدم قضايا لا تليق بمن يهاجم الآخرين، وبمن يدّعي الطهارة، وبمن يحاول التقرب من الناس بالذهاب لمدرجات الدرجة الثالثة، لمشاهدة مباراة كرة قدم، أو الجلوس في مقهى للعب الطاولة.

بيت من زجاج هش

يا سيد علاء، بيتكم من زجاج هش فلا تقذفون أحدا بالحجارة، وثيابكم مُهلهلة، فلا تقتربوا من ثياب الآخرين، ومن أسف أنكم لا تلتزمون فضيلة الصمت، ولا تتحلون ببعض الذكاء الاجتماعي، وتعملون على تعريض أنفسكم للنقد والسخرية واستدعاء التاريخ الذي لا يسقط بالتقادم، وهو ليس كله في صالحكم.

أخوك جمال خرج قبل أيام يلقي بيانا بشأن براءة العائلة من تهم فساد واستغلال نفوذ وتربح، تتعلق بالأموال التي فرض الاتحاد الأوروبي وسويسرا التجميد عليها، منذ مارس 2011، واستمر التجميد عاما بعد آخر حتى انتهى بقرار محكمة العدل الأوروبية في أبريل الماضي، ولا تغمركم نشوة الفرح، فالحكم ليس دليلا حاسما على براءة الذمة، وطهارة اليد، ونظافة الثوب، إنما هو لأمور إجرائية ترتبط بطريقة التعامل مع القضايا في الداخل.

الفرح الحقيقي يكون عندما تثبتون بأنفسكم البراءة التامة، ونظافة المال، وجمعه من مصادر حلال، وهذا هو البعد الغائب في قضاياكم، ومنذ اليوم الأول لتنحي والدكم عن الحكم، كان واجبًا عليكم أن تقدموا عرضا طوعيا بفحص ذممكم المالية، والخضوع بإرادتكم لقانون “من أين لك هذا؟”.

التجرؤ على المال العام

لو أنكم اعتذرتم للشعب، وأثبتم براءتكم من التجرؤ على المال العام، أو التربح واستغلال النفوذ، لكان ذلك عملا جيدا منكم، وكان كفيلا بالصفح عنكم شعبيا، وانخراطكم في المجتمع بشكل طبيعي، وبيت الزجاج سيصير بيتًا من الاحترام، والثوب المُهلهل سيتحول إلى ثوب من التقدير، لكن هذا لم يتم، بل ظللتم طوال 11 عاما تحاولون إثبات أنكم كنتم في الجانب الصحيح، وأن الشعب الثائر بالملايين كان يقف في الجانب الخاطئ.

ولا يعني أن النظام الحالي لم يحقق الآمال التي كانت معقودة عليه أن تطرحوا أنفسكم حملانًا بريئة وديعة، أو تقوموا بتنصيب أنفسكم مسؤولين عن نظام والدكم، وتعقدوا مقارنات مع السلطة الحالية لتكون النتيجة لصالحكم. منذ البداية لم تكونوا مصلحين، ولا ديمقراطيين، ولا دعاة تغيير، كانت خطتكم التمكين لعائلتكم في الحكم، والتخطيط لوراثة السلطة، لتصبحوا عائلة ملكية في نظام جمهوري.

علاء والهجوم على الجزيرة

الجزيرة التي يهاجمها علاء مبارك اليوم، ويقذفها بأبشع الاتهامات، دون أن يضع في الاعتبار أن الهجوم المضاد عليه سهل، وأدواته متوفرة، هذه القناة لم تصمد أمامها منظومة الإعلام الكبيرة التي أقامها صفوت الشريف في عهد والدك خلال الثورة.

والفشل في مواجهة صوت إعلامي قادم من بعيد لا يرجع إلى مهنية واحترافية هذا الصوت بالأساس، وإنما لأن صوت الشعب كان الأصدق والأقوى في التعبير عن الحقيقة المُرة، بعد ثلاثة عقود من حكم مبارك كانت كفيلة بإقامة دولة الحرية والرفاهية.

أنت نجل رئيس أسقطته ثورة شعبية، ولو كان هناك حنين إلى عهد والدك، فهو حنين المضطر، وليس الراغب المحب.

الجزيرة قناة كل الآراء

الجزيرة لا تصنع الحدث، بل هي ناقلة له، وإذا صنعته، فهذه مهارة فائقة منها في القيام بدورها الإعلامي.

اتفق أو اختلف معها كما تشاء، فهي ليست القناة المثالية في الأرض، ولا قناة واحدة مثالية في العالم الحر الديمقراطي نفسه، فالإعلام صناعة بشرية سياسية اجتماعية اقتصادية ثقافية فكرية متداخلة، وهذه عوامل نسبية تخضع للتأثير والتوجيه والمصالح.

لكن ميزة الجزيرة، أنها قناة الرأي الآخر قولًا وفعلًا، قناة كل الأصوات؛ في الرأي والتحليل وتبادل الأفكار وتفاعلها على شاشتها، وهذا مفيد للمشاهد، لكي يستمع للجميع، ويحصل على إحاطة بموضوع النقاش، وعليه أن يختار، لا أن يتم فرض توجه أحادي عليه، واعتبار ذلك هو الموقف الصائب.

الجزيرة في تنوع الآراء بمحتواها، وفي التطبيق الوقعي لشعارها الرأي والرأي الآخر، الوحيدة بين القنوات العربية الرسمية، والقنوات الإخبارية التابعة لعواصم معروفة، التي تتيح مساحة متساوية لكل الناس للتعبير عن آرائهم ومواقفهم وأنفسهم على شاشتها.

هذه شهادة أعتقد أنها صادقة وأمينة بشأن القناة، ومع هذا يمكنك أن تختلف معها في بعض توجهاتها، وكيفية صناعة أخبارها، وفقًا لأغراض سياسية، وهكذا الإعلام كله دون استثناء.

الثورة أسقطت حسني مبارك لا الجزيرة

ربما مشكلة علاء مع الجزيرة أنه يعتبرها الصوت المدوي للثورة التي أسقطت والده، وهو يتصور إلى اليوم أنه بدون الجزيرة كان مبارك سيفلت، وكان شقيقه سيواصل تنفيذ خطته لوراثة الحكم، لكن الثورة يوم جمعة الغضب فرضت نفسها واقعا حاسما لا يمكن التراجع عنه ضد مبارك.

وقد استخدم مبارك ما لديه من أوراق، للخروج من المأزق، لكنه فشل، وكانت الثورة القدر المحتوم، وعليه التحقت الجزيرة بقطارها المنطلق بسرعة، لتغطية الأحداث، ولم تكن الثورة مُرتهنة للجزيرة، بل كان صوت الثورة المدوي يصل إلى أصقاع الأرض. وعليه أيضا فإن الفضائيات العربية التي تواطأت عليها إلى ما بعد 28 يناير، غيرت موقفها المتخاذل، وشاركت في التغطية.

مبارك أسقط نفسه بسياسات نظامه، ولم تُسقطه الجزيرة، والحكام طاحوا من فوق عروشهم بسبب دكتاتوريهم، ولم تخلعهم الجزيرة.

وإذا كانت الجزيرة فجرت الربيع العربي، وكانت أجيرة ومتآمرة مع عواصم أجنبية، لإسقاط دول المنطقة، فلماذا يُفرط هذا الفريق (المُصطنع) في هذا الربيع؟ وكيف لم يحافظ عليه؟ وكيف يتعامل مع أنظمة ما بعد الربيع، وهي، أشد من سابقاتها في قبضتها الحديدية للحكم؟

هذه كلها تُرّهات، ودعاية مصنوعة من مادة الدجل والخرافة لتخويف الناس، وترهيبهم من أحلام التغيير نحو الحرية والديمقراطية.

لم يكن علاء مبارك موفقا في هجومه على الجزيرة، ولن يكون موفقا في أي هجوم، بأي موضوع آخر، لأن جانبا من تاريخه ليس ناصعا.

المصدر : الجزيرة مباشر