بين شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة

الأسيرة المحررة والصحفية الفلسطينية ‎غفران وراسنة استهدفها جنود الاحتلال بالرصاص الحي شمالي الخليل، بذريعة محاولتها طعن أحد الجنود، وقد أصيبت بجروح حرجة على إثر ذلك، وذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أن الجنود أعاقوا طواقم الإسعاف الذين حاولوا إنقاذها أو نقلها إلى مستشفى الخليل، بما يؤكد أن السياسة الحالية هي سياسة الجرائم المركبة، فكما قتلوا الصحفية شيرين أبو عاقلة واعتدوا على جنازتها، ها هم يقتلون زميلتها ويمنعون الإسعاف عنها بعد جريمة الاغتيال الأولى بأيام!

ويبدو أن ‏جيش الاحتلال الصهيوني جعل الصحفيين في مقدمة أعدائه، وقرر الرد على ومضات الكاميرات برصاص الرشاشات، وتكريس سياسة الدم في مقابل المداد، وبما أن الرد على اغتيال  ‎شيرين أبوعاقلة كان إعلاميا فقط، والردود الدولية كانت على استحياء، قرروا قتل زميلتها ‎غفران وراسنة، التي حرمت حتى من التغطية الإعلامية اللائقة، وهذا له أسباب كثيرة من أهمها أن المشاهير لهم حظ كبير من اهتمام وسائل الإعلام أحياءً وأمواتا، ثم إن شيرين أبو عاقلة تنتمي إلى كتيبة الجزيرة التي لا تفرط في حق أبنائها، وإذا علقت الجرس على رقبة القاتل، فضحته بين القبائل، وجعلت فضيحته بجلاجل، ويصدق عليها قول القائل:

إذا غضِبتْ عليك بنو تميمٍ * حسِبتَ الناسَ كلَّهمُ غِضابا

مذيعات أفغانستان

وقد واكب جريمة اغتيال مراسلة الجزيرة، ثم قتل الصحفية غفران قرار حكومة أفغانستان منع ظهور مذيعات التلفزيون بدون غطاء الوجه “النقاب”، ورأينا حملة عالمية علمانية نسوية عن حقوق المرأة، واضطهاد الأفغانيات والتضييق على المذيعات، وبعيدا عن الخلاف الفقهي المعتبر في المسألة، الذي يمنع التشنيع على المخالف، حسب القاعدة المقررة بأن المختلف فيه لا إنكار فيه، فلك أن تقارن بين الحملتين ومقدار التعاطف العالمي مع الإعلامية الأفغانية التي أُمرت بتغطية وجهها، والإعلامية الفلسطينية التي أريق دمها، وبعد المقارنة تخيل لو حدث العكس، فلو أن قتل الصحفية كان في كابل وليس في الخليل، لعادت إلينا أجواء الحرب وربما عاد بنو الأصفر لاحتلال أفغانستان، حرصا على حرية المذيعة.

كذلك لم نسمع للجمعيات النسوية ومراكز حقوق المرأة، أي تحرك تجاه قتل امرأتين أثناء تأدية عمل صحفي، وعلى الهواء مباشرة أمام أعين الجميع!

هذه العنصرية التي خلعت برقع الحياء بعد غزو أوكرنيا، وهذه الانتقائية بين إعلامية وإعلامية، كشفت النقاب عن وجه دميم، لا يرى حقوقا إلا لأصحاب البشرة البيضاء والأعين الزرقاء، ولا ينشط للدفاع عن المرأة والمطالبة بحقوقها إلا دخلا، ولتحقيق أهداف خاصة.

من الحلفاء العرب

في حديث مع أحد القيادات الفلسطينية، ونحن نحاول فهم جرأة الاحتلال على قتل النساء، وكان قبل ذلك يتجنب إلى حد كبير البعد عن هذه الدائرة الخطرة، قال لي: إن هذه الجرأة جاءتهم من حلفائهم العرب الذين كسروا هذا الحاجز، ولم يبق لهم ما يذكرهم بأخلاق الإسلام، ولا مروءات الجاهلية.

وفي موسم ظهور السوءات، انكشف دجل من طبع مع المحتل تحت ستار أن ذلك من أجل مصلحة الأشقاء الفلسطينيين، حيث مثلت قوافل التطبيع القديم منها والحديث، سياجا حارسا للمحتل، وأظهرته في صورة الجار المعتدل، بل وبلغ الفجور ببعضهم إلى حد وصفه بالمظلوم والمعتدى عليه!

ولم يصدر عنهم حتى مجرد إدانة لقتل الصحفيات، الذي يعد من الجرائم المصنفة ضد الإنسانية، تلك الإنسانية المجردة التي جعلت رئيس وزراء ‎بلجيكا يعلن أن بلاده تدرس منع استيراد منتجات الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتصبح بذلك ثانية دولة أوربية بعد ‎أيرلندا تتجه إلى هذا القرار، في الوقت الذي يتباهى فيه المطبعون الجدد بإقامة علاقات تجارية كبرى مع الاحتلال، وظهر أننا أخطأنا فهم تبريرهم للتطبيع لما قالوا “خدمة لمصالح الأشقاء” حيث أكدت الأحداث التي تلت التطبيع، أنهم يقصدون الأشقاء من أبناء سام.

المصدر : الجزيرة مباشر